الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مفهوم الأضاحي عبر السنين.. «العقاد» في مقال عام 1953: الغرض منها قديما دفع السوء

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نشر الأديب الكبير عباس محمود العقاد مقالا له في دار الهلال لعام ١٩٥٣ بعنوان «العيد الكبير.. عيد الأضاحى والقرابين» قائلا: إنه قبل آلاف السنين كانت الأضحية الغرض الكبير منها هو دفع السوء عن إنسان من الناس على يد ساحر أو كاهن، وهناك نوع آخر من الضحايا التى يدفع بها السوء عمن يخافونه ويجسون شرا منه، وتلك هى الأضاحى التى تقدم إلى أرواح الموتى يوم كان الناس، يعبدون تلك الأرواح ويبذلون لها الأطعمة ويحسبون أنها تجوع وتظمأ وأنها تنكل بهم إذا رأتهم يأكلون ويشربون وهى تنظر إليهم ولا سبيل لها إلى الطعام والشراب، فما كانوا يومئذ يذبحون لها الذبائح ويتقربون إليها بالقرابين دفعا للسوء واتقاء الحسد والنقمة، وكذلك قرابين الأرواح مثل قرابين السحر والكهان.
وتابع العقاد: بعدها ارتقى شعور الناس بالأضحية وفهمهم لها ومعناها مع ارتقائهم في التدين واستعدادهم لطبقة أخرى من الاعتقاد الدينى أرقى من الطبقة الهمجية، فأصبحت الضحية تحمل الخطيئة عن صاحبها وكان مجرد فهم الخطيئة تقدم في الفهم والشعور بالعقيدة الدينية لأن إدراك معنى الخطيئة يستدعى إدراك معنى الضمير والمحاسبة على الذنوب ومن هنا كان الخلاص من الخطايا أرفع طبقة من دفع السوء الذى يصيب الأبدان ولا يتعداها إلى الضمائر وكان كذلك أرفع طبقة من دفع السوء لسبب آخر وهو أن دفع السوء كان يطلب من الشياطين بينما تكفير الذنوب يطلب من رب الخير والصلاح الذى ينهى عباده عن مقارفة الذنوب. 
وأوضح العقاد أن الناس ارتقوا بعد ذلك في فهم الأضحية بمقدار ارتقائهم في فهم العقيدة فجاء الزمن الذى كان فيه أنبياء بنى إسرائيل كأشعياء وأرميناء يبكتون الشعب لأنه يعلق رجاءه في الخلاص والغفران على الذبائح والقرابين، ثم ارتفع السيد المسيح بعقيدة التضحية فوق هذا المرتفع فقدم الرحمة والشكر على فدية الأنعام والأموال أوصى ببذل النفس في سبيل الهداية. 
وذكر أن التضحية في الإسلام هى شكر وصدقة وإحسان لقوله تعالى «فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير» وقال أيضا «فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون.. لن ينال الله لحومها ولكن يناله التقوى منكم» فالضحية الكبرى هى التقوى وإنما هذه الضحايا هى وسائل الشكر والإحسان وليس من عقائد الإسلام أن الضحية تكفر الذنوب ولا أنها ترد القضاء ولكنها عطية واجبة تؤدى جانبا من جوانب البر وترمز إلى الجانب الأكبر منها وهو تضحية الإنسان بنفسه في سبيل الله ولهذا اقترنت آيات الضحايا بآيات القتال دفعا للظلم وإبقاء للشعار والأحكام فقال تعالى «ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز». 
أشار العقاد أيضا إلى أن الآداب الإنسانية تتلخص في هذه الناحية في كلمات ثلاث تجمعها كلها ولا تحتاج إلى مزيد عليها من خارجها وهى كلمات الحق والواجب والتضحية، وأقلها الحق وأعظمها التضحية وبينها الواجب وسط معتدل بين الطرفين، فكل تضحية واجبة أو مفروض هى في الواقع ترمز إلى التضحية العليا التى هى أرفع من الواجبات والمفروض لأنها تطلب ولا تستوجب.