الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

د.رفعت السعيد.. تاريخ ممتد من النضال الوطني والتقدمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الذكرى الثالثة لرحيله، أتذكر جنازته في يوم الجمعة، مئات المشيعين، وعند القبر كانت أجيال تذرف الدمع من القلب، الجسد يهبط إلى مثواه الأخير، ودموعى تسبق ذكرياتى، وروحه ترفرف، تعطينا التكليف الأخير بمواصلة النضال، وجوه كثيرة، لرفاق أضناهم الفراق، عدت إلى المنزل بحثا عنه وحين نظرت إلى صورته المعلقة على الحائط، رأيته في القرب والبُعد جميل، بكيت قليلا فارتحت قليلا، رحل كالأشجار واقفا، كما عاش واقفا، ستون عاما من النضال الوطني والتقدمى، سنديانة حمراء لا تلين ولا تنحني، عشرات الكتب لم ينسَ فيها الجميع، نقش الحزب على جبينه والطبقة على كفه، والوطن في العيني، كان بمثابة الأب، عرفته فعرفت نفسى ووطنى وقضيتى وحزبى، لم يعرف في النضال من أجل مدنية الدولة وعلمانيتها أى مساومة.
قاوم الإخوان وأول من نحت مصطلح "المتأسلمين"، وتكحل بالعلمانية منذ صباه الأول في المنصورة، كنت لا أفارقه وكان عوضي عن كل شيء، تعلمت منه أن الضمير الوطني لاينفصل عن العلمانية، وأن الحرية الاجتماعية هى الطريق لحرية الأوطان من التبعية، وأن الديمقراطية حلم لا يتحقق سوي بالعرق والدموع والدماء.
من لم يعرف رفعت السعيد الإنسان لن يعرف د. رفعت السعيد الأكاديمى أو القائد السياسى، كنت شابا من أبناء حركة الطلاب لجيل السبعينيات، خرجت من السجن مفصول من الجامعة، أعمل «قبانى» في شركة النيل للحليج بالمنيا، أتكسب رزقى حتى لا أكون عالة على عائلتى، وأيضا لأكون قريبا من العمال.
1975 عرفنى الشهيد زكى مراد على رفعت السعيد، كان متزوجًا من الراحلة الرفيقة ليلى الشال، وانتقل لتوه من شقة صغيرة فوق سطوح إحدى عمارات باب اللوق إلى شقة في شارع المنيل، وأنهى الماجستير ويستكمل رسالة الدكتوراة في الحركة الشيوعية، ويعمل صحفيا في مجلة الطليعة القاهرية.. في مكتب خالد محيى مع الراحلين السكرتيرة نبوية والجندى عمى عراقى كنا نستقبل يوميا عشرات من اليساريين يحل رفعت السعيد مشكلاتهم عبر وساطة خالد محيى الدين، كان شهريا يعطينى عدة أظرف بها مبالغ مالية لفقراء الرفاق، أو أسرهم بعد رحيلهم، ويسعى جاهدا لإلحاق زوجاتهم بالعمل وأولادهم بالمدارس.
من 1976، بدأ رفعت مع خالد محيى الدين الاستعداد لتأسيس منبر اليسار ولعب رفعت دورا كبيرا في تحقيق اشتراط «عشرة أعضاء من اللجنة المركزية العليا أو أعضاء مجلس الشعب»، بعدما «ماطل» أحد النواب في التفاوض، ورفض نائب آخر التوقيع قبل انتهاء الفترة بيومين، فأسرع رفعت إلى الراحل فاروق ثابت واستطاع الحصول على توقيع النائب الراحل قبارى عبدلله، وعن طريق القائد زكى مراد والنائب مختار جمعة، تم الحصول على توقيع عضو اللجنة المركزية العليا فتحى محيى الدين، ولولا ذلك ما رأى منبر اليسار النور، ومن 10 أبريل 1976، وحتى نوفمبر 1976، كان رفعت السعيد لا يتبوأ أى منصب قيادى سوى عضويته فيما سمى «لجنة المتابعة» التى شكلها خالد محيى الدين لإدارة العمل اليومى وكنا حوله أنا والزميل محمود حامد والراحلين نبوية وعم عراقي.
في يناير 1977 أرسلنى د. رفعت السعيد مع الراحلين محمود المراغى وشاهنده مقلد، إلى المنيا بعد أن توفر له معلومات أن السادات سيرفع الأسعار، لعقد مؤتمرا يوم 18 يناير ضد رفع الأسعار، وبالفعل عقد المؤتمر ومن بعده انطلقت المظاهرات بالمنيا، وألقى القبض علينا جميعا بما في ذلك د. رفعت السعيد، أفرج عنى بعد تدخل خالد محيى الدين، لأنه لم يكن هناك سوى نفر قليل من أعضاء الحزب، وكنت أذهب إلى الرفيقة ليلى الشال بالمنيل مع محمود حامد للحصول على توجيهات رفعت السعيد بعد زيارتها له، وتشكلت على الفور لجنة الدفاع عن الحريات التي سبقت حركة حقوق الإنسان في مصر، وكانت تضم كلًا من عبدالعظيم المغربى ومحمد خليل وعبدالحميد الشيخ وعظيمة الحسينى ومحمود حامد وسليمان شفيق، وتحولت بعد ذلك إلى لجنة أساسية من لجان الحزب بناء على مبادرة من محمود حامد وانضمت إليها آنذاك الأستاذة أمينة النقاش، كما ساعدت اللجنة في أعمالها الأستاذة فتحية سيد أحمد.
من يرفع عنى مر هذه الكأس، ماذا نكتب في يوميات الحزن المعتق عن مرثية العمر الجميل؟ فيا أيها الفارس الذى ترجل في صمت نحو الفجر السرمدى، سنظل على العهد حتى نلقاك.