الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رسالة «فاطمة» من «جراتسيانى» إلى «أردوغان»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خيم الصمت الرهيب على ساحة الإعدام التي سيق إليها آلاف المعتقلين في معسكر سلوق، الذي أقامه الاحتلال الإيطالي شرق ليبيا، ليشهدوا لحظة إعدام شيخ المجاهدين السيد عمر المختار.

في ظهيرة السادس من سبتمبر عام ١٩٣١ كان الجميع يتصبب عرقا من هول الفاجعة، ولا أحد يقوى على تحريك شفته، إلا إمرأة تقدمت الصفوف في تحدٍ واثق وإصرار عنيد وأطلقت زغرودة مدوية شقت بها جدران الصمت، وراحت تنشد الشعر في رثاء أسد الشهداء.
في شجاعة نادرة سجلها التاريخ الحديث، ارتجلت السيدة فاطمة صالح الثقيبي، الشعر واصفة شجاعة عمر المختار وبطولاته في خوض المعارك ضد المستعمر الطلياني في كل شبر من الأراضي الليبية على مدي عشرين عاما كاملة، أذاقهم فيها مرارة الهزيمة فأحال ليلهم نهارا وأراهم خلالها النجوم في عز الظهر.
أصيب القائد الإيطالي "جراتسياني" الذي كان يشرف بنفسه على تنفيذ الإعدام بالذهول من ثبات السيدة العربية التي لم تهب الموقف ولم تخش عقوبته أيا كانت، فاستدعاها على الفور وطلب ترجمة ما تقوله، ثم هددها بالقتل؛ فأظهرت السيدة فاطمة سعادتها مؤكدة أنها ستنال شرف الموت في نفس المكان والساعة التي مات فيها عمر المختار.
وعندما يئس منها "جراتسياني" المهزوم نفسيا بفعل المقاومة الشرسة، تركها وغادر المكان وهو يتمتم منفعلا " حتى نساء العرب لن يتركوك تهنأ بليبيا".
هذا هو الدرس الذي لا يعرفه اللص التركي رجب طيب أردوغان راعي الإرهاب الدولي، وأجداده الذين هربوا من المعركة في برقة وطرابلس عام 1911، بينما كانت القوات الإيطالية تقصف الأراضي الليبية بالقنابل، إذ لاذ العثمانيون بالفرار، لتقف القبائل والعائلات الليبية وحدها في وجه المحتل المدجج بكافة أنواع الأسلحة الحديثة، فيما طعنهم الأتراك من الخلف بتوقيع معاهدة الصلح في العام التالي مع روما، في اتفاقية أوشي، التي عرفت باسم لوزان الأولي وأبرمت في أكتوبر عام 1912.
بدأ الغزو الإيطالي بدعوى أن الإيطاليين جاءوا لتحرير ليبيا من الحكم العثماني، ورغم المقاومة العنيفة من الليبيين للمحتلين الجدد، قامت الدولة العثمانية بتسليم ليبيا إلى إيطاليا بتوقيع الطرفين الاتفاقية التي تعترف بموجبها الأستانة بامتلاك إيطاليا للأراضي الليبية، هكذا بكل بساطة أو بالأحرى بكل خسة ونذالة.
انسحب الأتراك نهائيا بأسلحتهم وتركوا أهل البلاد لقمة سائغة في يد المحتل الجديد الذي راح يمارس كل أساليب العنف والتنكيل ليفرض سيطرته على الأرض، ورغم عدم التكافؤ ظل الليبيون الأحرار يقاومون باستبسال ويقدمون الشهداء بالآلاف بمساعدة أشقائهم العرب حتى نالوا استقلالهم عن جدارة.
اليوم يعود "لص أنقرة" وريث سياسات السلطنة البائدة إلى ليبيا حاملا نفس الدعاوي الزائفة، والأكاذيب المغلفة بشعارات الإسلام السياسي في محاولة لتكريس مشروع العثمانيين الجدد عن طريق حلفائه من جماعات الإرهاب ومليشيات التطرف والمرتزقة وبعض الخونة، في جريمة سطو مسلح على ليبيا وشعبها لاستعادة مجد أجداده الملطخ بدماء الأبرياء في المذابح الموثقة تاريخيا في اليونان والقسطنطينية وحلب وحتي مصر والعراق والجزيرة العربية.
للتاريخ دروس وعبر لا يعرفها أردوغان وذيوله في الداخل الليبي، فأحفاد عمر المختار وحفيدات السيدة فاطمة لن يتركوه يهنأ في ليبيا، كما فعلوا من قبل مع "جراتسياني"، الذي سبقه مع كل المحتلين والغزاة إلى مزبلة التاريخ.