الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

طه حسين ومستقبل الثقافة في مصر «4»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وكأن عميد الأدب العربى كان يستشرف المستقبل حين قال ما قاله عن الأزهر والتعليم في الأزهر، لقد جاءت الأيام بأحداث ووقائع أثبتت أن الدكتور طه حسين كان محقًا فيما يتعلق بضرورة إشراف الدولة بدقة وإحكام على التعليم الأزهرى، حتى لا يصير الأزهر وكأنه دولة داخل الدولة، وحتى لا يصير الأزهر معملًا لتفريخ دواعش وإرهابيين متعصبين. إن منصة رابعة ومنصة النهضة كان يتصدر المشهد عليهما، ويحرض المواطنين ضد الدولة باسم الدين، عدد من رجالات الأزهر، واليوم بعض الحاصلين على الدكتوراة من الأزهر هم أبواق للتزمت والتعصب ودعاة كراهية وبغضاء في المجتمع.
كما نادى طه حسين بألا تأذن الدولة لمدرسة أجنبية أن تعلم في مصر إلا إذا كان التاريخ القومى أساسًا من أسس التعليم فيها، وإلا إذا تحققت الدولة بالملاحظة والتفتيش والامتحان أن هذا التعليم جد لا هزل فيه، كما طلب إلى الدولة ألا تسمح لمدرسة بالتعليم في مصر إلا إذا كانت الجغرافيا المصرية كالتاريخ المصرى وكاللغة العربية أساسًا من أسس التعليم فيها، وإلا إذا تحققت الدولة بالملاحظة والتفتيش والامتحان أن الشاب المصرى الذى يتعلم في هذه المدارس يعرف جغرافيًا مصر كما يعرفها الشاب الذي يتعلم في المدارس المصرية. (المرجع السابق، الموضع نفسه).
رأى طه حسين ضرورة وجود مقدار من مناهج التعليم العام وبرامجه يكون مشتركًا بين المصريين، ويجب أن تشرف الدولة بالملاحظة والتفتيش والامتحان على أن المصريين جميعًا مشتركون فيه، شركة عادلة، سواء تعلموا في المدارس الرسمية، أم في المدارس المصرية الحرة والخاصة، أم في المدارس الأجنبية وجامعاتها الموجودة على الأراضى المصرية، أم في الأزهر ومعاهده. ويخلص طه حسين إلى القول: «والنتيجة لهذا التفصيل الطويل أن الدولة هى المسئول الأول، والمسئول الأخير، والمسئول قبل الأفراد والجماعات، وبعد الأفراد والجماعات، عن تكوين العقلية المصرية تكوينًا يلائم الحاجة الوطنية». (ص 64)
وأول ما يجب أن نلاحظه، ونحب أن يفهمه المشرفون على الأمر في مصر، أن التعليم ليس ترفًا وإنما هو حاجة من حاجات الحياة، وضرورة من ضروراتها. فإذا طالبنا بإذاعته ونشره، فلسنا نطالب بالترفيه على الشعب، ولا تمكينه من تحصيل لذة يمكن أن يصبر عنها أو يزهد فيها. وإنما نطالب بأن يتاح للشعب أيسر حقوقه ويُؤَدَى إليه أقل ما هو أهل له من العناية. (ص 103).
وليست حاجة الشعب إلى التعليم الصالح بأقل من حاجته إلى الدفاع الوطنى المتين، فالشعب ليس معرضًا للخطر الذى يأتيه من الخارج حين يغير عليه الأجنبى الطامع فحسب، ولكنه معرض للخطر الذى يأتيه من الداخل حين يفتك الجهل بأخلاقه ومرافقه، ويجعله عبدًا للأجنبى المتفوق عليه في العلم. وليس يُغْنِّى عن مصر ولا يكفل لها استقلالها الصحيح، أن يكون لها جيش قوى عزيز يحمى حوزتها ويذود عن حدودها إذا كان وراء هذا الجيش ومن دون هذه الحدود شعب جاهل غافل، لا يستطيع أن يستغل أرضه، ولا أن يستثمر مصادر ثروته، ولا أن يستقل بتدبير مرافقه، ولا أن يفرض احترامه على الأجنبى بمشاركته في تنمية الحضارة الإنسانية، بما ينتج في العلم والفلسفة وفى الأدب والفن من أثر.
لا بد إذًا من نشر التعليم العام من جهة إلى أقصى حدود النشر، ولابد من حماية المدارس والمعاهد من هذا الازدحام الشنيع الذى يفسد التعليم إفسادًا ولا بد من أن تدبر الدولة ما يحتاج إليه ذلك من المال، كما تدبر ما تحتاج إليه الدفاع الوطنى من المال. وتدبير هذا المال ليس مستحيلًا، بل ليس عسيرًا في حياتنا الواقعة التى نحياها الآن. فأمام الدولة أبواب من الإسراف يجب أن تغلق وأن ترد غلتها على التعليم والدفاع الوطنى. وأمام الدولة أبواب من الاقتصاد يجب أن تُفتح وأن ترد غلتها على التعليم والدفاع الوطني. وسكان مصر لم يؤدوا بعد إلى الدولة ما يستطيعون أداءه من الضرائب. وليس من حقهم أن يمانعوا في أن تُفرض عليهم الضرائب الجديدة حين تدعو إلى ذلك حاجة التعليم وحاجة الدفاع.