الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

الأيام الأخيرة في حياة عبدالناصر بخط يد زوجة "الزعيم".. تحية كاظم: أصيب بالسكر في 1958 وقال: "أهون من أمراض كثيرة".. كان دائم الزيارة للجنود في حرب الاستنزاف.. وقال لي: أتمنى الموت على الجبهة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زالت حياة الزعيم عبدالناصر مليئة بالأسرار التى لم يكشف عنها حتى الآن، فكثيرا تنتشر الشائعات وخاصة عن اللحظات الأخيرة في حياته، فتارة يقولون إنه مات مسمومًا بفنجان قهوة، وأخرى أنه قتل على يد الإسرائيليين، إلا أن ما كتبته رفيقة عمره السيدة تحية عبدالناصر، بخط يدها في مذكراتها، تظل الأقرب للحقيقة والتي تنشر "البوابة" جوانب منها، في ذكرى وفاة الزعيم جمال عبدالناصر.


تحية كاظم، سيدة محظوظة تزوجت ضابطا شابا في 29 يونيو 1944، وكونت معه أسرة صغيرة سعيدة، ولكنها على الفور أدركت أنه لم يكن بالشخص العادى، حتى أصبح الرجل الأول في مصر والوطن العربي بل والعالم الثالث.
"البوابة"، تنشر التاريخ المرضى للرئيس عبدالناصر، ومعايشته لمرض السكر والقلب، وأيضا اليوم والليلة واللحظات الأخيرة في حياة الزعيم كما جاءت بخط يد قرينته.
وقالت حرم الزعيم في مذكراتها: "في خريف 1958 مرض الرئيس بالسكر.. فحزنت جدا.. كنت أنزل الحديقة بمفردي وأبكي.. وانقطعت عن أكل الحلوى، وكان يقول: الحمد لله السكر أخف من أمراض أخرى كثيرة، وفي عام 1968 شعر الرئيس بألم في ساقه استمر أشهر، ولم أره قلل من شغله أو استراح أبدا".

وتواصل: "قابل السفير محمد عوض القرني، فأخبره أن عنده نفس المشكلة في ساقه وذهب لبلد في الاتحاد السوفيتى، حيث توجد مياه معدنية، وعمل حمامات لمدة 3 أسابيع وشفى تماما بعد فترة كررها في العام الذى يليه، وهو الآن لا يشعر بتعب وقد مضى عدة سنوات، وأيضا سبق للرئيس العلاج في الاتحاد السوفيتى، حيث كان في زيارة بالصيف، وقبل عودته للقاهرة عمل فحص طبى، هناك ونصحه الأطباء أن يبطل تدخين".

وعن تفاصيل وجود الزعيم في المصحة الروسية، روت السيدة تحية: "أخليت مصحة لإقامة الرئيس وكان يزوره كبار الأطباء، وأقام معنا طبيب ليتولى مباشرة العلاج، وكان الرئيس قد أبدى رغبته بأن تكون زيارته للعلاج فقط ولا يقابل المسئولين هناك، ولهذا رتبت رحلة لأولادنا لقضاء وقت على الشاطئ في البحر الأسود، وزيارة العاصمة موسكو، وكان الرئيس يخرج إلى الحمام الذى يبعد عن المصحة بدقائق ويرجع ونتناول الإفطار سويا، ويخرج في المساء حسب تعليمات الأطباء ليمشى وقتا في الشارع، ويرافقه الدكتور المصرى الصاوى حبيب، والطبيب الروسى، والسفير المصري".
أزمة صحية جديدة
في سبتمبر من عام 1969 تعرض الزعيم لأزمة صحية، كشفت حرمه في مذكراتها تفاصيلها حيث قالت: "بعد أيام من ثورة سبتمبر في ليبيا، شعر الرئيس بتعب وارتفاع في درجة الحرارة، وأشار إليه الأطباء بالراحة في السرير، وكانت النوبة القلبية، ولم يخبرنى، وقال لى إن عنده أنفلونزا، وكان قد أوصى الأطباء أن لا يخبرونى عن مرضه، وبعد أيام وكنت في المساء في الدور الأول وبعد انتهاء الزيارة، وجدت أدوات بجوار السلم فسألت ما هذا فقالوا لى: إنها لعمل أسانسير، ففهمت وصعدت السلم وأنا أبكى، قابلنى الدكتور الخاص ووجدنى أبكى فقلت إنى رأيت استعدادا لعمل أسانسير إن الرئيس به شيء في قلبه، وطبعا الدكتور نفى".

وعن كيف أمضى الرئيس أيام المرض، كشفت: "أنه كان يتحدث بالتليفون طول اليوم في توجيهات القوات المسلحة والوزراء، وغيرهم، وكل الحديث شغل، ولاحظ الدكتور الخاص الصاوى حبيب الذى قضى وقتا في البيت، ويقوم بتحضير الدواء في أوقاته، وينتظر حتى تنتهى المكالمة وكنت لاحظت المجهود الذى يقوم به الرئيس رغم أنى لم أكن أعلم عن المرض في الأيام الأولى، إذ كان يطلب وجبات الطعام تجهز على ترابيزة صغيرة في الحجرة، وأجلس معه ونتناول الطعام سويا، أى لم يكن يرقد في السرير، كما أعرف عن مرضى القلب، وكان يقوم للحمام ويحلق ذقنه كالعادة، وقد أخبر الدكتور الخاص الأطباء فنصحوه بالراحة التامة، لكنه ظل كما هو وبعد أقل من أسبوعين كان يطلب الزائر ويصعد للدور الثانى، ويقابله في المكتب الملحق بحجرته ويجلس معه لوقت والمقابلة شغل، وبعد شهر سألنى هل انتهى عمل الأسانسير فظهر على الارتباك، فقال إنى أعلم أنه يجهز في البيت أسانسير، وقد سألنى الأطباء ووافقت، وأنتى لم تقولى لى عنه، فقلت إنه تم العمل فيه وقال غدا إن شاء الله سأنزل للدور الأول".

نوبة قلبية
وعن الوقت الذى كشف الزعيم حقيقة مرضه لقرينته، قالت: "بعد مُضي شهرين من مرضه، حكى لى الرئيس عن مرضه، وقال إنه كان مريضا بنوبة قلبية، لكن حاجة بسيطة، فقلت له: فهمت وكنت أعرف وابتدأت أشعر بالدموع فخرجت من الحجرة، بعد شفائه جاء شهر رمضان وكان أول مرة يفطر فيه الرئيس ولم يصمه وكان يتناول وجبة خفيفة وقت الظهر ويتناول معنا الإفطار وقت المغرب".
وتابعت السيدة تحية كاظم: "لم يقلل من شغله أبدا وكان الأطباء يطلبون منه الراحة ويقول لهم إنى أنفذ كل ما تطلبوه من علاج إلا أنى أستريح وأقلل من الشغل فهذا ليس في إمكانى تنفيذه، وكان يذهب للجبهة ويجتمع مع المقاتلين ويبقى يوم أو يومين وفى مرة بعد عودته من الزيارة قال لى كنت أتمنى لو أبقى هناك حتى أموت، وسط المجندين والمقاتلين في حرب الاستنزاف".
وعن آخر عيد ميلاد للرئيس 15 يناير 1970، ذكرت حرم الزعيم: "ذهبت والأولاد لنمضى اليوم معه في القناطر، وكنا أولاده وأنا كل واحد يقدم له هدية رمزية ونحتفل بعيد ميلاده، ولم يشاركنا أبدا في هذا الاحتفال، وكنا نحضر الحلوى ونضع عليها الشموع ونطفئها كلنا وكان يخرج من حجرته لينزل للدور الأول فيرى الحلوى على الترابيزة في حجرة السفرة، فيبتسم ويحيينا وينزل لمكتبه، أو يخرج".

القمة الأخيرة
وعن التدخين وأثره في صحة الرئيس، ذكرت حرمه: "أن عبدالحميد نجلهما حضر من الكلية البحرية التى كان يدرس فيها، ودخلت معه للرئيس في حجرته فصافحه وقبله، ثم اكتشف أنه يدخن فقال له وهو يضحك إنك تدخن وسأله عن عدد السجائر التى دخنها، وقال له لا تدخن كثيرا حتى لا تضر بك وبعدين لما تكبر يقولك الأطباء لا تدخن، ثم تحدث الرئيس في التليفون مع هيكل وحكى له ما دار بينه وبين عبدالحميد، وكيف إنه شم رائحة السجائر وهو يقبله، وكان الرئيس لم يدخن ولا سيجارة منذ أن كان في الاتحاد السوفيتى في يوليو 1968، بطلب من الأطباء".



الليلة الأخيرة
وبعد انعقاد القمة العربية لإنقاذ الفلسطينيين وقت أحداث أيلول الأسود، تروي السيدة تحية كاظم تفاصيل اليوم والليلة والساعات الأخيرة في حياة الزعيم، وتقول: "كنت أتتبع الأخبار في الإذاعة والتليفزيون، سمعت في نشرة التاسعة من المذيعة سميرة الكيلانى، وقالت تم الوفاق واختتم المؤتمر وغادر الضيوف من الملوك والرؤساء وكان في توديعهم الرئيس وسيغادر الباقى غدا، فهللت وصفقت من الفرحة، وكانت ابنتى منى، حضرت في هذه اللحظة، وفى الساعة 10.30 مساء، قال لى السفرجى، لقد حضر سيادة الرئيس فقلت لمنى أكملى الفيلم الذى تشاهديه، وتركتها، ودخلت حجرة الرئيس وجدته راقدا على السرير صافحته بحرارة وقلت له: الحمد لله لقد سمعت نشرة الأخبار وفرحت وهللت، فقال: الحمد لله وكان طلب العشاء وسألنى هل تناولت عشاءك فقلت له نعم وجلست معه، ولم يأكل إلا لبن زبادى، ورقد على السرير، وصعدت منى لحجرة والدها وصافحته وجلست معه على طرف السرير، وحضر خالد، وصافحه وجلسوا قليلا يتحدثون مع والدهم وخرجوا وظل الرئيس يتحدث في التليفون حتى 12 صباحا، قال سأنام لأذهب صباحا لتوديع الملك فيصل وأمير الكويت، وأطفأ النور ونام ونمت، وفى الصباح استيقظ الثامنة صباحا، وحضر الدكتور الخاص وكنت أستعد لدخول للرئيس في حجرته لأتناول معه الإفطار، فرأيته دخل في الحجرة لتحيتى قبل خروجه وقال سأذهب للمطار، وذلك دون تناوله للإفطار، وقال للسفرجى إنه تناول فاكهة فقط".
وتابعت حرم الزعيم: "رجع الرئيس في الساعة 12 ظهرا، وحضر الدكتور الخاص، ودخل له وكنت سأدخل للرئيس ووجدت الدكتور يجرى له فحص قلب، فرجعت ولم أدخل الحجرة، ثم بعد ذلك خرج الرئيس مرة ثانية لتوديع أمير الكويت، ورجع في الثالثة ظهرا، وكنت دخلت حجرتى وخرجت منها، وجدت ابنتى منى، تستعد للعودة لبيتها، بعد أن انتهت من عملها، وكانت تجلس في مكتب والدها في الدور الثانى، حيث كانت تعمل سكرتيرة لوالدها منذ عام، وكان سعيدا بتفوقها في العمل معه وسرعة بديهتها وفهمها، وحضرت هدي وقالت بصوت خافت، وكنت مشيت معها بالقرب من باب الحجرة: "ماما بابا تعبان شوية وسينام"، فرآنى الرئيس وقال لى تعالي يا تحية وأشار إلى بيده أن أجلس على طرف السريرـ فسألنى هل تناولتى الغذاء، قلت نعم تناولته مع الأولاد، فقال لى أنا مش هتغدى، وأشار لى بيده أن أبقى كما أنا جالسة، فبقيت نحو 10 دقائق، وهو راقد لم يتكلم، وحضر الدكتور الصاوى حبيب، وطلب منى عصير فذهبت وأحضرت عصير برتقال وليمون، وجهزته بنفسى بسرعة، وأدخلته لهم، وبعدها حضر دكتور اختصاصى منصور فايز، فقلت له بالحرف أنت جيت ليه يا دكتور دلوقتى، أنا لما بشوفك بأعرف إن الرئيس تعبان وبأكون مشغولة فرد على وقال: أنا معتاد أن أحضر له كل أسبوع في يوم الاثنين".
وتواصل: "كنت جالسة في حجرة المكتب، وسمعت الرئيس يتحدث، وابنتى منى قالت لى إن أباها بخير، وطلبت منى الخروج، ففعلت وجلسنا على الترابيزة في حجرة السفرة، وبعد دقائق خرج الدكتور منصور فايز، وقال الرئيس الآن تحسن وإذا أردتى الدخول إليه تفضلى، وأخذ يدخن سيجارة فقلت له لا داعى حتى لا أشعر إنى قلقة، وبعد دقائق جاء الدكتور الصاوى حبيب، يجرى مسرعا وقال تعالى يا دكتور ودخل الدكتور يجرى، ودخلت لحجرة المكتب، ومنعتنى منى من الدخول لوالدها، وقالت إن بابا بخير لا تخافى يا ماما، وأجلستنى في حجرة المكتب، وجلست معى، وبعد فترة حضر دكتور آخر، ثم دكتور ثالث، فدخلت عنده ووجدت الأطباء بجانبه يحاولون علاجه وكنت أبكى، وخرجت حتى لا يرانى الرئيس، ثم دخلت له مرة ثانية، بعدها دخل عدد من السكرتارية ثم حضر حسين الشافعى، وحسنين هيكل، وكل شخص يدخل الحجرة لا يخرج منها".

الوداع الأخير
وعن لحظة الموت، أفادت: "منى أصرت أن أخرج إلى الصالة، فكنت أمشى وأقول، يا جمال يا جمال، وفجأة وجدت الكل يخرج وينزل السلالم، فدخلت مسرعة رأيت حسين الشافعى يخرج من الحجرة يبكى، ويقول مش معقول يا ريس، وحضر خالد وعبدالحكيم في هذه اللحظة، ولم يكونا في البيت ولا يدركان شيئا ودخلا مسرعين وحضرت هدى، وكانت لا تعلم بما جرى بعد ذهابها لبيتها".
في لحظات الوداع الأخير كشفت: "دخلت للرئيس ووقفت بجواره أقبله وأبكيه ثم خرجت من الحجرة لاستبدل ملابسي وارتدى الحداد، ونزلت مسرعة فوجدت الأطباء والسكرتارية وهيكل والشافعى والسادات، واقفون في الصالون، قلت لهم: لقد عشت ثمانية عشرة عاما لم تهزني رئاسة الجمهورية ولا زوجة رئيس الجمهورية وسوف لا أطلب منكم أي شيء أبدًا.. أريد أن يجهز لي مكان بجوار الرئيس لأكون بجانبه.. وكل ما أرجوه أن أرقد بجواره".