السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجارة الأراضي.. ضرورة وضع ضوابط صارمة لعمليات البيع والشراء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ عشرات السنين قامت حملة على احد الوزراء المشهورين وقتها وانه قد تكسب الملايين وتملك شققا ومصايف في الداخل والخارج، رغم أنه بدأ حياته موظفا بسيطا في قطاعه الحكومي، وتدرج فيه ولم يتركه حتى أصبح وزيره. وكان الدفاع الوحيد للرجل، ادعاءه أنه اشترى قطعة أرض كبيرة في مدينة نصر منذ مدة طويلة بثمن قليل [جنيهان للمتر المربع]، وبعد سنين عديدة باعها بملايين الجنيهات، وأن هذا هو تبرير ثروته. ودونما شك، فإن كل شيء يمكن ترتيبه في ظل تفشي عقود الشراء الابتدائية ومدى درجة الرضاء عن هذا الوزير أو ذاك في ذلك الوقت. 
لن أناقش هذا التبرير ولن أدخل في تفاصيله. ولكنني هنا أناقش مسألة "تجارة الأراضي" سواء كانت أراضي يمتلكها القطاع الخاص "وهي موجودة أساسا في الريف" ،وبعضها في المدن أو تمتلكها الدولة وهي أساسا الأراضي الممتدة في طول الصحارى وعرضها أو خارج المدن من الأراضي التابعة لشركات القطاع العام وقطاع الأعمال والمدن الجديدة.
وإذا كانت الدولة من خلال أجهزتها المتعددة، تستطيع أن تضع بعض الضوابط لقطع الأراضي التي تبيعها، من اشتراط البناء عليها في مدة محددة أو إقامة منشآت تتفق مع الغرض الذي تم تخصيصها من أجله [ مثل المصانع أو الخدمات] فإنها لا تستطيع فرض سيطرتها على تجارة الأراضي في القطاع الخاص.
ومن المعلوم للقاصي والداني في القطر المصري سواء كان الشخص مواطنا بسيطا أو مسئولا كبيرا، أن سعر المتر المربع الواحد في الأراضي الزراعية المتاخمة للكتلة السكنية في المدن والقرى، قد وصلت أحيانا إلى [ من 5 إلى 40] ألف جنيه، وأنها قد وصلت في بعض المدن البعيدة عن القاهرة إلى [150] ألف جنيه. وما على المشترى الا أن يقيم سورا عاليا على قطعة الأرض ويضع عليها "يافطة" تقول أنها مملوكة لفلان ولم يصدر لها أية توكيلات للغير. ولا يمكن أن نطلب من النفس البشرية للمزارع المصري، أن نطلب منه عدم بيع فدان واحد من أرضه الزراعية بعدة ملايين من الجنيهات، ووضعها في بنك تجاري بفائدة 15% ليضمن لأبنائه وأحفاده دخلا شهريا بعشرات الآلاف، بدلا من تعب الحرث والعزق والسقي والجني.
وتاجر الأراضي ليس عليه الا أن ينتظر شهورا أو سنينا، ثم يبيع قطعة الأرض ويحصد الملايين أو عشرات أو مئات الملايين. وكم من رجل أعمال حصل على ملايين الأمتار المربعة من الدولة بأسعار متدنية وبالتقسيط المريح، وظلت على حالها، ثم باعها للبنوك بمليارات الجنيهات نظير ديونه المليارية التي حصل عليها وتمتع ببعضها وأقام مشاريعا بجزء منها وأودع الباقي في الخارج.تاجر الأراضي، لم يقدم لدولته ولا لمواطنيه أية فائدة. ولم يساهم في زيادة الإنتاج ولا في نقل التكنولوجيا ولا في توظيف الأيدي العاملة ولا في التدريب ولا في زيادة الدخل القومي ولا في النمو الاقتصادي. كل ما فعله حبس قطعة أرض وحبس منفعتها. إنه كالوحش الكاسر، يتحين شق طريق أو تحسين في المرافق العامة، لتزداد أثمان أراضيه دون مجهود أو بذل أو عطاء. إنه يمتص دماء غيره من الشعب ومن المال العام. 
كل ما يقوم به تاجر الأراضي هو نهب الأرباح بأكثر مما يربح المرابي. ويتسبب كل يوم في زيادة أسعار الشقق السكنية لأن ثمن الأرض أصبح أغلى من تكلفة البناء ذاته. وتاجر الأراضي فاقد الإحساس، لأنه انسلخ عن باقي أفراد الشعب، حيث تفنن في كيفية الحصول على قطع الأراضي بالواسطة أو بالنفوذ. وكم من تجار الأراضي قد تفننوا في جمع بطاقات الرقم القومي لعشرات ومئات الأشخاص ليدفعوا بأسمائهم المبالغ المطلوبة ليدخلوا بأسمائهم في فرص القرعة العلنية، فإن فاز واحد من أصحاب تلك البطاقات أعطوه "الحسنة" وهي حسنة ليست بعشر أمثالها، لكنها سيئة بألف مثلها. وحتى لو تقدم شخص بنفسه للقرعة العلنية لأراضي الإسكان التي تطرحها الدولة من آن إلى آخر، فبمجرد فوزه، يجد عشرات السماسرة يلهثون وراءه لإعطائه مقدار ما دفعه من مقدم ورسوم، ويضيفون عليها الملايين وفقا للمساحة والموقع.
وحتى الدولة عندما قررت فرض ضريبة على التصرفات العقارية، جعلتها ضريبة هزيلة مقدارها اثنين ونصف في المائة! هذا بفرض أنه تم افراغ القيمة الحقيقية للأرض في العقد.
لقد أصبحت تجارة الأراضي مأوى تحتضن بعض لصوص المال العام ومرتعا لغسل الأموال. فما على من يريد غسل أمواله، الا أن يشتري قطعة أرض ثم يبيعها على الورق بربح خيالي [غير حقيقي] ويسدد إثنين ونصف في المائة من ثمن البيع الخيالي المذكور في العقد، لتصبح أمواله المليونية أمولا شرعية من مصدر شرعي. فإذا كرر ذلك عدة مرات، لأصبح مليارديرا شريفا.
وكم من ذوي نفوذ بشكل مباشر أو غير مباشر، قد تحصلوا على أراضي بملاليم وأصبحت تساوي ملايين. وهي ميزة لم تكن متاحة لباقي أفراد الشعب. وكم من محترفي تستيف الأوراق حصلوا على قروض بالملايين لأغراض معينة، فاستخدموها في تجارة الأراضي وحققوا أضعاف الأضعاف، ولم يفيدوا الاقتصاد الوطني بل أفادوا أنفسهم وجشعهم وطمعهم.
لا بد من حملة قومية لرسم خريطة دقيقة لمصر، لنعرف كل متر مربع فيها، ومن يملكه، وكيف آلت ملكيته للمالك، وبالتالي يمكن للدولة أن تتقاضي حقها العادل، ان كانت الملكية قد آلت عن طريق غير سوي. ان هذا الحق سيسدد جميع ديون الدولة الخارجية والداخلية. كما لا بد من وضع ضوابط صارمة لعمليات البيع والشراء من حيث الأسعار المناسبة، ولابد من تغيير ضريبة التصرفات، وإخضاع فئة سماسرة الأراضي للضرائب....والله من وراء القصد.