الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ذبح في فرنسا بسكين إرهابي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونضرب المثل من جديد.. سكين وذبح ودماء في فرنسا. الضحية مدرس للتاريخ والقاتل متأسلم لا يعرف من فقه الدين إلا الدماء والعنف واحتكار الحقيقة، أستاذ التاريخ المذبوح يعمل في كلية سان بوا ـ بالقرب من مدينة باريس. 
قيل عن سبب الذبح هو أن الأستاذ وهو محايد في منهجه العلمي كان قد قارن في محاضرة بين نظام العلمانية في فرنسا ونظام قتل المختلف عند التيارات المتأسلمة ودلل على ذلك بالجريمة التي نفذها إرهابيون ضد محرري مجلة شارل إبدو لأنها نشرت صورًا كاريكاتورية للرسول وقام بعرض لطلابه.
العجيب في هذه الجريمة أنها جاءت بعد أيام من تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون والتي أعلن فيها عن خطط لسنّ قوانين أكثر صرامة للتصدي لما سمّاه "الانعزال الإسلامي"، والدفاع عن القيم العلمانية.
وأضاف ماكرون أن أقلية من مسلمي فرنسا، الذين يُقدر عددهم بنحو ستة ملايين نسمة، يمثلون خطر تشكيل "مجتمع مضاد".
وهاجم عدد من المعلقين تصريحات ماكرون، متهمين إياه بـ"العنصرية" و"كراهية الإسلام والمسلمين".
لم تمضِ أيام حتى جاء الشاب صاحب السكين ليؤكد ما طرحه ماكرون، وإن هناك ضرورة لوقفة جادة تجاه الفكر المتطرف.
الانعزال الإسلامي بات حقيقة لا يمكن تجاهلها، ولعل ما ساعد على ذلك الاتجاه هو لعب أجهزة المخابرات العالمية بالنار سواء واشنطن أو لندن أو حتى باريس التي تلاقي الجريمة تلو الأخرى.. ولأننا لسنا بصدد الحديث عن جذور الإرهاب في فرنسا لأن دم مدرس التاريخ لم يبرد بعد، فإننا سوف تكتفي بالإشارة إلى أن المواجهة الشاملة للإرهاب وداعميه ومموليه هي مهمة عالمية بامتياز لا مجال للتردد فيها أو القبول بأنصاف الحلول.
الملاذات الآمنة للإرهاب فكرًا وحركة وتنفيذًا معروفة، ولعل الدوحة وإسطنبول أبرز أمثلة على ذلك وعلي الرغم من تلك الحقيقة إلا أن عواصم أوروبا لم تلتفت لذلك وتمسك العصا من المنتصف، لذلك يصير من السهل على شاب إرهابي أن يمسك سكينه ويطيح برقبة أستاذ التاريخ.
صحيح أن الشرطة الفرنسية تحركت على الفور وتعاملت مع الإرهابي بما يليق به حيث أطلقت عليه النيران وأردته قتيلًا على الفور وصحيح أن الرئيس ماكرون انتقل لمكان الحادث، يبكي والدموع ظاهرة على وجهه وقال: هذا المساء قام الإرهابيون الإسلاميون بعملية إرهابية وذبحوا أحد مواطنينا ولكن كل هذا لا يجتث الفكر المسموم طالما تعيش أجهزة المخابرات على لعبة التباديل والتوافيق.
أستطيع بكل وضوح الآن أن أشير إلى التجربة المصرية في مواجهة الإرهاب بفخر، منذ 2013 ومصر تقدم النموذج وتحذر العالم وتضحي بدماء ذكية، بينما الآخرون ما زال لديهم أمل في صناعة القلاقل للدول المستقرة باستخدام هؤلاء الخونة المتطرفين وليست تجارب سوريا وليبيا وأرمينيا إلا أدلة دامغة على استخدام الفكر الإرهابي والإرهابيين في حروب غاية في الخسة.. حيث بات نقل المرتزقة إلى ميادين الصراع حكاية عادية يتابعها الرأي العام العالمي ببرود لا يليق مع حجم الجريمة. 
المجهول الذي ذبح مدرس التاريخ لن يكون الأخير في عداد المجرمين محتكري الحقيقة وتجار القداسة الخلايا النائمة تنتشر بطول الكرة الأرضية وعرضها ينظرون الإشارة لتفجير الدمامل والقبح والذبح في وجه البشرية.. لن تتوقف تلك الجرائم إلا بضرب عمق الملاذات الآمنة إلا بوقف ازدواجية التعامل مع هذا الملف إلا بشجاعة نادرة لا تتوافر الآن في أي من قادة أوروبا.
شكرًا لصاحب السكين لأنه يوقظنا من النوم ولأنه قدم الدليل على تهافت وجهة نظر منتقدي ماكرون في موضوع الانعزال الإسلامي.