الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

«أبوزيد»: الجماعات السياسية تفسر النص وفق مصالحها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الدراسات الإسلامية تركز على أن معرفة القرآن تسير اليوم في مجالَين مستقلَّين: معرفة تقليدية قائمة على تفسير القرآن وفق الأساليب الكلامية القديمة، وهى تتلقى الدعم والترويج من المؤسسات الدينية الرسمية، وينتمى إلى دائرتها بعض المثقفين الدينيين. ومعرفة حديثة، وأصبحت حقلا تعليميا في الجامعات، ويستطيع المسلم وغير المسلم أن يدرسها وأن يتخصص في بعض المجالات المتفرعة عنها.
وحسب قول نصر حامد أبوزيد فإن غالبية مفسرى القرآن التقليديين والحداثيين، باستثناء المفكر الجزائرى الراحل محمد أركون، يغفلون نقطة مهمة: وهى أن القرآن الذى نزل على النبى محمد لم ينزل مرة واحدة بل نزل على مراحل، مشيرا إلى أن القرآن هو حصيلة تجميع وتدوين تم في عهد الصحابة، وأن أول نسخة من القرآن، أو من «المصحف»، افتقد النقاط على حروفه ولم يكن بالإمكان إعرابه، وظهر في عصر الخليفة الثالث عثمان بن عفان، أما النسخة النهائية من القرآن، أو من «المصحف» الذى بين أيدينا اليوم، والذى اشتمل على النقاط والإعراب، فقد ظهر في مراحل لاحقة. لذا، لا يجوز في إطار تعاملنا مع القرآن، أى في إطار تعاملنا مع «المصحف»، الذى تم ترتيب آياته وتنظيمها وتدوينها بشكل خاص، أن نضيف إليه شيئًا وأن نحدّد فيه أى عيوب، والقرآن كلام شفهى قاله النبى لصحابته في فترة زمنية امتدت لأكثر من عشرين عاما، هو كلام قيل في سياق ظروف تاريخية متباينة ولأفراد مختلفين، لكن المسلمين تعاملوا مع القرآن بفرضية أنه «نص» أو «مصحف»، وسعوا إلى تفسيره وتأويله. والنتيجة أن الأساس الذى انبنت عليه التفسيرات كان ضعيفا.
فيقول أبوزيد عن نفسه «تعاملت مع القرآن وفق هذه الفرضية لفترة طويلة من الزمن، وبحثت في معنى النص من خلال وسيلة التأويل، خاصة فی كتاب «مفهوم النص». أما راهنا فقد أدركت بأنى أخطأت الطريق، ولا بد مجددا أن أنظر إلى القرآن بصورة مغايرة». ويضيف أبوزيد بأن أصالة «نص» القرآن، هى بمثابة نزع لروح النص، ولقابليته للحركة، وتبديل النص إلى هوية جامدة غير قابلة للتغيير، ومحاصرته وسط جدران سميكة من التأويلات النهائية، وجعل النص هدفا لألاعيب الجماعات السياسية التى ستفسر النص وفق مصالحها.
لكن وفق أبوزيد، إذا استطعنا التمسك بالطبيعة الخطابية الكلامية الشفاهية للقرآن، حينها نستطيع أن نخرج من إطار النسخ والتخصص، وسيتشكل أفق أوسع أمام أعيننا، وسوف نستطيع القول بأن سورة البقرة هى عبارة عن خطاب منفصل عن خطاب سورة المائدة. فالخطاب في سورة البقرة هو حول الانفصال عن المشركين، أى هو يدعو المسلمين إلى عدم التدخل في أمور المشركين في مقابل عدم تدخل المشركين في أمور المسلمين. لكن الكلام في سورة المائدة هو حول تعايش المسلمين مع أهل الكتاب. أى أن المسلمين سألوا النبى مجددا وفى ظروف جديدة مغايرة عن حكم مسألة كانوا يعرفون إجابتها، لكنهم لا يعلمون بأنه هل الحكم سيتغير أم سيبقى كما هو في ظل تغير الظروف. ففى الظرف الجديد المغاير، عاش المسلمون مع اليهود في المدينة، وانطلاقا من ذلك حث خطاب الوحى المسلمين هذه المرة على التعايش مع أهل الكتاب وعلى الزواج منهم ودعاهم إلى أن يأكلوا من طعامهم.
وحسب نصر حامد أبوزيد، فإن سؤالا هنا يفرض نفسه: أى قاعدة يجب أن تهيمن على المسلمين وفق فهمهم للقرآن؟ هل هى قاعدة التعايش أم قاعدة الابتعاد والانفصال؟ هل يمكن تحقيق التعايش من دون تحقيق المساواة والتعاون في الحياة العادية وفى المأكل وفى الزواج؟ هل اللا مساواة بين الرجل والمرأة، في ظل شروط التعايش التى تقتضى المساواة بين الناس، ممكنة؟ وفى ظل شروط الحياة الحديثة، والتى تتفاوت فيها الظروف عن السياق الذى نزلت خلاله الآيات، هل يستطيع الله أن يغض البصر عن التغييرات الاجتماعية التى حصلت، وأن يكلّف الناس بأحكام لا تتماشى مع ظروفهم الإنسانية والتاريخية؟
وحسب ما يقدمه نصر أبوزيد، تجب إعادة فهم الأصل والفرع في الخطاب القرآني. فالله لم يضع فرقا بين الرجل والمرأة حينما تعلق كلامه بالعبادات. لكن، حينما وصل الخطاب إلى الشأن الاجتماعي، ظننّا بأنه كلام تمييزي. فالخطاب القرآنى الذى يشير إلى الظروف الاجتماعية، للمرأة، على سبيل المثال، يتعلق بسياق نزول الآيات. في حين لا بد أن يكون مبدأ الكلام مرتبطا بالآيات التى تتحدث عن الحالة التعبدية للرجل والمرأة والتى لا يوجد في ثناياها أى تمييز بينهما، فالآيات المتعلقة بالظروف الاجتماعية هى الفرع. فلو كان النبى موجودا اليوم ويستطيع المسلمون أن يوجهوا إليه أسئلة تتعلق بظروف حياتهم ويطالبونه بحكم يتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فإن الله ومن دون أى تردد كان سيحكم بتأييد المساواة. ويستطرد أبوزيد قائلا بأن المسألة تتلخص في السؤال التالي: هل نحن نعترف بحرية الإنسان؟ فإذا لم يعترف الشخص الذى يمارس عملية تأويل الكلام القرآنى بأصل الحرية الفردية للرجل والمرأة، أى الحرية وفق إطارها الحديث، ولم يعترف بحق الإنسان في اختيار دينه، فإن طريق الخروج من أفق الذهنية المتشددة سيكون مسدودا، لأن هذه الذهنية مستعدة أن تضحى بالقرآن لصالح فكرها الظلامى التاريخي، وستمنع أى تعايش سلمى بين المسلمين والآخرين، وترفض الشراكة مع الشعوب الأخرى في إطارها المدني.