الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

قصف قاعدة "الوطية" يحجم نفوذ "العثمانلى" في "بلاد المختار".. ضغوط أمريكية لتفكيك الميليشيات الموجودة في ليبيا.. والرئيس الجزائرى: حكومة الوفاق لم تعد تمثل الشعب الليبى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كشف الجيش الوطنى الليبي، في ٦ يوليو الجاري، أن عملية استهداف قاعدة الوطية الجوية الواقعة على مسافة ١٤٠ كم جنوب غرب طرابلس، والخاضعة لسيطرة ميليشيات الوفاق وتركيا، تمت عبر استهداف تسعة مواقع تركية في القاعدة، وأن نسبة تدمير التجهيزات بالقاعدة بلغت نحو ٨٠٪ تقريبًا.

ويُشكّل استهداف القاعدة تحولًا مهمًّا في تطورات الأزمة الليبية خلال المرحلة الأخيرة، خاصةً في ظل توقيت الاستهداف الذى جاء متزامنًا مع سعى تركى للتأكيد على النفوذ الكبير في ليبيا، وكذلك في ظل دقة القصف والخسائر الكبيرة الناجمة عنه. 

وأوضح تقرير لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة: أن استهداف قاعدة الوطية الجوية يعكس عددًا من الدلالات المهمة المرتبطة بتطورات الصراع الليبي: 
١- الانكشاف التركى الواضح: جاء قصف قاعدة الوطية ليعكس انكشافًا تركيًّا كبيرًا، خاصةً وأنه لم يخرج أى صاروخ من القاعدة تجاه المقاتلات التى نفذت العملية، والتى يُرجّح أن تكون من طراز "رافال"، وقد نجحت الضربة في استهداف منظومات الدفاع الجوى التركية "صونغور"، والرادارات الثابتة والمتحركة، ومنظومة "كورال" للتشويش الإلكتروني، والتى كانت وحدات الجيش التركى قد ثبتتها في القاعدة. ويمثل هذا القصف رسالة شديدة اللهجة لأنقرة بأنها مهددة، ليس فقط في حال تقدمها نحو سرت أو الجفرة وصولًا للهلال النفطى الليبى شرق البلاد، ولكن حتى في أماكن تمركزها في الغرب الليبي.
٢- تطويق نفوذ أنقرة: أقرت تركيا بحدوث القصف، لكنها حاولت التقليل من الخسائر، حيث أكد مسئول تركى بوزارة الدفاع، لم يُحدّد، في ٦ يوليو الجاري، أن قصف القاعدة تسبب في تعطيل بعض الأنظمة بها، معتبرًا أن ذلك من شأنه أن يُعزز من حالة عدم الاستقرار، وهو ما تزامن مع إشارة مصادر محلية ليبية إلى مغادرة عدد كبير من القوات التركية من القاعدة، وهو ما يعكس أهمية القصف الذى أجبر أنقرة على التراجع، وبما يمثّل ردعًا كبيرًا للرغبة التركية في مواصلة التقدم باتجاه شرق ليبيا.
٣- القدرة على تغيير التوازنات: جاءت الضربة العسكرية للقاعدة بعد يومين فقط من زيارة وزير الدفاع التركى "خلوصى آكار" إلى طرابلس، وهى زيارة استمرت يومين سعى فيها "آكار" إلى استعراض النفوذ التركى في ليبيا، كما أكد نية بلاده البقاء في ليبيا إلى الأبد، ومن شأن تلك الضربة أن تؤكد أن أنقرة لا تملك وحدها أوراق الضغط في ليبيا، وأن هناك قوى أخرى إقليمية ودولية قادرة على تغيير التوازنات في أى وقت بمعزلٍ عن تركيا. ولا شك أن الحديث عن استهداف جنود وقادة أتراك كبار إثر ذلك الهجوم يحمل رسائل مباشرة لتركيا بإمكانية رفع تكلفة الصراع، وأن التقدم الذى أحرزته أنقرة بدعم من الميليشيات والمرتزقة في غرب ليبيا خلال الشهرين الأخيرين لا يمكن أن يُكرّس لنفوذ تركى يتجاوز الفاعلين الإقليميين والدوليين.
٤- صعوبة فرض سياسة الأمر الواقع: حيث إن محاولات أنقرة لشرعنة انخراطها المشبوه عبر استغلال حكومة الوفاق، لن يُفضى إلى فرض سياسة الأمر الواقع في ليبيا، خاصةً وأن زيارة وزير الدفاع التركى إلى طرابلس، في ٣ يوليو الجاري، قد تضمنت اتفاقًا عسكريًّا جديدًا غير معلن. فيما أشارت مصادر مُطّلعة إلى أن الاتفاق نصّ على إنشاء قاعدة عسكرية تركية في ليبيا، إضافة إلى تأسيس قوة مسلحة تركية يتمتع جنودها وضباطها الأتراك بحصانة ضد أى ملاحقة قضائية. ووفق الاتفاقية نفسها، يُمنح الضباط الأتراك في ليبيا صفة دبلوماسية لضمان حصانتهم. فيما وصفت جهات ليبية الاتفاق الجديد بأنه احتلال واضح وعلنى لليبيا. ووفق مصادر موالية لحكومة الوفاق فقد اتّفق وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطنى الليبية "صلاح النمروش" مع وزير الدفاع التركى على فتح مراكز تدريب لبناء جيش محترف ذى عقيدة لحماية الوطن والشعب، والحفاظ على مقدرات الدولة الليبية.

وقال التقرير الذى أعده أحمد عبدالعليم حسن الباحث بالمركز:" تسير التطورات الأخيرة في ليبيا في عكس اتجاه ورغبة تركيا بشكل كبير، وقد مثّل استهداف قاعدة الوطية تكريسًا لذلك. 
وأشار عبد العليم، إلى أبرز التداعيات المرتبطة بالتطورات الأخيرة في:
١- التراجع التكتيكي: تدفع التطورات الأخيرة، خاصةً في ظل تكثيف الضغط عسكريًّا وكذلك سياسيًّا، إلى تفضيل أنقرة التراجع التكتيكى للحفاظ على مكتسباتها التى حققتها خلال الفترة الأخيرة. وتتمثل محدِّدات الضغط جنبًا إلى جنب مع استهداف قاعدة الوطية، في حدوث تحولات مهمة في مقاربة دول الجوار تجاه الأزمة الليبية، وهو ما تجلّى مع تصريحات الرئيس الجزائرى "عبدالمجيد تبون"، في ٤ يوليو الجاري، بأن حكومة الوفاق الليبية لم تعد تمثل الشعب الليبي، وشدد على أن "الأحداث تجاوزتها"، وهو نفس موقف الرئيس التونسى "قيس سعيد" أواخر يونيو الماضي، وهو ما يعكس فشلًا تركيًّا في اختراق تونس أو تحييد الجزائر تجاه مواقفهما من الأزمة الليبية.
كذلك فإن هناك ضغوطًا أمريكية أخيرة بضرورة تفكيك الميليشيات الموجودة في ليبيا، وهو ما عبّر عنه مسئولون أمريكيون في مطلع يوليو الجاري، وهو ما يمكن أن يدفع باتجاه تعميق خلافات التحالف الميليشياوى الداعم لحكومة الوفاق وأنقرة. ومن جانب آخر، فإن هناك بعض المرتزقة الأجانب الذين تعتمد عليهم تركيا بشكل كبير قد انسحبوا من ليبيا خلال الفترة الأخيرة. إذ أشار المرصد السورى لحقوق الإنسان، في ٦ يوليو الجاري، إلى أن ما يقرب من ٥٢٥٠ مرتزقًا عادوا إلى سوريا، من أصل أكثر من ١٥ ألف مرتزق جندتهم تركيا للقتال إلى جانب الوفاق في ليبيا. 
٢- رفع مستويات التسليح: في ظل الانكشاف التركى في قاعدة الوطية، فإن المرحلة المقبلة سوف تشهد محاولات تركية حثيثة من أجل رفع مستويات التسليح لمناطق تمركزها أو مناطق وجود الميليشيات والمرتزقة الموالين لها عبر تدعيم منظومات الدفاع الجوى بشكل أساسي، إلا أن ذلك لن يكون سهلًا كما كان في السابق، خاصةً في ظل تصاعد الاهتمام الأوروبى بتفعيل مهمة "إيريني" البحرية لتفعيل حظر الأسلحة على ليبيا. وقد أعلنت إيطاليا، في ٤ يوليو الجاري، المشاركة بفعالية في ذلك عبر توفير فرقاطة وطائرتين.
كذلك فإن تصاعد الهجوم الفرنسى على الدور التركى المشبوه في ليبيا يعزز الضغوط على قدرة أنقرة في خرق حظر توريد الأسلحة، خاصةً عقب إعلان باريس مطلع يوليو الجارى انسحابها مؤقتًا من عملية للأمن البحرى لحلف شمال الأطلسى في المتوسط اعتراضًا على الممارسات التركية، فيما أوضح مسئول في وزارة الدفاع الفرنسية أن بلاده تريد من الدول الحلفاء في الناتو "أن يعيدوا التأكيد رسميًّا على التزامهم" بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
٣- التلويح بالتصعيد: من المرجّح أن تستمر أنقرة في الخطاب التصعيدى من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية خلال المرحلة المقبلة، دون أن يقترن ذلك برغبة تركية واقعية في التقدم العسكرى باتجاه سرت أو الجفرة وصولًا إلى الهلال النفطي، إذ مثّل استهداف قاعدة الوطية رسالة لتركيا بضرورة الحذر من مغبة أى تقدم عسكرى جديد، وهو ما يعكس استمرار امتلاك الجيش الوطنى الليبى أوراق الضغط الأكثر أهمية في الصراع الليبى والمتمثلة بالسيطرة بشكل أساسى على الهلال النفطى الليبى الذى تتمنى أنقرة السيطرة عليه.
كذلك فإن أنقرة مُقْدِمَة على تحدٍّ خطير متعلق بإمكانية إدارة التناقضات والخلافات المتصاعدة بين مكونات التحالف الميليشياوى الداعم لها، خاصةً مع إعلان وزير داخلية الوفاق المقرب من أنقرة "فتحى باشاغا"، أواخر يونيو الماضي، تفكيك ما يسمى بقوة الأمن المركزى أبو سليم التى يترأسها "عبدالغنى الككلي"، إذ يسعى "باشاغا" للتجاوب مع الضغوط الأمريكية عبر تفكيك بعض ميليشيات طرابلس، وهو ما ينذر بإمكانية دخول الميليشيات في مواجهات مسلحة ضد بعضها بعضًا في المرحلة المقبلة بما يُهدد النفوذ التركى في الغرب الليبى بشكل كبير.