الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

تعاون أمريكى قبرصى يحاصر «العثمانلى» في البحر المتوسط

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في ٢ سبتمبر ٢٠٢٠ أنّها رفعت جزئيًا ولمدة عام واحد الحظر الذي تفرضه منذ أكثر من ثلاثين عامًا على بيع معدات عسكرية إلى قبرص، وكان الكونجرس الأمريكي قد صوت على نص في هذا القانون في ديسمبر ٢٠١٩، ويجب الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة فرضت هذا الحظر منذ عام ١٩٨٧ لتشجيع إعادة توحيد للجزيرة التي تحتل تركيا شمالها منذ عام ١٩٧٤، لكن تبين أن هذا الإجراء غير مجد بل شجع الحكومة القبرصية على اللجوء إلى شركاء آخرين بدون أن تنهي انقسام الجزيرة.

من ناحية أخرى أعلنت وزارة الخارجية التركية إدانتها بشدة الرفع الجزئي للحظر ودعت واشنطن إلى التراجع عن هذا القرار وزعمت أنه سيكون له انعكاسات سلبية على الجهود الرامية إلى إيجاد حل للمسألة القبرصية، وضمن هذا الإطار فإن العلاقات التركية الأمريكية تشهد توترات متصاعدة خلال الفترة الأخيرة، بعد شراء تركيا منظومة صواريخ دفاعية متقدمة من روسيا، رغم عضويتها في الحلف الأطلسي.
تعاون استراتيجي

أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في يوليو ٢٠٢٠ تعزيز التعاون الدفاعي مع قبرص في إطار تقديم تمويل للتدريب العسكري، ويأتي إعلان الولايات المتحدة هذا في وقت تتصاعد فيه الخلافات في شرق البحر المتوسط بين تركيا واليونان، مع تزايد عمليات استعراض القوة بين المتنافسين وحوادث عمقت المخاوف الأوروبية من عدم الاستقرار في هذه المنطقة.

وضمن السياق ذاته فقد أعلنت واشنطن أنها تعتزم إجراء تدريبات عسكرية مع قبرص للمرة الأولى في خطوة سارعت أنقرة حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي إلى التنديد بها، وقال وزير الخارجية الأمريكي إن وزارته ستقوم للمرة الأولى بتمويل تدريبات عسكرية لقبرص كجزء من علاقتنا الأمنية الآخذة في التوسع، ويعد هذا التقارب بمثابة جزء من جهود الولايات المتحدة لتعزيز علاقاتهامع الشركاء الإقليميين الرئيسيين لتعزيز الاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، ويندرج هذا التعاون ضمن برنامج التعليم والتدريب العسكري الأمريكي الدولي الذي يهدف إلى تدريب ضباط أجانب وتعزيز التعاون بين الدول الصديقة والقوات الأمريكية.

وقد أعلن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية، ديفيد هيل عن دعم الولايات المتحدة لحق قبرص في استغلال احتياطيات الهيدروكربون المكتشفة في مياهها، ورغبة واشنطن في تعاون أوثق في شرق البحر المتوسط المهم استراتيجيًا، كما أكد على الدعم الأمريكي لحق جمهورية قبرص في استغلال مواردها الطبيعية، بما في ذلك الهيدروكربونات الموجودة في بحرها الإقليمي ومنطقتها الاقتصادية الخالصة.

ومن جهة أخرى فقد انخرطت الولايات المتحدة في المواجهة غير المباشرة لتركيا في منطقة شرق المتوسط بعد تدخل فرنسا بصورة كبيرة لمواجهة أنقرة، ويؤشر على ذلك توقيع وزير الخارجية الأمريكي بومبيو مذكرة تفاهم مع قبرص لإنشاء مركز تدريب أمني في العاصمة القبرصية نيقوسيا للحد من التوترات المتصاعدة هناك، خاصة وأن هذا المركز يمكن أن يعزز فرص الولايات المتحدة في تقديم المساعدات الفنية الخاصة بالأمن والسلامة البحرية من جانب ومن جانب آخر مواجهة حركة انتقالات الجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى مراقبة حركة الصادرات وأمن الموانئ.

ومن خلال هذه التوجهات الأمريكية الجديدة فقد تشهد العلاقات الأمريكية التركية انعكاسات سلبية خاصة وأن العلاقات بينهما تشهد خلافات متعددة في الأساس، ومن خلال الرفض التركي لهذا التوجه الأمريكي فإن الانقسامات بينهما مرشحة للتصاعد والتنامي في ظل اختلاف التوجهات الخارجية لكليهما بعد أن كانت الدولتان يمتلكان علاقات إستراتيجية.

تصعيد مستمر

أعلنت كل من الخارجية الأمريكية والبنتاجون عن سعيهما لاتخاذ إجراءات حاسمة ضد تركيا على خلفية انتهاكاتها في منطقة شرق المتوسط خاصة في ظل التنسيق التركي الروسي في هذه المنطقة وقيامهما بتنفيذ مناورات عسكرية مشتركة، ومن المحتمل أن تشرع واشنطن في اتخاذ إجراءات رسمية لتشديد القيود على تراخيص التصدير وإعادة بيع المعدات العسكرية الأمريكية إلى تركيا، ومن قبل قررت الولايات المتحدة الأمريكية رفض مشاركة تركيا في برنامج المقاتلة "f-٣٥"، وهو ما يمثل رفض أمريكي للسياسة التركية في الكثير من الملفات وخاصة عملياتها للتنقيب عن الغاز شرق المتوسط.

ومن جهة أخرى أعلنت قبرص بدء مناورات عسكرية مع البحرية الأمريكية في شرق المتوسط، رغم الاعتراضات التركية على ما تزعم أنه يخترق سيادتها، واعتبر وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار"، أن الحشود العسكرية والمناورات المختلفة التي شهدتها منطقة شرق المتوسط خلال الأسبوعين الماضيين هي تهديد بالنسبة لتركيا".

تداعيات محتملة

من المحتمل أن يتسبب التقارب الأمريكي مع قبرص الكثير من التعقيدات حول طبيعة العلاقات الأمريكية مع تركيا من جانب ومن جانب آخر مجريات الصراع على الثروات المكتشفة حديثًا في منطقة شرق المتوسط، وقد يكون لهذا التدخل قدرة على التأثير في مجريات الأوضاع بصورة غير مباشرة، وبالنسبة للولايات المتحدة فإن تواجدها بصورة فاعلة في هذه المنطقة يمكن أن يساهم في تحقيق نوع من أنواع الاستقرار بعدما ابتعدت بصورة أو بأخرى عن تطورات الأوضاع في شرق المتوسط.

على الجانب الأوروبي وخاصة قبرص واليونان فهذه الأوضاع الجديدة سوف تساهم في إعطاء زخم جديد في مواجهة السياسة التركية القائمة على التصعيد العسكري والتنقيب غير المشروع عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى مواجهة تدفق المرتزقة والجماعات المسلحة التي ترسلهم أنقرة إلى ليبيا.

ومن جهة العلاقات الأمريكية التركية فمن المحتمل أن تتسبب هذه التوجهات الأمريكية تجاه التنسيق مع قبرص إلى إلقاء الضوء من جديد على طبيعة العلاقات بينهما، خاصة وأن هذه العلاقات مرشحة لمزيد من الخلافات والتصدعات، بعدما شرعت تركيا في تهديد المصالح الأمنية للولايات المتحدة بتقاربها مع كل من روسيا وإيران.

وعلى مستوى الصراع شرق المتوسط، فقد يكون هذا التقارب بمثابة حاجز يضاف إلى مجموعة السياسات الهادفة إلى مواجهة تركيا والضغط عليها تجاه تحقيق التعاون والتنسيق مع دول المنطقة فيما يتعلق بتقاسم الثروات المكتشفة وفق مبادئ القانون الدولي، وذلك بعدما اتجهت غالبية دول شرق المتوسط إلى ترسيم حدودها البحرية لتعزيز التعاون الجماعي في مكان التنقيب واستخراج هذه الثروات وتصديرها أو لخدمة المشروعات الداخلية في هذه الدول.

ختامًا: تشهد منطقة شرق المتوسط تدخلات غير مشروعة من جانب تركيا لمحاولة السيطرة على بعض المناطق الاقتصادية الخاصة بكل من اليونان وقبرص، وهو ما دفع الجانب الأوروبي إلى مساندتهما في مواجهة التدخلات التركية، ولعل التدخل الأمريكي في اتجاه التقارب مع قبرص وتنفيذ مناورات عسكرية مشتركة من شأنه أن يزيد من هذه الضغوط التي تواجهها أنقرة، ومن جانب آخر يعزز من فرص الاستقرار لمحاولة تجنب الانعكاسات السلبية على مستقبل الأمن والسلم الدوليين من خلال التصعيد العسكري المباشر بين دول المنطقة.