الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

«Greyhound».. نسخة هزلية من أفلام الحرب العالمية الثانية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على مدار مسيرته السينمائية الممتدة لنحو 4 عقود، ارتبط النجم الأمريكي توم هانكس بأداء الأدوار القيادية سواء العسكرية أو المدنية، فلا أحد من فناني هوليوود يضاهي قدرة "هانكس" في تصوير شكوك الرجل الطيب وشجاعة الرجل الخائف. فلعب من قبل دور المعلم الذي تحول إلى مقاتل في ملحمة سبيلبرج "Saving Private Ryan"، ورائد الفضاء القيادي جيم لوفل بفيلم " Apollo 13"، وقبطان سفينة الحاويات بفيلم "Captain Phillips"، ومؤخراً في دور الطيار البطولي تشيلسي سولينبرجر بفيلم "Sully". وهذه السنة يعود مجدداً إلى منطقته المفضلة من خلال شخصية قائد البحرية الأمريكية أرنست كراوس، بفيلم "Greyhound" لمخرجه آرون شنايدر، الذي سبق وحصد الأوسكار عن فيلمه القصير "Two Soldiers" عام 2004.

الفيلم هو إعادة تكيف لرواية "الراعي الصالح" للكاتب الإنجليزي سيسيل سكوت فروستر، الصادرة عام 1955. وتدور أحداثها خلال فترة الحرب العالمية الثانية، حيث يصير الكابتن أرنست كراوس مسئولًا عن طرادة أمريكية في وقت مبكر من الحرب، لكنه يصير أمام امتحان صعب حينما تلاحقه قطع بحرية تابعة للقوات النازية عبر شمال اﻷطلنطي.



كلب وذئب في عرض المحيط
تنطلق أحداث الفيلم في فبراير 1942، حيث يستعد الأسطول (اتش اكس 25) والمكون من 37 سفينة إمدادات ونقل جنود ترافقهم 4 طرادات بحرية خفيفة، للإبحار في وسط الأطلسي للوصول إلى ميناء ليفربول بإنجلترا. كانت تلك الأساطيل التي تنقل الجنود والعتاد للملكة المتحدة بمثابة أهداف محورية لمساعدة جهود الحلفاء خلال الحرب.

يقود ذلك الأسطول الضخم طرادة بحرية تسمي "Greyhound" أي (الكلب السلوقي)، يقودها القبطان أرنست كراوس (توم هانكس)، الذي يخوض رحلته القيادية الفردية الأولي في عرض الأطلسي بعد أن تمت ترقيته مؤخراً. كانت الأساطيل البحرية الأمريكية ضعيفة أمام غواصات "يو بوت / U Boat" - اختصاراً للاسم "Under Sea Boat" - النازية المتطورة والتي نالت شهرة واسعة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وكانت تعمل بصورة رئيسية فوق الماء، حيث مزودة بمدفع وبأجنحة كبيرة مثبتة على الجسر ومراوح دفع مزدوجة وفتحات تنفيس وغطس متعددة تتيح لها سرعة الغطس والطفو.

كانت تلك الغواصة بمثابة ثورة في سلاح البحرية بذلك التوقيت، فلم تعد "يو بوت" بحاجة إلى الطفو للتزود بالهواء الضروري لتشغيل محركات الديزل، حيث تعتمد الغواصة على شحن بطارياتها العملاقة بالكهرباء بدلاً من الديزل، ما جعلها تختفي عن عيون سفن وطائرات الحلفاء ولا تمتلك راداراتهم العتيقة القدرة على تعقبها.

هذا الأمر جعل من رحلة "كراوس" ورفاقه أشبه بمهمة انتحارية، خاصة أنه سيظل قرابة 50 ساعة دون نطاق الحماية الجوية وذلك أثناء عبوره منطقة وعرة تسمي "البؤرة السوداء"، والتي سيستغلها قطيع الذئاب الرمادية "يو بوت" لإغراق وتدمير سفن الأسطول واحدة تلو الأخرى خاصة في ساعات الليل حيث تصبح الرؤية شبه منعدمة تقاتل خلالها وكأنك معصوب العينين، فكيف ستكون المواجهة بين الكلب السلوقي المحاصر وسط قطيع الذئاب الرمادية؟



حكماء كالحيات بسطاء كالحمام
"هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ". (إنجيل متى 10: 16)

عندما أرسل السيد المسيح تلامذته الاثني عشر لينشروا تعاليم الدين أوصاهم بأن يكونوا وسط الناس حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام. ولكن ما المغزى من وراء ذلك؟ لماذا يتم إرسالنا إلي حرب محسومة نتائجها مسبقا؟ وما هي حكمة الحيات وبساطة الحمام؟

في الواقع، عندما تريد الحية أن تهاجم شخصا ما لا تفعل ذلك من أول وهلة وهو متحفز لها لكيلا يقاومها أو يهرب منها، بل تستكين ولا تتحرك أو تظهر أي عداوة حتى يطمئن لها، وفجأة تنطلق نحوه مثل السهم وتلدغه. أما بساطة الحمام فالمقصود بها هنا هو عدم النظر إلى الملهيات الكثيرة والتركيز على هدف واحد فقط والعمل ضمن نطاق المجموعة.

هذه الخلفيات والرموز الدينية الموجودة بشكل أساسي طوال مراحل الفيلم هي جزء أصيل من تكوين شخصية كراوس، الذي يجد الراحة في ترديد عبارات الكتاب المقدس وينظر إلى أعدائه دوما برأفة وإنسانية. ففي الوقت الذي أستطاع فيه تدمير أحد الغواصات سارع أحد ضباط الصف لتهنئته بهذا النصر قائلاً: "تهانينا، لقد تخلصنا للتو من 50 ألمانيا"، ليرد عليه كراوس بنبرة أليمة: "نعم، 50 روحا".

قلة خبرة كراوس لهذا المنصب الجديد وضعه في بعض المواقف المحرجة مع أفراد طاقمه الذين لاحظوا علامات القلق والتوتر على وجهه الشاحب، لدرجة أن أحدهم أخبره بنزع الخوذة وسترة النجاة عقب انتهاء المناورة. إلا أنه وعلى الرغم من كل ذلك، يدرك جيداً حجم المخاطر الملقاة على عاتقه، ويؤمن بأن هناك راعي صالح سوف يعبر به للجانب المقابل. وهو ما تجسد في الحوار الذي دار بينه وبين قائد المدمرة البريطانية في نهاية الفيلم، حين تعجب من كيفية عبور كراوس لهذه البؤرة الخطرة ووصف الأمر بأنه غير قابل للتصديق.



نظرة تقليدية للعدو الهوليوودي
سيناريو الفيلم الذي كتبه هانكس يقدم معالجة تقليدية وهزلية لأفلام الحروب الهوليوودية، التي تتعمد دوما الإعلاء من قيم البطولة الأمريكية والجندي الأمريكي الذي يمثل الخير المطلق في مقابل الطرف الأخر الذي ينتمي لدول المحور -خاصة الألماني- والذي يمثل الشر المطلق. فضلا عن الاستخدام الكثيف والغير مبرر للأوامر والمصطلحات البحرية دون التعمق في تفاصيل الشخصية الرئيسية.

تسير القصة في شكل أحادي الجانب دون بذل أي عناء لتطوير النص واضفاء المزيد من التعقيدات للحبكة، بل جاءت بشكل بسيط ونمطي للغاية. ففي بداية الفيلم نظل قرابة 15 دقيقة نتابع بترقب مناورة بين سفينة السلوقي والغواصات الألمانية ينتهي بنتيجة يعلمها جميع المشاهدين. إلا أننا نفاجئ طوال الساعة وربع الساعة القادمة بتكرار نفس الفعل مرة بعد مرة دون حدوث أي تطور على مستوي النص، وهو ما يعيد لأذهاننا الحبكة المهترئة التي قدمتها لورين سكافاريا بفيلمها الأخير "Hustlers"، حين صورت عدداً من عمليات النصب بطريقة رتيبة ومتكررة.

يعد الفيلم أقل أداء لهانكس خلال السنوات الماضية، فهو لا يرتقي إلى ملحمية "إنقاذ رايان" أو إثارة كابتن فيليبس ولا يقترب حتى من الصراع النفسي للطيار سولي.

جزء كبير من ضعف الفيلم يتمثل في غياب عنصر الملحمية في الصورة خاصة وأنك تقدما فيلما حربيا في المقام الأول، حيث قام المخرج شنايدر والمصور السينمائي شيلي جونسون بتصوير الفيلم على مدمرة من الحرب العالمية الثانية تم إيقاف تشغيلها واستعادتها بالكامل وموجودة بأحد المتاحف في باتون روج بولاية لويزيانا الأمريكية، وأعتمد في تصويره للمناظر البحرية ومشاهد المعارك على تقنية CGI التي لم تكن مقنعة بصورة كبيرة. إلا أنه يجدر الإشارة إلى أن شريط الصوت كان مصمما بشكل بارع يحث المشاهد على التوتر والتفاعل أكثر من دراما الفيلم نفسها.

سردية الموت هي من أصعب الأشياء يمكن تمثيلها في أفلام الحروب، ولعل كان تسلسل دفن 3 من الجنود في عرض البحر، من أحد المشاهد المؤثرة في الفيلم. فأثناء مراسم الدفن يتم إلقاء الجندي الأول والثاني، ثم نصل إلى الثالث وهو جندي أسود يعمل في المطبخ وكان شديد الحرص على رعاية كراوس بصفة دائمة، لكن جثمانه يعلق في العلم الأمريكي ويأبي عن النزول في عرض المحيط، في لقطة خاصة ومؤثرة تتجلي فيها لما يمكن تسميته العصيان الأسطوري.