السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لمن الغرق اليوم ؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما دانت أرض مصر لنابليون في أواخر القرن الثامن عشر وقف على ضفة النيل ومد بصره على امتداد أرضها وسهولها وقال لصحبه من العلماء في حملته: "أطلب منكم العناية بهذا النهر العظيم واستثمار كل قطرة من مائه وعدم ترك مائه ليضيع في البحر".
هكذا كانت رؤية العبقري نابليون لنهر النيل الذي رآه ثروة لا يمكن للحياة أن تتفجر إلا من نبع مائه، ولطالما رددنا مقولة صادقة هي "النيل شريان الحياة في مصر" هي مقولة لم نجتهد لتجسيدها على أرض الواقع للحفاظ على هذا الشريان، فأصيب كثيرا بالجلطات بسبب أخطائنا وخطايانا في حقه.. فأصبحت مجاريه مكتظة بالقاذورات والمهملات بحاجة ماسة لعمليات قلب مفتوح وقسطرة وتسليك.
نابليون بعبقريته كان ملهما لعباقرة من القادة، الذين تولوا بعده حكم المحروسة، فبعد مقولته بسنوات قليلة، جاء محمد على باشا فشق الترع الضخمة وبني القناطر الخيرية فقلل الفاقد من المياه إلى البحر، ثم جاء الخديوي اسماعيل فقام بإعداد عدة حملات عسكرية ضد حاكم إثيوبيا عندما حاول المساس بمنابع النيل.

أما عبدالناصر فتصدي للمشروع الأكبر في القرن العشرين، وهو بناء السد العالي، وحفر بحيرة ناصر الضخمة التي تستطيع أن تجمع مياه تروي عطش مصر لعدة سنوات. فوقانا من كوارث الغرق والعطش بمشروعه الأضخم في حياة المصريين فحفظ ماء شربها وما ء وجهها أمام غطرسة هؤلاء الذين تصوروا أنهم أمسكوا بصنابير المياه عند المنابع. فلا غرق لمصر اليوم ولا عطش بإذن ربها إلى يوم الدين.

والآن مصر تقود حملة شرسة، في مفاوضات جادة مع أطراف لا يهمها سوي الإضرار بالمحروسة، وتهديدها في المصدر الرئيسي لمائها وحياتها، وتدرك القيادة السياسية أن هذا الملف من أكثر الملفات حيوية وحساسية، ويجب معالجته بأقصي قدر من الحنكة والحكمة.

إلا أن مشاريع أخري يجب أن ننتبه إليها، تساعد في تعظيم مياه النهر لكي لا تكون كل ثرواتنا المائية في يد من يتربص ببلادنا، ويسعى للإضرار بها بدافع من حقد، أو بتحريض من عدو ظاهر أو باطن ومنها مشروع قناة جونجلي في دولة جنوب السودان.

ومشروع قناة جونجلي يمكن أن يزيد موارد نهر النيل من المياه لما يزيد على ١٨ مليار متر مكعب، وهي كمية يمكن اقتسامها مع دولة السودان الشمالي، تزيد من ثرواتنا المائية وتساعد في تعويض العجز الذي يمكن أن يسببه السد الإثيوبي أثناء فترة ملئه.

وكان العمل في حفر قناة جونجلي، قد توقف بعد الحرب الأهلية في جنوب السودان، فهاجرت الشركة الفرنسية التي كانت مكلفة بالحفر خوفا على العاملين بها بسبب الحرب والقتال الدائر بين الأطراف المتحاربة.

والآن وبعد توقف الحرب قد أصبح الوقت مواتيا لاستكمال المشروع خاصة أن مصر تمتلك علاقات جيدة بدولتي السودان شماله وجنوبه وبعد رحيل الإخوان عن سدة الحكم في السودان الشمالي.

ومن المشاريع الأخري التي كان قد تم دراستها في أوائل القرن العشرين قبل إنشاء السد العالي هو "منخفض القطارة " الذي يقع في محافظة مطروح ويمكنه تقليل المياه المفقودة من النهر التي تذهب للبحر المتوسط يقدرها العلماء حاليا بـ ١٠ مليار متر مكعب لتتجمع في المنخفض الهائل وتصبح أكبر بحيرة عذبة في مصر بعد بحيرة ناصر التي تقع خلف السد العالي. وكان المفقود من هذه المياه في البحر نحو ٢٠ مليارا استطاعت مصر تخفيض الكمية إلى النصف تقريبا، بعد إجراء بعض المشروعات.

هذه بعض المشروعات القديمة، التي تم دراستها جيدا منذ أكثر من أربعة عقود، ولم تقم الإدارة المصرية في خلال تلك الفترة بتنفيذها وظلت ملفاتها حبيسة الأدراج تبحث عمن يطلق سراحها وأعتقد أن وقت الإفراج عنها قد حل وبات حتميا الآن أكثر من أي وقت مضي.