الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران بطرس فهيم يكتب: الصلاة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الصلاة ليست مجرد لحظات من التعزية والسلام ننالها بوجودنا أمام الله وبعلاقتنا به، على أهميتها لنا ولحياتنا. الصلاة ليست مجرد كلمات جميلة ومنظمة وعميقة ولا حتى مشاعر كثيرة نعبر بها عن علاقتنا ومحبتها لله، رغم أهميتها وفائدتها لحياتنا. الصلاة ليست مجرد أفكار ومشاعر نستمدها من قراءة نص من الكتاب المقدس على ما لها من غنى وأهمية. الصلاة ليست مجرد قائمة من الطلبات تقدمها لله وكأنه صاحب سوبر ماركت رغم احتياجنا واحتياج الآخرين لها. الصلاة ليست مجرد مجموعة طقوس وصلوات والتزامات طقسية من صوم وصلاة وعبادات وترانيم رغم كل ما فيها من غنى وفائدة. الصلاة ليست مجرد جلسة هادئة صامتة في مكان هادئ أو كنيسة جميلة أو طبيعة موحية رائعة. 
كل ذلك هو صلوات وممارسات طقسية والتزامات روحية مهمة. ولكن الصلاة هي شيء أكبر من ذلك كله بكثير. الصلاة هي أن أترك نفسي أمام الله واتركه هو يقول لي ويعمل فيّ ما يريد. هي أن اترك نفسي أمام الله وادعه يحولني إليه تدريجيا من خلال تيار أو شلال من الحب يفيضه على قلبي وعقلي وكياني كله يغسلني ويحملني إلى الله تدريجيا، بهدوء أحيانا وبصعوبة أحيانا وبعنف أحيانا أخرى. الصلاة هي أن يأخذني الله إلى عالمه وأفكاره ومشاعره ويتلمذني له ويحولني إليه، لأعمل مشيئته وبأسلوبه على طريقته. الصلاة هي أن تترك الرب يأخذك إليه ويعمل مسافة بينك وبين ما تعيش ليعطيك رؤية شاملة ومتكاملة لكل ما تعيش ويحميك من أن تغرف في تفاصيل صغيرة من مشهد كبير هو حياتك ولا تلم بما يمثله الكل مجتمعا في حياتك ويجعلك تقرأ عمل ومحبة وخطة الله لحياتك ودعوتك. الصلاة هي أن تدع روح المسيح يحولك إلى ابن للآب مثل يسوع، فتفكر وتشعر وتعمل مثلما كان يفكر ويشعر ويعمل يسوع نفسه. هي أن تجعل الروح القدس ينحت فيك صورة يسوع، يرسم قلبه في قلبك ويكتب كلماته في عقلك ويحفر مشاعره في عواطفك ويستخدم يديك ورجليك وعينيك وأذنيك ولسانك ليعبر بهما عن حب الآب لك وللبشرية من حولك. الصلاة هي ما يجعلك تنظر للحياة وللأوضاع وللظروف وللأحداث نظرة مختلفة، نظرة إلهية يهبها لك هو أثناء الصلاة وقراءة الكتاب المقدس. فتصير رؤيتك مغمورة بنور إلهي للحياة وللوجود، وحتى للمشكلات ذاتها فتتفاعل معها بطريقة أبناء الله. الصلاة هي أن ننظر إلى فوق لنفهم ما يحدث هنا تحت، الصلاة هي أن نرفع قلوبنا إلى فوق لكي تستقيم خطواتنا هنا تحت على الأرض. الصلاة تجعل منك صديقا للقديسين وابنا للعذراء وابنا للكنيسة وأخا لجميع البشر، محبا للكل بدون تمييز ومعطيا للكل بدون حدود ومضيافا للكل بدون استثناء، ورحيما على الجميع بدون أسباب ومبادرا نحو الكل بدون مبررات.
الصلاة تمسح عينيك بنور إلهي، ووجهك بندى سماوي، فينطلق من عينيك نور هادئ هادي، ومن وجهك ابتسامة مشعة مشبعة، ومن قلبك سلام وفرح يريح القلوب. الصلاة تغسلك من كل إثم وشر وعنف وخوف وقلق واضطراب، ويعطيك سلاما وجمالا وخيرا وبهاء وإيجابية، في كل الأوقات وفي كل الظروف، لأنك تؤمن أنك ابن الله ولست عبدا للظروف ولا لعبة في يد الأقدار. الصلاة تعطيك سعة في القلب، وسعة في الأفق وحكمة في الحكم على الأمور، وفطنة في الفهم، ومهابة أمام الناس ومخافة لله في قلبك ومراعاة لمشاعر الناس في سلوكك. فالصلاة لا تحميك من التجارب وآلام الحياة وصعوباتها وتحدياتها، فهي لا تهيئ لك جوا معقما، بل هي تمنحك نورا جديدا ترى به الحياة وصعوباتها وتحدياتها، وتمنحك قوة جديدة تتعامل بها مع آلام الحياة لتواجهها أو لتتكيف معها وتتعلم منها، فلا تكسرك بل تعلمك وتكشف لك أبعادا أخرى للحياة وتكتشف معاني جديدة لكل ما هو متعب وغير مرغوب فيه وغير مقبول. فتبني فيك متانة داخلية لا تكسرها كل عواصف الحياة ورياحها العاتية، وتعطيك مرونة في استقبال كل الأشياء بفكر وقلب ابن الله. الصلاة تدخلك في قلب مشيئة الله وتدخل مشيئة الله في قلبك.
الصلاة لا تُقتني بالمجهود الشخصي والبراعة في إتقان آليات الصلاة، فالصلاة ليست بحلاوة الصوت ولا بطلاوة اللحن، بل تُطلب كنعمة وتُكتسب بالانتظار بالصبر والجهاد. الصلاة نتعلمها مصلين مثل العوم نتعلمه عائمين، وقيادة السيارة نتعلمها سائقين، فهي خبرة تكتسب بالممارسة والالتزام والأمانة اليومية وطلبها كنعمة بثقة وحب وصبر. الصلاة نتعلمها كل يوم مفرغين ذواتنا من ذواتنا، وممتلئين من نعمة الله ومحبة الله ومشيئة الله، فهو روح الله الذي يصلي فينا بأناة لا توصف. الصلاة تتغذى بكلمة الله وبأنفاس الله وبنعمة الله في الأسرار المقدسة، بالسجود أمام القربان المقدس، وبقبول بنوتنا لمريم العذراء وأمومتها لها فهي معلمة الصلاة. الصلاة تتغذى بالصمت والتأمل والهدوء وانفتاح القلب والفكر على الله في كل وقت. الصلاة هي أن نتغذى بالمن والسلوى كشعب الله في البرية بالاعتماد على عنايته الإلهية التي لا تفرغ، وأن نتغذى على كلمة الله المشبعة التي هي روح وحياة فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله. وأن نتغذى على جسد المسيح ومه على مثال الكنيسة فجسده مأكل حق ودمه مشرب حق من يأكل جسده ويشرب دمه يثبت في المسيح ويثبت المسيح فيه وهو يقيمه في اليوم الأخير. الصلاة تتغذى بالتأمل في عجائب الله في الكون من حولنا وحكمته التي تتجلى في كل لحظة وفي كل مشهد من مشاهد السماء والأرض. الصلاة تتغذى على التأمل في شخص يسوع المسيح الذي تجسده وتقدمه لنا الأناجيل المقدسة والأصغاء إليه والاقتداء والاتحاد به. الصلاة تعمل المعجزات حين تصير المعجزات ليس أن يعمل الله ما نريد، بل أن نعمل نحن ما يريد هو، ونصلي ونعيش كما في السماء كذلك على الأرض.