الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

منير صديقي الذي لا تعرفونه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحل عن دنيانا قبل أيام الصديق والزميل والكاتب الصحفي والساخر من كل شيء محمد منير، أو "منير" كما كنت أحب أن أناديه، ويرد علي: يا "حضور".. رحل منير واقفًا رغم كل شيء، لم يهزمه إلا فيروس "كورونا"، واضطراب القلب في الساعات الأخيرة، والتي لم يتحملها، فحزم حقائبه راحلا إلى المولى عز وجل، ليقول للجميع: "ارتاحوا مني خلاص".
حالة حب خاصة، لم يختلف عليه أحد، ظهرت في سرادق عزاء على وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، من الدقيقة الأولى للرحيل، صبيحة الاثنين الماضي 13 يوليو، لم أتمالك نفسي، وانهمرت دموعي لساعات طويلة، أغلقت عليّ باب مكتبي في "البوابة" لأبكي، على رحيل صديق حرمني الرحيل المفاجئ وإجراءات الدفن الشديدة التي أحيطت بالجثمان من وداعه.
في اللحظة الأولى اتصلت بالصديق والزميل حازم منير شقيق "منير"، لم أستطع أن أستمر معه طويلا، فقد غرقنا في حالة بكاء متواصل، كان في طريقه إلى مستشفى العجوزة، الذي توفي فيه منير، لينهي الإجراءات لإتمام عملية الدفن في مقابر العائلة على طريق الفيوم بالجيزة.
حاولت أن أتماسك لكي أنهي تجهيز عدد الثلاثاء من البوابة، كم مر الوقت وأنا أبكي، مر لحظتها على ذكريات طويلة في رحلة العمل والصداقة بين منير وبيني، مر شريط الذكريات طويلا، والجلسات بيننا في بيتي القديم والجديد في فيصل، وعلى المقاهي، وفي جريدة "الأهالي" بيتنا الكبير، الذي تربينا فيه صحفيًا، تخيلت منير أمامي، ونحن نناقش أدق الأمور في حياتنا العامة والخاصة. 
ما لا يعرفه أحد أن الذي كان بيني وبين منير شيء مختلف عن كثيرين، منير كان بالنسبة لي سر الأسرار، والتي سيبقى منها سر الأسرار، ما قدمه لي أكثر بكثير من أي شيء، لم أستطع أن أرده له، حاولت، أن أرد له ما في رقبتي، لكنه كان يسبقني بخطوات، ودائمًا كان يقول: إن الكبر والسمنة أكلا مني الكثير وأخذا مني الأكثر، لكنها لم تأخذ مني العطاء، ولن تستطيع أن تسبقني.
آخر ثلاث سنوات تقطعت بيننا حبال التواصل المستمر؛ لانشغال منير، بأمور وهموم فرضتها عليه ظروف قهرية، وانشغلت أنا بعملي في "البوابة"، وبين الحين والآخر نتواصل هاتفيا، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير من المواعيد التي اتفقنا عليها لم تتم إما بسبب وعكات صحية ألمت بمنير، أو لظروف أخرى، إلى أن انتشار وباء "كورونا" أحاط منير بسياج منزلي، وانتهى بسياج فعلي لبعض الوقت سبب الجرأة في التناول عن الكثيرين، لينتهي الأمر برحيل على سرير في مستشفى، وربما وحيدا في غرفة مستقلة، بعد سحب كل وسائل الاتصال والتواصل منه، خشية على صحته، التي أصيبت بالاعتلال، وظل التواصل معه عبر شقيقه الصديق حازم منير. 
ورحل منير، لأكتب عنه ما لم أقله لأحد، منير حالة خاصة معي على مدى أكثر من ربع قرن، فكما قلت هو سر أسراري، فقد وكلته ليحل محلي في مختلف أموري، وينوب عني فيما يتعلق بإدارة ما يخصني بالمعني الحرفي لـ"توكيل عام"، وظل كل فترة يلح في أن ألغي التوكيل، وبعد عودتي من سنوات الغربة، طاردني للإلغاء، حتى فاجأني ذات مرة، ليمزقه، تعاتبنا في هذا، ولكن تقبلت الأمر.
ربما كان لمنير مبرراته في هذا، ولي مبرراتي في الإبقاء على ما اتفقنا عليه، ولكن العلاقة بيننا كانت حالة خاصة جدا، ربما لأسباب في نفس كل منا، لم ولن أستطع تفسيرها،.. وكنت أخاف عليه في بعض الأمور قائلا له: "الزمن مختلف"، لكن بطريقته يقول: "يا حضووووور انسَ".
في واقعة مهمة بيننا، كنت خارج مصر، في منتصف التسعينيات، وكانت أسرتي في القاهرة، واحتاج رامي ابني وهو مازال طفلا، لعملية جراحية، وطلب منير من زوجتي ألا أزعج أحدا من الأسرة، وفي الصباح الباكر، حمل منير ابني رامي وزوجتي وابنتي الكبرى وراءه، ليدخل المستشفى، بعد تجهيز كل الأوراق، وتجري الجراحة، وكأنني موجود،... وخذ على هذا الكثير والكثير. 
هذا هو منير، حاجة حلوة في حياتي، لم ولن تتكرر، إلا أنني في المقابل شعرت بحجم تقصير تجاهه، خصوصًا في السنوات الأخيرة، خاصة في آخر شهرين،.. وأدمعت عيناي، وأن أسمع آخر "فيديو" له على فيس بوك في 7 يوليو الحالي، وهو يستغيث طالبا أن يدخل مستشفى المنيرة، وأنا أقف عاجزا، ولم أستطع أن أعلق عليه، وبعد جهود الزملاء، بدأت رحلة النهاية، من مستشفى أم المصريبن إلى مستشفى العجوزة لتنتهي بمقابر طريق الفيوم.
سامحني يا منير وآسف على تقصيري.