الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

د. محمد أمين عبد الصمد يكتب: محمود رضا.. الراقص

محمد أمين عبد الصمد
محمد أمين عبد الصمد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُشكل محمود رضا حلقة مهمة جدًا ولامعة أيضًا في مسيرة الرقص الاستعراضي المصري، أداءً وتصميمًا وإخراجًا وتدريبًا وإدارة لفرقة فنية راقصة. وذلك لعدة اسباب منها: سيبقه التاريخي في تكوين فرقة خاصة ذات هوية محددة، ارتكازه في ابداعاته وتصميماته على الاستلهام وتوظيف الرقص الشعبي المصري، استمرارية الفرقة لفترة زمنية سمحت لها بتكوين برنامج فني ثري فنيًا وجماهيريًا، تغيير الصورة الذهنية لدى قطاع كبير من المجتمع عن الرقص وممارسيه.
وتعددت الوسائط التي قدم من خلالها محمود رضا عروض فرقته: مسرح سينما وبرامج استعراضية معدة خصيصًا لفرقته.

مثلت فرقته مصر في الكثير من المهرجانات الدولية والمسابقات العالمية، وحازت الكثير من الجوائز والمراكز المتقدمة، لم تكتف بتغيير فكرة الكثير من المصريين عن الرقص الإستعراضي المصري، ولكن فكرة العالم أيضًا والذي لم يكن يرى سوى رقصات "هز البطن".

ولهذه النتيجة مقدمات يجب التنويه عنها، منها هذا الفنان نفسه – الفيصل والرائد - فقد وُلد الفنان محمود رضا في وسط اجتماعي محتفٍ بالثقافة والفنون، وينزلهما منزلتهما المستحقة، حيث ولد في حي غمرة القاهري عام 1930 وكان له عشرة من الأخوة من الذكور والإناث، وكان والده محمد رضا يعمل أمينًا لمكتبة جامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليًا".

وبدأت علاقة محمود رضا بالرقص الاستعراضي في إطار الهواية في حفلات نادي البلدية الرياضي "القاهرة حاليًا"، ونادي هليوليدو، وساعده في التألق تكوينه الرياضي، فقد كان يمارس رياضات السباحة والغطس والجمباز والكرة الطائرة والتزحلق بالباتيناج، وحصل محمود رضا على الميدالية الذهبية في بطولة الدول العربية والتي أقيمت عام 1951 في لعبة الجمباز، وكان قد مزج بمهارة شديدة بين حركات الرقص وحركات الجمباز الأرضي، كما مثَّل مصر في الدورة الأولمبية بهليسنكي 1952.

كوَّن فرقة في نادي هليوليدو للرقص الاستعراضي لتقديم حفلات شهرية في النادي، وكان من أعضاء الفرقة حينئذ الفنان الممثل أسامة عباس.

ولم يكتف محمود رضا بذلك بل عمل مع فرقة "ألاريا" الأرجنتينة، وشارك في عروضهم في القاهرة والإسكندرية وروما وباريس طوال عامي 1954 / 1955، مما أكسبه الثقة في قدراته وموهبته، وأكسبه كذلك الكثير من الخبرات الفنية في مجال الرقص الاستعراضي العالمي، وخبرات في الجانب الإداري للفرق الفنية.
وعندما عاد إلى مصر قرر الاستقالة من شركة "شل" للبترول، والتي كان يعمل بها موظفًا، والاتجاه لتكوين فرقة للرقص الاستعراضي، وكانت مخاطرة كبيرة منه، قفزة في الظلام، أشفق الكثيرون عليه منها.

وكان تكوين فرقة للرقص الاستعراضي في مجتمع ينظر للفن عامة وللرقص خاصة نظرة متعالية ومتهِمة قرارًا جريئًا، ساهم فيه طبيعة المرحلة التي يمر بها المجتمع، وصعود مصر جديدة بمفاهيم جديدة، بعد ثورة يوليو 1952، كما شجعه على اتخاذ هذا القرار بعض الأسماء الشهيرة مثل يحيى حقي، كما رحب بالفكرة وشجعها فتحي رضوان وزير الثقافة والإعلام وقتها، وطلب من محمود رضا تبني وزارة الثقافة للفرقة، ولكن بعد تكوينها !!
ورغم جهود محمود رضا في تكوين الفرقة إلا أن المشروع توقف ولم يكتمل لتراجع فتحي رضوان عن دعم الفكرة وتنفيذها !!

وهنا كان قرار محود رضا بإنشاء الفرقة بنفسه، ودعمه في هذا أخوه على رضا وعائلة الدكتور حسن فهمي.
وشاركت الفرقة الوليدة وفي أول ظهور لها في مسابقة الرقص الشعبي في مهرجان الشباب بموسكو 1975، وقدمت الفرقة رقصة باسم "نبيَّن زين" وفازت الفرقة بالمركز الثالث، بعد الاستقبال الجيد والحفاوة التي قابل بها الجمهور الروسي الفرقة، واحتفت لجنة التحكيم بقيادة الفنان العالمي إيجور موسييف بالفرقة كذلك، ويرجع نجاح رضا في هذا المهرجان إلى أن الفرقة قدمت الفن المصري في صورته الحقيقية من حيث الملابس والموسيقى والأغاني والطابع العام للفنون الحركية المصرية، مع التدريب الجاد والبروفات التي رفعت كفاءة الراقصين ومكنتهم من صقل مهاراتهم وتقديمها بشكل جيد.

ورغم النجاح الفني الكبير الذي حققته فرقة رضا فيما بعد إلا أن هذا لم يحقق لها الأمان المالي والعرض المنتظم، خاصة مع ارتفاع تكلفة أعمال الفرقة من أجور وتأجير دور عرض ودعاية وإعلان وانتقالات..... إلخ، وجاء عام 1961 أي بعد عامين من إنشاء الفرقة حاملًا الخير للفرقة، فبعد سعي من رضا، فقد طلب الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإعلام – بتكليف من جمال عبد الناصر – ضم الفرقة إلى وزارة الثقافة مع تحمل الدولة كل الأعباء المالية، وكان هذا بابًا للفرقة للتطوير والتجديد، فزادت من أعضائها الفنيين، ونوعت برامجها ودعمتها برقصات وتابلوهات جديدة، ووفرت الدولة للفرقة السفر إلى الخارج ممثلة لها في المهرجانات الدولية، ويُضاف إلى هذا الإعتراف الرسمي من الدولة والمجتمع بفن الرقص وتبني فرقه الفنية.

اجتهد محمود رضا بالتعاون مع فريدة فهمي لوضع قواعد تعكس أسلوبًا خاصًا يميز الفرقة وعروضها الفنية، وقد كان، بل أسهمت فرقة رضا في دمغ الكثير من الفرق التي تكونت بعدها بأسلوبها الفني.

قدمت الفرقة بعض الأفلام السينمائية التي ساهمت في زيادة شهرتها مثل: "إجازة نص السنة"، "غرام في الكرنك"، "حرامي الورقة"، وكانت كلها من إخراج الفنان على رضا الشقيق الأكبر لمحمود رضا، فإن الرحلة الفنية لمحمود رضا درس مهم لكل فنان مجتهد صاحب مشروع، وهو ما جعل فرقة رضا علامة على التميز والرقي الفني، وتمثيل فنون وطنها بالشكل اللائق والمحبب.