السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عبدالناصر والفقراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يحظ زعيم في العالم بما حظي به الزعيم جمال عبدالناصر، في حياته، وبعد مماته، فقد أحبه الناس وارتبطت به الجماهير، ليس في مصر فقط، بل في عالمنا العربي والأفريقي، وفي العديد من دول العالم النامي.
ورغم مرور ٥٠ عامًا على وفاته، لم يستطع أي زعيم أن يكسب حب الناس مثلما كسبه ناصر، لأنها مسألة ربانية، وجاء في ظروف مختلفة عززت من حب الناس، خصوصا في فترة التحرر العربي والعالمي من الاستعمار، وكسر حالة الفقر التي سادت لسنوات وربما قرون، ليأتي عبدالناصر ليضئ شمعة أمل في حياة الناس والشعوب والدول، فرأت الجماهير أحلامها فيه وبين يديه، وأحبهم فأحبوه.
واليوم نحتفل باليوبيل الذهبي لوفاة هذا الزعيم المتفرد، أو "أبو الفقراء"، أو "أمير الفقراء" وصفه الناس وسياسيون وأدباء ومفكرون، وزعماء من العلم، ليصبح أيقونة لها خصوصية، شديدة في قلوب الناس والعالم.
وصدق الشاعر الكبير المرحوم "كمال عمار" في أبياته عن عبدالناصر..عندما قال... "رأيتك في ضـربات الفئـوس... تشق الثـرى عن كنـوز الغد... رأيتك في الناس تبنـى الحياة..وفى قلبها همة السيد... رأيتك في كل شـيء أراه.. حقولًا من الشهـد والعسجـد.. شربت من النـور حتى ارتويت...وما زال كفك يسقـى يدى.... وتنتهي القصيدة بـ أخيرًا.. وجدت جـواب السـؤال وكان "جمـال"!".
وفي تأكيد على مكانة ناصر الأفريقية قال عنه الزعيم "نيلسون مانديلا" "كان لدي موعد قد تأخر ربع قرن مع رجل رفعت رأسي من بعيد كي يراه، ثم حالت ظروف قاهرة بينه وبيني لألقاه، وحين جئت إلى مصر فقد كان من سوء حظي أن جمال عبد الناصر لم يعد هناك سأزور في مصر ثلاثة أماكن الأهرامات والنيل العظيم وضريح الرئيس جمال عبدالناصر".
وأتذكر ونحن أطفال في مراحل الدراسة الأولى أن زار عبدالناصر محافظتي الدقهلية مرتين، وقالوا لنا: سنخرج لنرى الزعيم ناصر، وفي مشهد ظل في ذاكرتي حتى اللحظة، أن وقفت الناس عن بكرة أبيها على امتداد الطريق الذي سيمر منه ناصر والجميع في لهفة لمجرد "لمحة" لهذا البطل لذي انشقت عنه أرض مصر لينقذ الفقراء ويدافع عن المحتاجين ويحرر المظلومين.
أتذكر أننا لمحنا رجلًا مبتسمًا، ومن بعيد يلوح بيديه للجماهير، والناس تهتفت بحالة حب، لم أفهم معناه إلا بعد سنوات، عندما رحل في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠، وكأن الناس فقدت الأب للصغار، وفلذات الكبد للكبار.
وفي واقعة أخرى فوجئنا بمن يقول لنا لقد مات عبدالناصر، وتتعالي صرخات النساء، والدموع تسيل من عيون البشر، فقد توقفت الحياة، وشعر الناس أن أحلامهم تتسرب من بين أصابعهم كالمياه، ولم يصدق الناس أن عبد الناصر رحل.
وفي صباح اليوم الثاني للوفاة وجدنا أنفسنا بملابس المدارس، في صفوف وفي جنازات "رمزية" انتشرت في كل قرى وشوارع وأحياء مدن مصر، تبكي زعيم أحب الناس ووهبهم حياته، فأحبوه، وأبكوه، من القلب يوم رحيله.
هذا هو عبدالناصر الذي قال عنه نجيب محفوظ "إن عبدالناصر أكثر من أنصف الفقراء، وما لم يستطع تحقيقه أعطاه لهم أملًا لذلك، فالناس لا تنساه أبدا، لأن الأمل لا يموت وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل اسم عبدالناصر وصوره ترتفع في كل مظاهرة شعبية".
تربينا على أغنية شعبية عن فيضان عبدالناصر على الناس المعدمين، وأتذكر بعضًا من الكلمات "،"بعد ما كنت فقير مسكين جمال إداني خمس فدادين وبقالي مُهرة وعربية"، وهو تبسيط لقانون الإصلاح الزراعي الذي أنصف الفقراء من الفلاحين، وفي ترجمة لمقولة عبدالناصر "بيقولوا الفقراء لهم الجنة، طب ميبقاش لهم نصيب في الدنيا"، فجاء قانون الإصلاح لينصف هؤلاء الفقراء.
وبعد ٥٠ عامًا من الرحيل، نتذكر ما قاله "شارل ديجول رئيس فرنسا الأسبق" "إن الرئيس جمال عبدالناصر قدم لبلاده وللعالم العربي بأسره خدمات لا نظير لها بذكائه الثاقب وقوة إرادته وشجاعته الفريدة، ذلك أنه عبر مرحلة من التاريخ أقسى وأخطر من أي مرحلة أخرى. لم يتوقف عن النضال في سبيل استقلال وشرف وعظمة وطنه والعالم العربي بأسره"،..والسؤال، وفي ظل المتغيرات.. ولو كان ناصر بيننا ورحل اليوم.. هل ستتغير تلك الكلمات؟... لا أعتقد.. فرحمة الله عليه.