الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

محاورات وجدي.. نقود وردود ( 2 )

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمضى وجدى فى دفاعه مبيناً تهافت ادعاءات خصمه مبينا ان المنطق العقلى يقضى بان القول بصدق الكل يقتضى صدق جميع الأجزاء المدرجة تحت هذا الكل فاذا سلمنا جدلاً بان نبوة محمد كاذبة يقضى بالضرورة ان الكتاب الذى اتى به كاذبا ولما كان القران – أي الكتاب الذي اتى به محمد – هو مصدقاً ولا يمكن الشك في صدقه عند المناظر وان صفة الامية جاءت في هذا القران فكان لازماً على مستر فرانك فوستر ان يصدقها ايضا مع اعترافه باضطراب الزعم او الادعاء. اضف الى ذلك ان امية محمد التى وردت فيه لا سبيل للشك فيها لانها كانت موضع تحدي وحجة على قومه الذين شهدوا جميعا باعجاز القرءان مع تاكدهم من عدم دراية محمد لما أورده من ايات واحكام واخبار ونبوءات ويكشف ذلك عن ضعف حجة مستر فرانك. كما ان الواقعات والاحداث المواكبة لنزول القران تؤكد امية النبي.
ويقول وجدى في ذلك اما التشكيك في امية النبي (ص) فمحاولة محكوم عليها بالفشل من اول صدمة، لأن هذه الامية كانت احدى الأيات التى تحدى الله بها الشاكين في صدق نبوته, فلو كان غير امي في الواقع؛ لأصبح تاثيرها معكوسا كما هو الحال في كل معلوم يتحدى الناس بضده، هب أن محمدا كان قارئا وكاتبا، أفكان بهذه الميزة وحدها يرتفع عن مستوى معاصريه فيأتى بكتاب يعتبرونه معجزة، ويصلح ان يكون دستورا لملك لا تغرب عن ولاياته الشمس قرونا كثيرة وأساسا لتطورات اجتماعية ومدنية للشعوب الأخذه به توصلهم الى زعامة العالم كله فى العلم والفلسفة والفنون والصنائع والسياسة فى سنين قليلة، هذه اعمال لا اقول انها تشرف متخرجا فى اكبر جامعة علمية ولكنى أقول انها أعجزت جميع عباقرة العالم مجتمعين، ولكن المستر فرانك يتجاهل كل هذه الحوادث التى لا يوجد فى تاريخ البشر ما يماثلها.
ويضيف وجدى ان سيرة محمد كانت معروفة لجميع معاصريه ولاسيما عشيرته التى سابقت فى تصديقه فلو كان مدعيا ما أمن به احدهم وان خصومه لم يتهموه بان القرءان من تأليفه أو انه قد نقله من مصدرا أخر مثل الكهنة أو الاحبار لأن منهم من امن ببعثته وبصدق نبوة وباعجاز رسالته كما أن خصوم نبيا الله موسى وعيسى لم ينكرا نبوتهما لأنهما يقرءان ويكتبان كما ان سعة اضطلاع محمد ودرايته بأخبار الأوائل والأمم الغابرة فهو زعما لم يأتى على لسان محمد الذى اكد فى غير موضع من القرءان أن ما يأتى به هو من عند الله فى حين ان معاصريه من العلماء والحكماء كانوا يتباهون بعبقريتهم وعظم معارفهم ليعلوا شأنهم بين الناس. أضف الى ذلك كله أن الحكمة الربانية التى أتى بها القرءان لم يفلح أحد من الفلاسفة الأقدمين والمحدثين منهم فى محاكاتها أو الدنو منها أو اثبات خطئها فمن ثم فعلى مستر فرانك فوستر ان يسلم باحد الأمرين أولهما أن محمد أعظم فلاسفة البشرية على الاطلاق وان حكمته تفوق كل العقول، أو التسليم بان محمدا لم يكن سوى رسول حاملا لكلام الله وشريعته وعليه تنتفى تهمة الكذب التى رمي بها فالافتراض الاول غير معقول ويستحيل البرهنه عليه وذلك لان محمد نفسه لم يدع بانه حكيما او عالما ولم ينقل خصومه قبل مؤيديه ذلك عنه، أما الافتراض الثانى يهدم ادعاء مستر فرانك برمته لانه يثبت صدق النبى وليس العكس.
ويشهد المستشرقون الغربيون الذين درسوا القرءان في ضوء الفلسفة الحديثة، أن اياته لم تغادر صغيرة ولا كبيرة مما يقوم عوج النفوس ويعدل اود العقول، ويوقظ اشرف غرائز الشخصية الانسانية ويدفعها فى طريق السمو الروحانى الا احصاها على اكمل الوجوه ورسم لها اقوم الطرق ومتحيزا لها اقرب الوسائل وقد اتضح ان كل ما جاء به كبار العباقرة من المبادئ النبيلة وما قرره المصلحون من الاسس الركينة، والقواعد المكينة للاجتماع والسياسة والشريعة, قد سبقهم القرءان اليها فى بيان لا يدع محلا للتردد ولا موضوعا للتشكك وقد حفيت اقلامنا في سرد هذه الايات الكبرى وتطبيقها على الحوادث ولم نفرغ بعد منها ولم نبلغ مرامها، وقد شهد بهذا كله رجال ليسوا من اهل هذه الملة لا يحصون كثرة من امثال جوتة الالمانى ولامرتين الفرنسى وبرنارد شو الانجليزي وليس فى هؤلاء عبقرى طبقت الارض شهرته وعمت الاقطار فلسفته. الا وشهد بعظمة النبي الخاتم.
كما ذهب وجدى الا ان الموضوعات التى عالجها القرءان ووقف منها موقف المقوم والمصحح لا تختص بموضع بعينه او مجالا واحدا ومن ثم لا يجوز ان تنسب تلك الحكمة لعقلية واحدة مهما بلغت من عبقرية.
كما ان التعاليم القرآنية فى ميدان التربية والاخلاق قد ثبت صحتها ونفعها وصلاحيتها في ميدان التطبيق رغم تباعد الأزمنة وتباين الثقافات وليس ادل على ذلك من قدرة هذه التعاليم من استحالة القبائل العربية المتناحرة والامم المغلوبة على امرها والنفوس اليائسة والعقول الخاملة الى مجتمعا راقى تحكمه مكارم الاخلاق وحضارة رائعة تحترم العلم والعلماء وتؤمن بحرية الاعتقاد والتفكير وتدعو للسلم والتعاون بين البشر فى زمنا كانت تعانى اوربا فيه من القهر والظلم والجهل والعنف ويمكننا ان نقف مما اوردناه من ردود فريد وجدى عدة أمور أهمها: عزوفه عن الاستشهاد والاحتجاج بايات قرانية او باحاديث تراثية تكون محل نزاع مع خصمه أى انه لم يحتج بالمنقول على صدق ردوده بل كان يحتج بالاستنباط المنطقي والاستدلال العقلي والاستقراء الموضوعي كما ان استشهاداته جاءت على لسان غير المسلمين من اقوال الفلاسفة الذين اطلعوا على القران ونقدوه نقداً علمياً لا ينبأ عن التعصب او التعبية في الحكم ذلك فضلاً عن خلو حديثه من أي مظهر من مظاهر التهوين او الاستخفاف برأي خصمه.
ويستكمل وجدي ردوده فيكشف عن افتعال مستر فرانك القضايا واثارة المشكلات وذلك بحديثه عن تصريحات الايات القرأنية بان محمد كان يشكو من جحود قومه وعدائهم له واستنكار اقرابائه لاقواله وافعاله, فذهب وجدي الى ان ازدراء الانبياء من قبل اقوامهم من المظاهر العامة والواقعات التي سجلتها اصحاحات التوراة والاناجيل.
اما حديث فرانك عن عدم ذكر القرأن نسب محمد ولا عدد زوجاته واسمائهن فيرد وجدي على ذلك بان القران ليس كتاب شخصي او قصة لسيرة ذاتية ليقضي بمثل هذه الامور ويقول ان هذا الاغفال ان اعتبر عيباً فهو كذلك بالنسبة لكتاب وضعه صاحبه لبيان تاريخه الشخصي, ولكنها لا تعيب كتبً وضعت للناس كافة كما قدمنا, افلا تعجب من الحاح مستر فرانك عليها, حتى جعلها موضوع فصله الاول كله, وقد اسبقنا فلا نعود اليه.
ذلك كان نموذجاً من تحاور وجدي مع احد غلاة المستشرقين ولعل ما اوردناه لا يكشف عن قدرة وجدي على تطبيق اليات فلسفة الحوار ومناهجها النقدية بحسب, بل يشير ايضاً الى قدرته على استنباط الحجج والاتيان بالبراهين العقلية والدفع بالاسانيد الاستقرائية القادرة بذاتها على تقييد مزاعم المستشرق فرانك الذي دفعه تعصبه الى حشد تلك الاباطيل التي طالما اوردها الكثير من المستشرقين من قبله الناقدين على الاسلام وحضارته بعامة وشخصية محمد على وجه الخصوص.
بحسبنا ان نشير الى ان وجدي قد توسع واستفاض بالرد على معظم الطاعنين في الرسالة المحمدية من الغلاة والمتعصبين قدماء ومحدثين وذلك في كتابه " السيرة المحمدية " الذي نشره متجمعاً في صورة مقالات على صفحات مجلة الازهر في سبع سنوات بداية من عام 1358ه ( 1938م) حتى المجلد السابع عشر 1945م, وقد برر اهتمامه بالرد على الطاعنين في السيرة النبوية من غلاة المستشرقين الغربيين وبعض الملحدين الشرقيين بانهم قد عجزوا عن استقصاء الحقائق من بين الكتابات الموروثة.
وانه يعتفد ان اهمال الرد على مزاعم المستشرقين ومن نحا نحوهم يؤثر على ايمان الشبيبة المسلمة بصدق نبوة خاتم المرسلين.
ويقول وجدي ان مثقفي اليوم لم يعودوا يقنعون بسرد الاحداث التاريخية دون تعليل ولا يكتفون بالتسليم بوجود النبوة دون ان يبحثوا الاحداث التاريخية دون تعليل ولا يكتفون بالتسليم بوجود النبوة دون ان يبحثوا ماهيتها اهي حاجة من حاجات الروح الانسانية ام هي مجرد ظواهر اجتماعية تولدها ضرورة الاجتماع مثل ظواهر الارتقاء في الحياة الانسانية والوحي الذي تعتمد عليه النبوة كيف يؤمن به المعاصرون دون دليل معاصر يقدمه الكاتب محسوساً ملموساً لا تمتري في العقول, فالزمن زمن التنقيب الفاحص ولابد للسيرة ان تُعرض في لون فكري يرضي كل متعطش للمعرفة, ويقنع من يمتري في الحق لشكوك تكون في نفسه او كل قول لا يؤيده العلم الحقيقي هو خيالات لدى مفكري اليوم فوجب ان تدرس السيرة تحت ضوء العلم.
للحديث بقية