الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

3 أهداف لـ«العثمانلى» من دعم «أذربيجان» في مواجهة «أرمينيا»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تشهد كل من أرمينيا وأذربيجان الدولتين السوفيتيتن السابقتين الواقعتين في القوقاز سلسلة قديمة من الصراعات على خلفية نزاع حول الأراضى، ويعود هذا الصراع إلى عام ١٩٢٣ عندما قام جوزيف ستالين بضم سكان منطقة قره باغ داخل حدود أذربيجان، بالإضافة إلى أن السلطة السوفياتية منحت الإقليم صلاحية الحكم الذاتى داخل جمهورية أذربيجان، ما كان بمثابة تهديد لأذربيجان، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى وبعد أن استقلت جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وجمهورية أرمينيا، كل منهما يريد ضم تلك المنطقة إلى أراضيه. وكان السبب في ذلك الصراع هو قول أرمينيا بأن تلك المنطقة تحت سيادتها معللة ذلك بأغلبية سكانها الأرمن، وقد تسبب ذلك الصراع إلى نزوح مئات الآلاف من الأرمن من أذربيجان إلى أرمينيا ونزوح مئات الآلاف من الأذريين من أرمينيا إلى أذربيجان.
وضمن السياق ذاته طالب البرلمان في منطقة قره باغ بالانضمام إلى أرمينيا، وتم التصويت على ضم المنطقة إلى أرمينيا ٢٠ فبراير ١٩٨٨ وإعلان الانفصال، وجاء الانفصال بسبب منع الجالية الأرمينية من ممارسة عقائدها واستخدام القيود على الحريتين الفكرية والدينية، ولكن الأهم من ذلك، اعتبرت الحرب بينهما صراعًا من أجل الأرض، ومن ناحية أخرى هناك العديد من القوى الإقليمية والدولية التى ساهمت في تغذية حالة الصراع بين الدولتين.

التدخل التركي

بالتزامن مع كل تجدد للصراع بين الجانبين تتجه الأنظار إلى تركيا التى تسارع إلى إعلان تقديم الدعم لأذربيجان في إطار العداء التاريخى لأرمينيا، ونظرتها إلى أذربيجان بوصفها امتدادًا للمصالح التركية وفق قاعدة دولتان وأمة واحدة؛ حيث معظم سكان أذربيجان هم من أصول تركية رغم أنهم شيعة من حيث المذهب، وقد كان لافتًا مع تجدد القتال بين الجانبين مسارعة أردوغان إلى إعلان دعم أذربيجان وتهديد أرمينيا، وضمن السياق ذاته جعلت تركيا التى لها طموحات جيواستراتيجية في القوقاز وآسيا الوسطى، من أذربيجان الثرية بالمحروقات والتى يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية، حليفها الأساسى في المنطقة، وهى صداقة يعززها العداء المشترك لأرمينيا. وتدعم أنقرة باكو في رغبتها في استعادة منطقة ناغورنى قره باغ.
وبالنسبة لأرمينيا، فهناك علاقات متوترة مع تركيا بسبب إبادة الإمبراطورية العثمانية نحو مليون ونصف مليون أرمينى خلال الحرب العالمية الأولى. لكن، ترفض تركيا هذا الوصف لما حدث وتتحدث عن مجازر متبادلة، وهو الأمر الذى يفسر لماذا تتجه تركيا إلى دعم أذربيجان.

دوافع التدخل

تدعم تركيا بشكل مطلق أذربيجان منذ بداية نزاعها مع أرمينيا قبل عقود، وتتبنى الروايةَ الأذربيجانية القائمة على أن أرمينيا تحتل منذ عام ١٩٩٢، نحو ٢٠ في المائة من الأراضى الأذربيجانية، التى تضم إقليم “قره باغ” (يتكون من ٥ محافظات)، و٥ محافظات أخرى غربى البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتى “آغدام”، و”فضولي”، وتدعم مساعى أذربيجان لاسترداد هذه الأراضي.
وتقدم تركيا تقليديًا دعمًا دبلوماسيًا ومعنويًا لدولة أذربيجان الشريك الجيوستراتيجى لها والمشابهة لها عرقيًا في كون سكانها من العنصر التركي. وقد تكثفت اللقاءات بين مسئولين عسكريين من البلدين في أعقاب اشتباكات يوليو ٢٠٢٠، التى أعقبها إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين، وهناك مجموعة من الدوافع المختلفة التى يعتمد عليها النظام التركى في تبرير تدخله في الأزمة بين أرمينيا وأذربيجان منها:

١- تعتبر أذربيجان محطة إنتاج ونقل الطاقة الرئيسية في جنوب القوقاز، كما تمر فوق أراضيها كل خطوط الطاقة المنتجة في روسيا إلى تركيا، وتحصل أنقرة على الغاز من أذربيجان بسعر رخيص، ما يجنبها تحميل الميزانية العامة للدولة أعباء استيراد الغاز مرتفع الثمن، خاصة مع تدهور الاقتصاد التركى، فتركيا وأذربيجان تربطهما مصالح إستراتيجية كبيرة تتعلق بخطوط نقل الغاز، ومكانة أذربيجان في سوق الطاقة ومخاطر أى مواجهة على إمدادات تركيا من الطاقة القادمة من أذربيجان، وحاجة الأخيرة الملحة لتركيا كممر مهم للعالم الخارجى، بالإضافة إلى المصالح المرتبطة بكون أذربيجان ممرا مهما لتركيا لنفوذها القديم في القوقاز ووسط آسيا.

٢- مواجهة الأكراد ويعتبر هذا الملف من الملفات المحورية في الدفع بتركيا إلى الانخراط في الأزمة بين أذربيجان وأرمينيا خاصة أن الصراع بين باكو ويريفان يقع في مناطق غالبية سكانها من الأكراد، وفى وقائع الصراع الأرمينى – الأذرى على إقليم قره باغ، ظلت أرمينيا تحاول استمالة الكرد وتحفظ لهم حقوقهم، فيما مارست أذربيجان سياسة إمحاء الهوية والإقصاء السياسى، فكان الكرد في هذه المناطق هم بحق ضحايا هذا الصراع.

٣- توحيد الداخل التركي: تعتبر أذربيجان من حيث التركيبة السكانية امتدادًا للقومية التركية وهى قضية محورية في الداخل التركى وتستحوذ على توافق مختلف القوى السياسية المؤيدة والمعارضة، وفى ظل تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم يحاول أردوغان توظيف هذا الملف للالتفاف على الضغوط الداخلية التى يواجهها الحزب والهزائم المتتالية التى يشهدها في الكثير من مناطق الشرق الأوسط.

٤- التنافس مع روسيا وإيران؛ تتنافس روسيا وتركيا على النفوذ الجيوسياسى في هذه المنطقة الإستراتيجية، وتبقى روسيا أكبر قوة إقليمية هناك، وتقيم مع أرمينيا علاقات أوثق من علاقاتها مع أذربيجان، لكنها تبيع الأسلحة للطرفين. وقد انضمت يريفان إلى أحلاف سياسية واقتصادية وعسكرية تهيمن عليها موسكو، أبرزها منظمة معاهدة الأمن الجماعى، وتقدم موسكو لأرمينيا ضمانات أمنية، ولكنها لا تمتد إلى منطقة القتال في ناغورنو كاراباخ، وتقدم موسكو أيضًا السلاح لكلا الجانبين، وهى أحد الرؤساء المشاركين في مجموعة مينسك التى تتوسط في النزاع بينهما. وقد دعت روسيا إلى وقف إطلاق نار، ولكن على العكس من التصعيدات واسعة النطاق السابقة، عليها حتى الآن أن تقنع القادة السياسيين أو العسكريين الأرمينيين والأذربيجانيين بحضور اجتماع مشترك.
وطالما ظل القتال مقتصرًا على منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها فإن أفاق أن تحافظ روسيا على حيادها في الصراع تجعل من المرجح أن لا يكون هناك تدخل روسى معلن هناك؛ بيد أن حدوث نزاع طويل الأمد مع تدخل تركى متزايد سيهدد الهيمنة الروسية في المنطقة التى تعتبرها جزءًا من فضاء مصالحها الحيوية ويستدعى استجابة مباشرة منها، وهو ما يعنى أن الأوضاع قد تتطور تجاه الصدام المباشر بين روسيا وتركيا.
وفيما يتعلق بإيران فإنها ليست مع أرمينيا، فعلى الرغم من وجود الاتفاقيات الأمنية بين كل من إيران وأرمينيا، لكن هناك علاقات بين إيران وأذربيجان، خاصة أن الغالبية الإسلامية من أذربيجان شيعية، والمنافسة بين تركيا وإيران هنا تكمن في صراع كل واحدة منهما على فرض سيطرتها على هذه التركيبة الإسلامية، فتركيا تعى جيدا أن أذربيجان يعود ممثليها لأصول تركية، وإيران تتذكر أن المذهب الدينى الذى يؤمنون به شيعى، وهناك ٢٥٪ من السكان في إيران ينتمون لأذربيجان والمرشد الإيرانى نفسه ذو أصول أذرية، لذلك هناك تخوفات من حدوث الانقسامات الداخلية في النظام السياسى الإيراني.
ومن ناحية أخرى تواجه إيران مجموعة من الضغوط الإقليمية والدولية، وفيما يتعلق بالمنافسة مع تركيا فإن أنقرة خاصة ترسل إما وحدات من الجيش التركى أو عناصر من المرتزقة والميليشيات المسلحة من سوريا إلى أذربيجان وهو ما يمكن أن يساهم في تعزيز النفوذ التركى على حساب النفوذ الإيرانى، كما أن نشوب صراع تركى إيرانى محكوم بشروط فكل منهما لديه مصالح اقتصادية، وهو ما يطغى على فكرة منع نشوب أى صراع بينهما، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن إيران وتركيا دخلا في خلافات سياسية في اليمن وسوريا والعديد من الدول العربية، ولم يتطور الصراع بينهما لدرجة الدخول في أى مواجهات عسكرية.
ختامًا: تستهدف تركيا من تدخلها في الأزمة بين أذربيجان وأرمنيا مجموعة من الأهداف بعضها يتعلق بالداخل والبعض الآخر يتعلق بنفوذها الإقليمى، وهذه الأهداف بمثابة المحرك الرئيسى للسياسة التركية تجاه الأزمة، والتى إقليمية شاملة.