الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

معارضة واضحة.. الموقف الإيرانى تجاه سياسات الكاظمى في العراق.. طهران تحاول الإبقاء على نفوذها في بغداد لكونه المرتكز الأول لتواجدها بالمنطقة.. دوافع المعارضة.. التقارب مع واشنطن والرياض والحد من نفوذ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو وكأن هناك قيودا شديدة، على هامش الحركة، الذى تتمتع به بغداد تجاه طهران، وهو الأمر الذى كشفت عنه الزيارة الأولى لرئيس الوزارء العراقي، مصطفى الكاظمى، إلى إيران، في 21 يوليو 2020، على سياساته تجاه إيران، ومن الواضح أن هناك معارضة شديدة لهذه السياسات، القائمة على بناء التوازنات، التى يتبعها الكاظمى تجاه حالة الاستقطاب الأمريكي- الإيرانى في العراق.
فعلى الرغم من تأكيد طهران، أن رفضها الشديد لسياسات الكاظمى، يأتى في سياق عدم قيامه بالمهمام الموكلة إليه، فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والسياسية، لاسيما بعد الموجة الكبيرة من الاحتجاجات، التى شهدتها بغداد في أواخر عام 2019، وبدايات 2020، نتيجةً للتدهور الاقتصادى، والفساد الحكومى، الموجود داخل مؤسسات الدولة المختلفة، الأمر الذى كان له أبلغ الأثر، على النفوذ الإيرانى في العراق، خاصةً بعد اندلاع هذه التظاهرات، في المناطق التى تقطنها الأغلبية الشيعية، إلا أنه يمكن القول أن هناك عددا من الدوافع الأخرى، التى تقف خلف هذه المعارضة الصريحة، وهي:
أولًا: التقارب مع واشنطن والرياض:
أدى اغتيال واشنطن لـ«قاسم سليمانى»، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثورى، برفقة قائد الحشد الشعبي، أبومهدى المهندس، في 3 يناير 2020، إلى حالة غير مسبوقة من التصعيد، بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، في المنطقة، لاسيما في العراق. وعليه، طالبت طهران السلطات العراقية في ذلك الوقت، بضرورة العمل على إخراج القوات الأمريكية من البلاد، وكان من المتوقع بالنسبة لطهران أن يكون هكذا قرار أحد الأولويات الرئيسية لرئيس الوزراء الجديد، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، واتجه الكاظمى لخلق معادلة توازنية بين المصالح الأمريكية- الإيرانية، وهو الأمر الذى أزعج طهران بشدة، على خلفية اعتيادها على تفضيل مصالحها، على معاداها من قبل المسئولين العراقيين.
واللافت للانتباه في هذا السياق، هو سماح الكاظمى لواشنطن باختبار نظام للصواريخ، من قبل السفارة الأمريكية في العراق، وهو الأمر الذى انتقدته إيران بشدة؛ مؤكدةً أنه بمثابة انتهاك واضح لقواعد القانون الدولى، والسيادة العراقية، وهو ما علق عليه زعيم تحالف «فتح العراقي»، هادى العامري؛ مخاطبًا الكاظمى، قائلًا: «عن أى سيادة تتحدث؟، عن أى كرامة وهيبة تتحدث، عندما يحلق المقاتلون الغزاة في سماء العراق؟». بالإضافة إلى ذلك، تعمد الكاظمى عدم اتخاذ موقف واضح، إزاء ما أطلقت عليه المنصات الإعلامية الإيرانية، إهانة صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية للمرجع الشيعى الأكبر في العراق، «آية الله على السيستانى»، فضلًا عن الزيارة التى قام بها وزير المالية العراقي، على عبد الأمير علاوي، إلى الرياض، في أواخر مايو الماضى.
ثانيًا: الحد من نفوذ الميليشيات الإيرانية:
يبدو وكأن رئيس الوزراء العراقى الجديد، مصططفى الكاظمى، كان عازمًا منذ البداية، على تقليم أظافر إيران في العراق، من خلال تقليص نفوذ الميليشيات التابعة لها، وهو الأمر الذى اتضح بعد قيامه بدمج بعض فصائل الحشد الشعبي، في الهياكل الحكومية؛ حيث صدر إعلان رسمى في 23 أبريل 2020، بضم 4 من وحدات الحشد الشعبي، التى كانت موالية للسيستاني، تحت مسمى: «وحدات الضريح»، لتكون تحت السيطرة المباشرة لمكتب رئيس الوزراء، ضمن ما يعرف بجماعات خدمة مكافحة الإرهاب في العراق (CTS)، والتى لعبت دورًا رئيسيًا في محاربة ما يسمى بـ«تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وتم دعمها وتدريبها، من قبل التحالف الدولى المناهض لتنظيم «داعش»، فضلًا عن امتلاك البعض منهم خبرة عمل سابقة، داخل القوات المسلحة العراقية.
يتوازى ذلك، مع رغبة الكاظمى في الحد من نفوذ الميليشيات المدعومة إيرانيًا، لاسيما فيما يتعلق بكتائب «حزب الله»، على خلفية اعتقاده بأنها تمثل الخطر الأكبر على طموح الحكومة العراقية، في أن تكون دولة بالمعنى الكلاسيكي- التى تحتكر امتلاك واستخدام القوة داخل أراضيها- حيث تسيطر كتائب «حزب الله» في العراق، على مجموعة من الأراضي، يُزعم إنه حتى المسئولين الحكوميين، ممنوعون من دخولها. والجدير بالذكر، أن اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس، التابع للحرس الثورى قاسم سليمانى، مطلع يناير 2020، برفقة قائد الحشد الشعبي، أبو مهدى المهندس، بالقرب من مطار بغداد الدولى، كان له أبلغ الأثر على الحد من نفوذ الميليشيات التابعة لإيران في العراق، بسبب كونه الأب الروحى والقائد، الذى كان يتمتع بكاريزما وكلمة مسموعة، لدى كافة الفصائل المسلحة.
ثالثًا: إغلاق المنافذ الحدودية:
أدى تفشى جائحة كورونا بشدة في العراق، إلى انتهاج رئيس الوزراء العراقى الجديد، مصطفى الكاظمى سياسة جديدة، تقوم على غلق المنافذ الحدودية مع إيران، على خلفية اتهام طهران بتصدير الفيروسات إلى بغداد، عبر هذه المنافذ، وهو الأمر الجديد بالنسبة لإيران، التى اعتادت منذ عام 2003، فتح المنافذ العراقية الحدودية البرية والجوية معها. كما طالبت اللجنة العراقية لمكافحة فيروس كورونا، بمنع الوافدين الإيرانيين من دخول العراق، لاسيما محافظات البصرة وميسان وواسط ذات الحدود مع إيران.
وعليه؛ تسبب ما سبق في خسائر اقتصادية جمة، بالنسبة للجانب الإيراني، الذى يعانى من ركود اقتصادى كبير، على خلفية العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل واشنطن، اللاحقة للخروج الأمريكى من الاتفاق النووي، في مايو لعام 2018، وبالتالى، جاءت خطوة إغلاق المنافذ الحدودية التى كانت تعتمد عليها طهران، في تصدير معظم منتجاتها للعراق في خضم مرحلة حرجة من تاريخ الدولة الإيرانية. والجدير بالذكر، أيضًا، أن العراق كانت بمثابة المتنفس الأبرز بالنسبة لإيران، فيما يتعلق بالتغلب على العقوبات الأمريكية؛ حيث تعتبر إيران ثانى أكبر مصدر للسلع العراقية، لاسيما فيما يتعلق بالسيارات، التى تعتبر من أهم وأكبر الصناعات الموجودة في طهران، فضلًا عن المواد الغذائية ومواد البناء.
في النهاية؛ يمكن القول إنه على الرغم من التراجع الكبير الذى شهده الدور الإيرانى في العراق، لاسيما بعد الاحتجاجات الكبيرة، التى شهدتها المناطق التى يقطنها الشيعة، عامى 2018 و2019، محاولات رئيس الوزراء العراقى الجديد، مصطفى الكاظمى، الاعتماد على سياسة التوازنات، وضم الميليشيات الشيعة في الأجهزة الحكومية للدولة، إلا أن طهران ستحاول جاهدة الإبقاء على نفوذها في بغداد، وخاصةً وأنها تعتبر بمثابة المرتكز الأول للتواجد الإيرانى في المنطقة.