الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البرابرة وصرخة «مونك»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقول بول فاليري "الرجل العظيم هو من يترك الآخرين في حيرة بعد وفاته". وليس هناك من هو أعظم منك يا "مونك" وليس ثمة حيرة تضاهي ما تركته أنت في نفوس البشر أيها الخائف حد الجنون.
صرخاتك الخمس كانت كافية لإذهال الخلق، قلقك المتجلي في الأولى يتوسل إلى العالم أن يعوا ما قاله كارليل: " لا يمكن لأي أغلال حديدية أو أي قوة خارجية من أي نوع أن تجبر روح أحد على الإيمان أو الكفر". للأسف يا سيد" مونك" لم ترق لأبيك كلمات "كارليل" لذا تركك رازحا تحت وطأة القلق الديني حتى ملأت الكوكب صراخا علك تجد من يسمعك ومن ثم يعثر عليك.
انكسار روحك الهشة في الثانية يبشر الجميع بأن الوحدة مصير كل الأرواح العظيمة، لكن عظمتها تلك لا تقو على إعفائها من الألم، الألم الذي تسرب إلى قلبك حينما ارتجف بما يزيد عن الحاجة لحظة سعلت أمك سعلتها الأخيرة لتتركك بين فتاتين الأولى: تضع رأسك فوق كتفها ربما تهدأ روحك القلقة، وتخبأك في حضنها في الليالي النرويجية الطويلة! يا لهذه الوديعة التي لم يحتمل صدرها الرقيق مخاوفك وهواجسك واضطرابك، فرحلت لتفتش عن هواء خال من الكراهية في عالمها الأبدي.
والأخرى: لم تمنحك الكثير فقد اختل توازنها العقلي لحظة اختلال العالم. أما أبيك فقد أعيته القسوة الكامنة في قلبه كوباء بعدما فشلت كل ألعاب "روبير هودن" وزملاؤه في دحض معجزات الدراويش والأولياء والقدسين أمامه.
الأحمر القاني كالدم، والأصفر الرهيب كالسل، والأزرق الذي يعني الضياع في سماء الله يمارسون غلهم المحموم على لوحاتك يا سيد "مونك" فلم يعد أمامك سوى أن تطلق "الصرخة" الأخيرة ربما يتخلى "نيتشه" عن موت الإله، ويوضح "شوبنهاور" مفهومه عن الخوف الذي قال بمناسبته:" إن القدرة التعبيرية للفن محدودة وعاجزة حتى عن تصور صرخة".
أظن يا سيد "مونك" ان "نيتشة" وضع مفهومه عن الخوف قبل أن يسمع صرختك التي لا تزال تدوي في جنبات العالم، ومؤكد أيضا أنه لم يسألك عن رأيك في الخوف أيها المذعور وإلا لكان سمع منك:"كانت ملائكة الخوف والندم والموت تحفّ بي منذ أن ولدت ولم تكفّ عن مطاردتي طوال حياتي. كانت تقف إلى جانبي عندما أغلق عيني وتهدّدني بالموت والجحيم وباللعنة الأبدية". أو ربما استعرت ما قاله كازانتزاكيس العظيم:" إن روحي كلها صرخة، وأعمالي كلها تعقيب على هذه الصرخة!"
قل لي لي أيها القلق كبركان هل أخبرك أحد ما في مكانك البعيد المغمور بالضوء أن "صرختك" رغم ظهور التجريد والبوب آرت ما زالت تستهوي الناس هل أخبرك أحد أنهم يرسلونها إلى بعضهم البعض عبر هواتفهم الذكية كتعبير عن الدهشة أو الصدمة أو الشعور بالفاجعة. وهل علمت أن كثيرين من الفنانين وضعوها نصب أعينهم لتكون ملهمة لأعمالهم.. هل أحزنتك محاولات سرقتها بعدما وضعت رأس برأس إلى جانب الموناليزا؟
هل بلغك أن ملايين من الحمقى ما زالوا يُحرمون الفن.. هل أحزنك ذلك؟ لا عليك فالبرابرة لا تستهويهم شموعك التي أَضاءت البحر، فهم عشاق خرائب، ومحترفو عتمة، يكرهون الضوء واللون، يرفعون معاولهم لمحو الجمال والضمير؛ لذا" الذهن مضطرب، العيون مشدوهة/بيأس نخترع مخرجًا/نخطط لنراوغ الخطر المحتوم/الذي يهددنا ويثير الرعب فينا".