الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نصف قرن على رحيل عبد الناصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اليوم ٢٨ سبتمبر.. يمر على غياب الزعيم عبد الناصر نصف قرن . نصف قرن على غيابه ومع ذلك يتم التعامل مع عبد الناصر وكأنه لايزال حياً يرزق . هل هذه ظاهرة غريبة ، أم أنه كان أسطورة ؟ هو ظاهرة وليست غريبة لو وضعت فى إطارها التاريخى وفى ظروفها السياسية الداخلية والعالمية . هو ليس ظاهرة غريبة من منطلق دراسة شخصيته ونشأته وميوله ومواقفه وقيمه التى أمن بها ومبادئه التى سعى إلى تحقيقها على أرض الواقع ، كان أحد أبناء مصر من الطبقة تحت المتوسطة وتأثر بوجود الاستعمار البريطانى الذى كان يحكم مصر فعلياً وليس الملك . خرج فى المظاهرات يطالب بالاستقلال . دخل الجيش وحارب فى فلسطين فأدرك أن مشكلة مصر ليست مشكلة داخلية ولكنها مرتبطة بمجمل أوضاع المنطقة العربية التى يسودها الاستعمار بكل مسمياته ويسيطر عليها حكام رجعيين يستمدون سلطانهم وبقاءهم من تبعيتهم وخضوعهم لهذا الاستعمار ، ولذا كان قد أدرك منذ اللحظة الأولى أن إسرائيل ذلك النبت الشيطانى ومن صنعوها لا يستهدفون فلسطين فحسب ولكن يستهدفون مجمل الوطن العربى من النيل إلى الفرات ، وهذا يعنى إدراكه أن فلسطين هى البداية وأن مصر هى الثمرة التى يشتهيها الاستعمار بكل صنوفه ومنذ بداية التاريخ ، وهذا يعنى أن تحرير مصر من الرجعية والإقطاع والرأسمالية هو الطريق لتحرير الوطن العربى بل لتحرير ومساعدة كل حركات التحرر العالمى ،حيث أن الحرية لا تتجزأ لا زماناً ولا مكاناً ،ولذا قامت ثورة يوليو بمبادءها الستة بهدف التحرر من الاستعمار والاستغلال بكل صوره وأشكاله ،وإقامة حياة تتصف بالعدالة الاجتماعية حتى يتحرر الفرد من الاستغلال الاقتصادى ويضمن لقمة العيش ، فبالتحرير والتحرر وتحقيق العدالة الاجتماعية فى ذلك الزمان كان هذا حدثاً تاريخياً ولايزال ، حتى ان غابت اوغُيبت مظاهر الحدث المادية ولكن لازالت وستظل باقية كفكرة ومبدأ وقيمة إنسانية تصلح لكل زمان ولكل مكان، اى أن بقاء ناصر بهذا التواجد الفكرى والمعنوي والرمزى حتى الان هو بقاء وتمسك بقيمة وليس بشخص ، فالاشخاص زائلون ولا خالد غير الله سبحانه وتعالى . الشى الآخر أن ناصر لم يبنى مجداً خاصاً ولم يسعى إلى مصلحة ذاتية أو مكسب شخصى ، كان مواطن بدرجة رئيس جمهورية ، يعيش ويلبس وياكل ويمارس حياته وأسرته مثل ملايين المصريين ، شعر بمعاناة المواطن التى عاشها فامتزجت مصلحته الخاصة مع المصلحة العامة لمصر والمصريين ، كان يتابع حياة المواطن فى اقل جزئية حياتية من خلال تقارير شعبية (الاتحاد الاشتراكى ومنظمة الشباب والتنظيم الطليعى) وليس فقط من خلال الأجهزة الرقابية والأمنية فقط ، حتى أن خطاباته كانت الحلقة الاهم فى العلاقة بين السلطة والجماهير، ولذا كانت علاقة الجماهير بناصر هى علاقة الزعيم والاخ والاب، وبروح هذه القيم وحباً فى مصر وشعبها لم يقم بعمل على المستوى العربى والافريقى والعالمى الا من منطلق وبهدف الوصول بمصر وشعبها إلى المكانة التاريخية التى تليق بها كعهدها طوال التاريخ، ولذا نقول إن تقييم كل هذا لا يتم الان بمعطيات الواقع ولكن بمعطيات وظروف وقوع الحدث.
بكل هذا لم يكن ناصر أسطورة، فالتشبيه بالاسطورة ينزع من ناصر القيمة الانسانية الحقيقية ويشوه التجربة ويستبدل الواقع بالخيال ويحجم النضال الدائم الذى دفع فيه اغلى ثمن. هو شخص وطنى مخلص أمن بوطنه وشعبه وتمسك بقيمه وادى دوره بأمانة، ولذا يحق عليه التقييم العلمى والموضوعى فهو بشر وليس نبى، يخطئ ويصيب، ولكن لابد للتقييم أن يخرج من دائرة الحب والكره وتفريغ شحنات الأمراض النفسية للمستفيدين من ناصر هم وأجدادهم! كما لا يصلح تقييم من يعيشون حتى الآن فى وهم الباشاوية ويريدون ارجاع عجلة الزمن ، ولكن للتقييم أسلوبه وأدواته، فهذا الإنسان بكل تاريخه وبكل إنجازاته واخفاقاته هو بشر وعلى هذه الأرضية حبه الشعب وخرج لوداعه فى جنازة غير مسبوقة ولن تتكرر فى التاريخ ،ليس هذا فحسب ولكن لازال ناصر وسيظل عنواناً للوطنى المناضل المخلص الذى استهدف صلاح الوطن والمواطن بقدر ما اتيح له من ظروف وتحديات يعلمها الجميع . رحم الله ناصر وحمى الله مصر وشعبها العظيم.