الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

صيدنايا تحتفل بعيد القديس يوحنا اللاهوتي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الأرشمندريت يوحنّا التلّي بدير القديس جاورجيوس والشيروبيم، صيدنايا في سهرانية عيد القديس يوحنا اللاهوتي أثناء القاء عظته اليوم إذ نحتفل في هذا اليوم لعيد أحد تلاميذ يوحنا والملقب بالحبيب وهو اللاهوتي، هذه هي صفات الذي نقيم ذكرى انتقال جسده الطاهر في هذا اليوم المقدس.
سأنطلق في حديثي عن يوحنا خلال إنجيل اليوم. إنجيل اليوم يحدّثنا عن يسوع وهو على الصليب، والمهم في الأمر أن هنالك بنظر يسوع شخصين هما اللذان يقفان أمامه أمه دون اسم مريم، ويوحنا دون اسم يوحنا; بل التلميذ "الذي كان يسوع يحبه". هذان الاسمان كانا واقفين عند الصليب فخاطبهما يسوع وقال لأمه عن التلميذ: "هذا هو ابنك"، وليوحنا: "هذه هي أمك". وجميلةٌ العبارة التي تلت هذا القول: "ومنذ ذلك الحين أخذها إلى خاصته".
ليس مهمًا في الأمر أن يوحنا ابن خالة يسوع، بل المقصد هو أهمية شخص يوحنا، وبالتالي القضية هنا تنطلق من مخاطبة يسوع لأمه بقوله لها: يا امرأة. هذا يذكرنا بأول مرة قال يسوع لأمه: "يا امرأة!" في عرس قانا الجليل. هناك خاطبها بهذا القول، وأجابها حينذاك: "لم تأتِ ساعتي بعد". 
وأضاف في عظته قائلا أما في الموقف الذي نحن إزاءه الآن، هو الموقف الذي أتت ساعته فيه، ساعة يسوع هي ساعة خلاص الجنس البشري، ساعة يسوع هي الساعة التي يعطي من جنبه الدم المهراق، لينشئ الكنيسة التي تقتني بهذا الدم، ومن ثم ليكمل عرس قانا الجليل بعرس يتمه الآن الله مع البشرية بفرح كبير وعظيم يبقى مستمرًا مع دم لا ينفد.
الرائع هنا أن هذين الشخصين (أمه ويوحنا) صارا يمثلان الكنيسة التي أنشأها يسوع بالخلاص الذي تمّ على الصليب، فصارا الممثلَين للبشرية برمتها، البشرية التي تتمثل بأنها الكنيسة من خلال الأم التي هي امتداد لعمل الخلاص الذي أجراه يسوع والعطاء ليوحنا أمه لكي تصير في بيته.
جميل بنا أن نتأمل مع النص الإنجيلي كيف أن يسوع أراد لأمه أن تكون مستمرة في عملها، في دورها، وهي تعيش في بيت التلميذ يوحنا كأم له. تلك الأم التي من خلالها نصل إلى المسيح، تلك الأم التي حملها يوحنا إلى بيته. أتساءل الآن ألا يشتاق كلُّ واحد منا أن يكون في مكان يوحنا ويأخذ تلك الأم إلى بيته! أليس جميلًا أن تكون مريم في بيت كل واحد منا!؟ولكن لنكون مكان يوحنا علينا أن نتذكر بعض الصفات التي تحلى بها يوحنا خلال هذا الإنجيل.
أولًا أنه وهو صغير السن دون الثامنة عشر من عمره وقبلما أن يتعرف على يسوع، كان هو وأندراوس تلميذين ليوحنا المعمدان، فصارا تلميذين ليسوع. أي أن حياة الألوهة شغل الشاغل ليوحنا منذ طفولته، ويوحنا هذا في اللقاء العظيم ليسوع مع التلاميذ على ضفة بحيرة طبريا، اكتشف بأن يسوع هو هذا الزائر إلى التلاميذ، وهو الذي هتف بقوله لرفقائه "إنّه الرب". وكلنا يعلم كيف أن بطرس حينذاك رمى نفسه بالماء كي لا يظهر كعريان أمام يسوع.
هذا الموقف من يوحنا موقفٌ عميقٌ جدًا أن يكتشف أحدنا أن يسوع معنا.
يوحنا اكتشفه وعلينا دائمًا أن نبحث عن يسوع، أن نشغل فكرنا بشخص يسوع، وأن ندرك بأن الرب معنا، أن المعلم معنا، أن كلمة الله معنا، أن ابن الله معنا، حتى إن لم يكن ساكنًا فينا، وبفكرنا الدائم، فإنه وإن أتى شخصيًا الآن كما سيأتي في المجيء الثاني سوف لن نعرفه، ودون ما أن يأتي سوف نكتشفه ونعرفه إن كان معشعشًا بدواخلنا وإن كانت تلك الدواخل تقتني عالم الألوهة بصورة دائمة، فإن يسوع هو خاضع ومرئي ومحسوس به ومسموع صوته ويكشف لنا دائمًا الحقائق الإلهية التي أرادها لأجل خلاصنا.
يوحنا أيضًا عندما كان يسوع يُحاكَم، استطاع أن يحقق أعمالًا لرفاقه، عندما أتى بطرس إلى بيت رئيس الكهنة، أمّن له طريقة الدخول، إنه شخص منهمك في العمل، ليكون يسوع دائمًا الذي نبحث عنه نجده.
عندما زار القبر يوحنا وبطرس بإيعاز من يسوع عن طريق مريم المجدلية، ركضا إلى القبر، فوصل أولًا وانتظر بطرس ومن ثم دخلا إلى القبر، كلنا يعرف أعظم موقف ليوحنا عندما كان هو وتلاميذه في العشاء السري، كان متكئًا على صدر يسوع أي أنه جالس أمامه بالقرب منه، هذا هو التعبير الأدبي لهذه الكلمات. المهم في جلوس يوحنا بهذه الصورة هو أنه ينهل من قلب يسوع بكونه متكئًا على صدره جالسًا بقربه عارفًا ما لا يُعرف. أبإمكاننا أن نعرف ما لا يُعرَف!؟ أن نهتم بمعرفة ما لا يُعرَف!؟ لكن علينا أن نهتم! لأنه باهتمامنا نصل إلى تلك المعرفة، وعلينا أن نكون متفائلين وإيجابيين وواثقين بأن وصولنا حتميٌّ، ويوحنا قد حقق هذا الأمر.
أمور كثيرة جرت ليوحنا كلها تشعرنا تمامًا بأنه كان بالعمق يحيا مع يسوع، وبالتالي كان رفيقًا لمسيرته وناقلًا لكلماته في إنجيله، بهذه الصورة وبإيجازٍ ندرك من هو يوحنا!! يوحنا في إنجيله أبرز شخص يسوع وأراد أن ينقله عبر الكلمات، ونحن علينا أن نبرز شخص يسوع في حياتنا عبر حياة مسيحية صحيحة سليمة نحياها. على هذه الصورة يصبح مطلبنا متحققًا كما تحقق في شخص يوحنا، ونحن نعلم يقينًا بأن الحياة الحقيقية هي بالدرجة الأولى حياةٌ داخليةٌ لكلِّ واحد منا. هذه الحياة الداخلية تظهر ببعدها الاجتماعي، ولكن حقيقتها لا تظهر إلا من خلال إيمان قوي علينا أن نسعى بألا يغيب عن حياتنا.
في الختام أقول بأن وقفة الصليب هذه التي سمعناها في إنجيل اليوم هي موضوع خلاصنا الذي يتم بقدر ما نكون حقيقة مخلصين ليسوع واقفين جنبه؛ وهو بالتالي يعطينا الدور الذي علينا أن نعيشه ونخلص لهذا الدور عبر حياتنا.