الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأحمر والأحمر منه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شعور حزين للغاية ذلك الشعور الذي ينتاب المسلم في أيام التوحيش الرمضانية، حالة من البكاء والشعور بألم اعتصار القلب، حزنا على فراق هذا الشهر العظيم. كل هذه الآلام وزيادة انتابتني وأنا أتجول في مكة المكرمة في عجالة من أمري وأنا أتبضع حاجياتي التي تكفيني أسبوعا كاملاً لا أخرج فيه البتة إلا في مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم.
 كانت عيناي تسح بالدموع خلف نظارتي الشمسية وكمامتي التي أصبحت جزءً لا يتجزأ من فكرة الخروج والتي صارت مثل الوضوء للصلاة فلا خروج يصح بدونها.. بكيت لأنني أتذكر مكة البهية النضرة الجميلة في كل شيء، الحرم والكعبة زمزم الطواف، وجوه الناس التي يتبادر إليك من طلتها مظاهر نور الإيمان.. الشوارع، الميادين، المتنزهات.. أهذه مكة أم أنا في كابوس، كلما تجيش الذكريات في خاطري أبكى، ويحترق داخلي. في كل مكان تجد عربات الشرطة وفي كل مول تدخله تجد من يشترط عليك أن يقيس لك حرارة جسدك قبل أن يسمح لك بالدخول. تصادف مروري بأحد المولات الكبيرة ومازحني الشاب الذي يقيس درجة الحرارة من خلف كمامته الزرقاء وهو يقيس لي الحرارة قائلا خلي بالك درجة حرارتك 37 درجة مئوية فاضل لك شوي وتحَمِّر، ضحكت واستهجنت اللفظة فبادرته، كيف أُحَمِّر؟ فقال تصبح أحمر يا خفيف، وهنا استدركت أنه يشير إلى اللون الخطر اللون الأحمر، فبادرته وأنا أضحك وماذا بعد؟! فقال لي ستذهب إلى الأحمر منه فحسبته يمازحني، فسألته: وماهو الأحمر منه فقطع ضحكته وقال اشتباه كُورونا واصلت حديثي معه بضحك وقلت له هوه إنت تعرف عاطف أبو إسماعيل فرد وقال من عاطف إسماعيل؟ فقلت له لا تشغل بالك أنا أمزح معك، ودخلت المول بعد إن سمح لي بالدخول. 
والدكتور عاطف أبو إسماعيل هذا زميل وصديق لي اعتدنا على أن نستخدم لفظة الأحمر والأحمر منه في جميع مواقفنا المضحكة وعندما كرر لي الشاب نفس اللفظة تصورت أنه يعرفني أو يعرف الدكتور عاطف، وعلى هذا الأساس يمازحني. دخلت المول وأنا أتسوق وبدأت أفكر كثيرا في الأحمر والأحمر منه.. وتخيلت لو أنني أصابني هذا الفيروس اللعين كيف سأتعامل مع الأمر وكيف وكيف وكيف.
رجعت البيت وقد تناسيت الأمر تماماً لكن كانت هناك سحابة من الكآبة تقبع على عقلي اللاواعي ربما بسبب الحزن الذي انتابني على شوارع مكة الخالية التي تبكي أيامها الخوالي حيث حجاج بيت الله الحرام والزحام الجميل الذي يدخل على النفس بهجة الحج.. ولكني دون أن أشعر وجدتني أتحسس بريقي حلقي وأتلمس جلدى حتى أستشعر حرارته فاقول لنفسي الامور بخير، لملمت نفسي وجاءت الساعة الواحدة صباحا فذهبت لأنام فأنا مجهد والوقت تأخر. ذهبت لفراشي ولكن فعلا كما يقال النوم خاصم جفوني. صَبَبتُ جام غضبي على التليفون المحمول الذي دخل حياتنا فأصبح يعيث فيها فساداً بتأثير سلبي ربما أضعاف ما يسببه فيروس كورونا المستجد, كنت العنه وانا ممسك به في يدي وعيني متعلقة بشاشاته التي تجعل العالم كله بين يدي. مرت ساعات وساعات لأجدني مازلت متيقظا وهاهو قد حان ميعاد إستيقاظي ولم يَزُر النوم لي جفن، وكنت مترددا أأنام لأخذ راحتي أم أبدأ يومي الجديد ولأنني مللت إنتظار النوم الذي تمنَّع عليَّ فقررت النهوض لكن جسمي يتكسر عيوني مجهده ورأسي يدور.
 وهنا بدأت أفكاري تتمحور مرةً اخرى حول ذلكم الشاب الذي في المول الكبير ومقولة "الأحمر والأحمر منه" وبدأ يتسرب الى داخلي إحساس بإنني لابد أن أتهيأ للأسوأ.. زاد من الطين بله تلكم الصفحات السوداء التي تملاء صفحات التواصل كلها تعلن نعي فلان وموت فلانه والموت يدب دبيب المقترب من كل شيء حولنا، فضلا على الأخبار السلبية التي تملأ أذنك الحالات في مصر تتزايد امريكا تخطت 2 مليون إصابه. العالم سيمر بأزمة اقتصادية.. كل هذا وأكثر من الأخبار السيئة ينصب في اذني ليل نهار.. حاولت في ظهر اليوم الثاني أن أنام أو على الأقل أسترخي كل محاولاتي باءت بالفشل فقررت أن اواصل اليوم الثاني بدون نوم وأنام في ميعادي الليلي. حانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وبدأت أهيئ نفسي للنوم وبالفعل حصلت المعجزة نمت، لكني مع بالغ الاسف إستيقظت من تلقاء تفسي بعد ساعتين فقط وأنا مجهد متعب حاولت أن أنام ولكن كل محاولاتي كانت دربا من الخيال ظللت ساهرا حتي الصباح. تيقنت بدرجة ما أن هناك شيء خطأ وبدات بالفعل أتهيأ لأن أكون الأحمر منه.. قضيت نهار يومي الثاني أحاول أن أنام ولم أنم.. أصبح الأرق هو شغلي الشاغل أستشعر كأني أموت، تركت كل شيء وركزت في النوم وتمارين الإسترخاء وللحق جائت بنتائج مذهله فبالفعل نمت بدون تكييف او مروحة في حر شديد, لكنه مع كامل أسفي رن تليفوني المحمول ليوقظني مفزوعا.. لا أدري في أي مكان أنا علي سطح الأرض ولا من أنا ولا ماذا يجري.. بدأت أستفيق شيئا فشيئا وأدرك كل ما حولى وأستوعب أنني فقط نمت لساعة واحدة.. وكعادتي لم أنجح في أخذ قسط كاف من النوم .. قررت أن أعمل أي شيء أشغل به وقتي فمارست هوايتي المفضلة في كتابة الشعر، وظللت أكتب بنهم نسيت أني لم أنم ونسيت إجهادي وتعبي وقلة نومى وتفجرت في داخلى طاقات جديدة صاحَبها شعور مليء بالحيوية والنشاط وظللت على هذا الشعور المريح حتي جاء ميعاد نومي فوجدتني أذهب الى سريري لأستلقي في نوم عميق لم أدرك نفسي ولا ما حولي إلا بعد مرور 8 ساعات متواصلة.
 أفقت من نومي يقظا مبتهجا فرحا، وفكرت في كل ما سبق. وتبصرت فيما لو كان هذا الأمر ظل مسيطرا علي فكان حتما سيقضي إلى موتي. تبادر إلى ذهني سؤال ملح هل موتي في هذه الحالة سيكون انتحاراً أعاقب عليه بالنار؟! إذ انني استسلمت للكلام السلبي من ذلكم الشاب الذي قال كلمته ولم يكترث..  هممت أن أذهب إلى الشاب الذي في المول الكبير لأقول له انت بكلمة لا تلقى لها بالاً كِدت أن تقتلني وربما بمثلها قتلت غيري. لكني فكرت لبرهة كم وكم من الآلاف اشباه هذا الشاب يطلقون الكلام السلبي لا يلقون له بالاً فيقتلون من حيث لا يدري القاتل فيم قَتَل ولا المقتول فيم قُتل.
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَال: الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ).