الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

سامح محجوب يكتب: محمود رضا.. فيلسوف الرقص

سامح محجوب
سامح محجوب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا أردت أن تتعرف على شعب أو أمة أو جماعة فعليك أن ترى وتسمع كيف يرقصون ويغنون، فالرقص والموسيقى والغناء أوضح انعكاس لروح الإنسان وهويته، عكس الفنون الأخرى التي تتسم بالطابع التداولي، وقديمًا كان الرقص أحد مفردات العبادة في أكثر من حضارة قديمة،لذا كان ظهور فرقة رضا للفنون الشعبية في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم حدثا قوميا مهما يخدم المسار الذي اتخذته الدولة المصرية منذ ثورة 19 في تمصير كل شيء وتخليص الهوية المصرية من هويات دخيلة، استطاع محمود رضا البطل الأولمبي -لدورة هلسنكي 1952 - الشهير بالتعاون مع شقيقه على رضا المؤلف الموسيقي ومصمم الراقصات أن يكوِّن النواة الأولى لأهم وأضخم فرقة رقص شعبي ربما في العالم من ست وعشرين راقصة وراقص ليجوب بهم البلاد شرقا وغربًا بحثا عن كل تفصيلة ولو صغيرة في الرقص الشعبي المصري كما استطاع أن يجذب المؤلف والموزع الموسيقي الأشهر آنذاك على إسماعيل ليضع الموسيقى والألحان للرقصات الفلكورية الشهيرة ويخرج بها في عروض ضخمة على أكبر مسارح العالم ممثلا للهوية والحضارة المصرية بكل تنوعها وزخمها الفني وأظن أن تأميم فرقة رضا ووضعه على رأسها هو شقيقه كان خطوة مهمة في دعم واستمرار الفرقة التي أصبحت مرجعًا فنيا مهما للرقص الشعبي المصري، ومحمود رضا لم يكن في ذلك كله مجرد راقص أول للفرقة أو مصمم رقصات بقدر ما كان فيلسوفًا ومفكرًا مصريًا كبيرًا استطاع بمعرفته الواسعة للمراحل المؤسسة في التاريخ المصري أن يؤطر ما كاد أن يندثر من رقصات شعبية مصرية ضاربة في جذور الهوية المصرية الغنية فنيًا وروحيًا بل استطاع أن يجعل من الرقص سفيرًا فوق العادة للقوة الصُلبة المصرية بجوار الفنون الأخرى، كما استطاع بموهبته الاستثنائية كمصمم لرقصات أن يكتشف العلاقة العضوية بين الجسد والإيقاع وكيف يمكن صهرهما في لوحة ناطقة بالجغرافيا والتاريخ كما استطاع أن يغيِّر من ذهنية المجتمع لتلقِّي واستقبال الرقص كفن راق يتمتع مبدعه بكل أشكال الاحتفاء والتكريم، ولمحمود رضا الذي وافته المنية اليوم عن عمر ناهز التسعين عامًا مؤلفات مهمة منها " معبد الفن " الذي صدر 1962 بمقدمة للشاعر الكبير عزيز أباظة محافظ البحيرة آنذاك ومذكراته التي صدرت في سلسلة الكتاب الذهبي لمؤسسة روزاليوسف تحت عنوان (الرقص والحياة) عام 2002، عاش رضا حياة حافلة بالإنجازات ونال أرفع الأوسمة من مصر وخارجها كما تم اختياره بالإجماع من منظمة اليونسكو عام 1999 ليلقي كلمتها في يوم الرقص العالمي كما اختاره مجمع اللغة العربية بالقاهرة كخبير لمصطلحات الحضارة، هذا طبعا بالإضافة إلي الجانب الأشهر من حياته كممثل وبطل سينمائي لأشهر ثلاثة أفلام استعراضية في تاريخ السينما المصرية (غرام في الكرنك، أجازة نص السنة، حرامي الورقة) هذا ويظل محمود وفرقته أحد أهم وأقوى مشاريع القوة الصلبة المصرية في لحظات تمددها وازدهارها محليًا وإقليميًا وعالميًا.