السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة الصحف الورقية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من العجيب والغريب أن بلدًا كبيرًا كمصر يعيش فيه نحو مائة مليون نسمة، لا يجد فيه مطبوعة دورية أو غير دورية تزيد عدد نسخها عن الخمسين ألفًا، وهذا في أحسن الأحوال، وللحق فإن هذه الأزمة التى يعانى منها الكتاب المطبوع والصحف الورقية ليست وليدة السنوات الأخيرة، فالقراءة في مصر تمر بأزمة قديمة واسألوا في ذلك أصحاب دور النشر الذين كانوا وما زالوا لا يطبعون إلا ثلاثة آلاف نسخة من أى كتاب بما في ذلك روايات عمنا نجيب محفوظ وأستاذنا يوسف إدريس وغيرهما من كبار كتاب مصر. صحيح أن القاعدة كانت تشذ في بعض الأحيان ولكن هل زادت طبعات كتاب واحد عن مائة ألف نسخة؟ الحقيقة أن هذا لم يحدث على الإطلاق، وربما كان يحدث نتيجة تعدد الطبعات، أو في حالة الكتب الدراسية فقط، والأزمة التى تعانيها الصحف الورقية الآن تدفعنا للتفكير في حلول عقلية ومنطقية، ولكن قبل البحث عن هذه الحلول يجب ألا نركن إلى الحجج السهلة، كالقول بأنها أزمة عالمية تعانى منها جميع الصحف الورقية على كوكب الأرض، أو أن القراءة الإلكترونية قد أثرت بشكل كبير على الطباعة، وعلينا أن نستسلم وأن نلغى المطبوعات وأن نلجأ للمواقع الإلكترونية، وبادىء ذى بدء علينا أن نعترف بأن هذه العوامل قد ساعدت ولا شك في تضخيم الأزمة ولكن هل كنا قبل وجود الإنترنت نطبع ملايين النسخ من الصحف والكتب؟ الحقيقة أن الأهرام هى الصحيفة الوحيدة التى جاوزت المليون نسخة في عدد الجمعة وذلك قبل أن تظهر المواقع الإلكترونية وينتشر الإنترنت ومعنى هذا أن العيب فينا، فنحن بيننا وبين القراءة مسافات طويلة، ومعظمنا يعتمد في ثقافته على السماع، فهى ثقافة سمعية تتناقلها الألسن، أما هواية الاحتفاظ بكتاب أو دورية فهذا لا يهم إلا القليل من أبناء وطنى، ولا ينبغى أن نرجع ذلك إلى المشكلات الاقتصادية التى يعانى منها الفرد، إذ أن الرغيف أهم عنده من شراء صحيفة، ذلك أن هذا الفرد نفسه هو من سيشترى عددًا من النسخ إذا عرف أن الصحيفة قد نشرت شيئًا يخصه أو يخص راتبه أو تحوى إعلانا لوظيفة يبحث عنها، وهذا الشخص أيضًا سيشترى نسخة إذا وجد فيها نموذجًا لامتحانات ابنه أو ابنته، وهذا يدفعنا إلى ضرورة الاعتراف بأن المواطن ابتعد عن الصحيفة الورقية لأن الصحيفة الورقية ابتعدت عنه هى الأخرى، وعلينا أن نعترف أيضًا بأن عالم الصحافة قد دخله بعض الهواة الذين لا يجيدون التعبير عن أوجاع ومتطلبات الشارع، فكم من بيت كان يشترى أهرام الجمعة ليقرأ فقط بريد القراءة حين كان يحرره الراحل العظيم عبدالوهاب مطاوع، وكم من طالب وطالبة كانوا ينتظرون مجلة الإذاعة والتليفزيون صباح السبت لنشرها نماذج الامتحانات، وذلك فضلًا عمن كانوا يشترون الصحف قديمًا لقراءة مقالات الأستاذ هيكل ومصطفى أمين وغيرهما من عمالقة الصحافة، وحين صدرت الصحف الحزبية كان الوفد يحقق مبيعات كبيرة بسبب "العصفورة" ومقالات مصطفى شردى، ونفس الشىء كان ينطبق على صحيفتى الشعب والأهالى، وأظن يا سادتى الكرام إننا بحاجة إلى التفكير الهادئ قبل أن نتخذ قرار تحويل الصحف الورقية إلى إلكترونية فربما وجدنا طريقًا نصل به إلى عقل ووجدان المواطن، فليس صحيحًا أن العالم كله يتجه إلى ما يسمى "رقمنة الصحف"، بل إن الدول المتقدمة تعمل على إيجاد إصدارات قيمة يحتفظ بها القارئ في مكتبته وليس معنى أن تتحول "الإندبندنت" و"التلغراف" و"نيوزويك" إلى نسخة إلكترونية أن نتناسى آلاف الصحف الأخرى المطبوعة في مختلف بلدان العالم، وإذا كان الضرر قد أتى بسبب الإعلانات التى هجرت الصحف الورقية وقلت بنسبة تزيد على 70% متجهة نحو عالم الديجيتال، فإن هذا الوضع سيتغير حتمًا حال معرفة المعلن أن الصحيفة تحقق مبيعات عالية، فالمعلن همه الأول والأخير هو أن يصل إعلانه إلى الناس وإذا نجحت مطبوعة في تحقيق مبيعات عالية فسوف تجد تنافسًا إعلانيًا عليها، وهكذا يبقى السؤال: كيف يتم تغيير المحتوى في الصحف المطبوعة ليصبح مهمًا لقطاع كبير من المواطنين وكيف تكتسب الصحف القومية ثقة القراء وأعتقد أن هذا لن يحدث إلا بسماع أصواتهم، افتحوا نوافذ للقراء واجعلوا الصحيفة مكانًا يلتقى فيه المسئول بالمواطن ليحل مشكلاته، إن برنامجًا إذاعيًا قديمًا اسمه "همسة عتاب" ما زال يتلقى حتى يومنا هذا رسائل بريدية تحوى مشكلات متعددة ويتم عرضها على المسئولين لحلها، وإذن فالحلول موجودة والخروج من الأزمة ليس صعبًا، علينا فقط أن نفكر خارج الصندوق.