الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الطيف السياسي" في رواية "صراخ الطابق السفلي" لفاطمة الحاجي

رواية صراخ الطابق
رواية "صراخ الطابق السفلي"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تسرد رواية "صراخ الطابق السفلي" للكاتبة الليبية فاطمة الحاجي، أحداثًا سياسية محلية، حيث بدأت بمشهد التجمهر في ساحة الجامعة للاحتفال باليوم الوطني، ثم ما لبث أن تحول الاحتفال إلى مشهد للقلق والخوف بعد أن انتشر الاضطراب والرعب في المكان؛ بسبب الظهور المفاجئلـ(منصة إعدام) يحملها عدد من الرجال، ومازال الجمهور في دهشة وتساؤل حتى أتى هؤلاء الرجال بشاب يجرجرونه، وهو يستنجد بهم طالبًا الرحمة والعفو، ولكن بلا جدوى، حينها انقلب الاحتفال مأتمًا، وملأ الصراخ والعويل ذلك المكان.
تتحين السلطة وأيدي السلطة -في هذه اللحظات المرعبة - الفرص للتواصل مع أنصار التحرر والوعي والمثقفين؛ إذ مد طاهر - الشاب الذي نزل لتوه من على المنصة بعد أن تم مشهد الإعدام- يده ليخرج المثقفة الجميلة الشابة من بين الجماهير التي ارتجت وتزاحمت وملأت المكان بالصراخ والعويل بعد رؤيتها مشهد الإعدام، فتنشأ قصة حبّ بين طاهر المثقف الوصولي الذي (يلهث خلف المؤتمرات)، وبين سعاد الشابة الجميلة المثقفة التي تدعو إلى التحرر، في محاولة من السلطة للتواصل مع هذه الفئة وجسها والدخول فيها ومعرفة أسرارها وما يجري داخلها.
هذه الرواية سياسية بامتياز؛ فهي تعرض لسلسلة من المواقف، وتشير إلى أحداث تجعلنا حسب (فكرة المؤشرالأسلوبي)، نحسبها رواية سياسية خالصة. 
فارتباط كل حدث في الرواية بالسياسة يؤكد لنا سياسية هذه الرواية بدءًا من ارتباط الأنشطة الثقافية والأدبية بالسياسية؛ إذ جرت العادة أن يستضاف المثقفون والأدباء في كل محفل أدبي أو ثقافي بإشراف قوى سياسية عليه "كان ذلك في فضاء الشعر في احتفال وطني".
امتد التجسس ليطال لقاءات الحب والغرام بين الشابة الجميلة المثقفة وبين طاهر المثقف الوصولي، التي كانت تتم في "مكتب الصحيفة التي عينت محررة للصفحة الأدبية فيها".
رغم الحضور القوي لأدوات السلطة في المحافل الأدبية لم تخل هذه الملتقيات من مناوشات، فالشاعرة التي ألقت في احتفالية اليوم الوطني قصيدة لمزت فيها السلطة بحادثة الشنق شعرت بأنها (أفرغت شحنة من الكبت وعبرت عن ألم يحفر قلبي منذ ذلك اليوم يوم رأيته يصرخ وهو يقاد كالخروف إلى المشنقة وسط التهليل والعويل ).
سعاد المثقفة الجميلة لا تفلت فرصة تلمز خلالها السلطة ففي إحدى الجلسات الودية التي يمثل فيها طاهر(السلطة) وجهت حديثها لمختص في الكيمياء مهتم بالأدب والثقافة فتقول: (لم أكن أعلم أن للأدب مريدين حتى في الأقسام العلمية هذا والله يبشر بخير)، وهي تقصد بهذه العبارة اهتمام السلطة غير البريء بالملتقيات الأدبية والثقافية.
تعرض الرواية لفكرة الهجرة لدى الشباب، وانسداد الأفق أمامهم، وانغلاق الأبواب، فما من خيار أمامهم غير الهجرة أو الموت شنقًا مالم يقصدوا الطريق الأسهل؛ وهو الانضمام إلى قوى السلطة " محمد كان شابًا فتيًّا، كان حلمه أن يغادر البلاد إلى أمريكا، وعمل ما في وسعه ليفوز بتأشيرة الخروج".
ومثلما ارتبطت الملتقيات الثقافية والأدبية ومصير الشباب ومستقبلهم بالسياسة ارتبطت السياسة أيضًا بالعلاقات العاطفية والارتباطات الاجتماعية؛ فسعاد تصرح "يتصارع فكرها بين اشتياقي لطاهر من جهة، وخوفي من أن يكون قد تورط في جرائم الشنق، وخوفي أن أربط مصيره بمصيري ".
كما أن طاهر أيضًا قبل أن يقرر الزواج بها تحرى الدقة في جمع المعلومات حول المواقف السياسية لأقاربها حتى الدرجة الثالثة،"هاقد بدأ يجمع المعلومات عن أسرتي...ليتأكد من براءة جيناتي".
وتعرضت الرواية أيضًا لمعاناة الهنود الحمر أثناء ضيافة الوفد الأمريكي، والحديث عن الأقليات العرقية والممارسات العنصرية ضدهم لتنتهز سعاد الفرصة لإثارة قضية الأمازيغ.
كما ذكرت على نحو يسير عن طريق ذاكرة الأب المصاب بالزهايمر وحديثه عن "معركة جندوبة "، ومقاومة الاحتلال الإيطالي.
هذه الرواية سياسية بامتياز تآزرت خلالها المؤشرات والمواقف والأحداث والشخصيات "، كلما تعددت الإشارات المباشرة إلى المواقف والأحداث والشخصيات القائمة خارج النص الإبداعي بأسمائها المعروفة تاريخيًّا صبغت العمل تدريجيًّا بصبغة سياسية".