الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

نصر حامد أبوزيد.. ثورة على الأفكار التقليدية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عارض السلطة المطلقة للنص، وقدم طرحًا جديدًا يتعلق بالتراث والنصوص الدينية الحاكمة لمسيرة العقل العربي، وهكذا خالف المفكر الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيد الأفكار التقليدية والموروثة.
أبوزيد، الذي كافح وجاهد كي يتابع دراسته بعد حصوله على دبلوم المدارس الفنية الصناعية، حتى يصبح أستاذا جامعيًا مرموقًا، بات مثيرا للجدل بعدما نال هجومًا كبيرا وخاصة حين يتعلق الأمر بتكفيره، لكن القارئ الجيد يدرك مدى تعمقه في الدين وإخلاصه في البحث والدراسة، إضافة إلى تلمس الروح المصرية البسيطة التي تشبع بها مذ كان طفلا، فهو يقول عن نفسه في مقدمة كتابه "هكذا تكلم ابن عربي": كانت نشأتي في أسرة ريفية متواضعة، يُعد التصوف العملي أبرز السمات التي يمكن ملاحظتها في هذا النسيج، فقصص الأنبياء وكرامات الأولياء وأحاديث الصالحين من أسلاف القرية والقرى المجاورة تعد من أهم المعارف التي ترتبط بالطفولة وذكرياتها.
يتابع أبوزيد حديثه في مناسبة سماها صعوبة فصل الخبرة الدينية بين التجربة الروحية وبين الأسس العقلانية التي تتبلور في الوعي تدريجيا، يقول: "وبمجرد تعلم الكلام يبدأ التعليم بحفظ القرآن والتردد على المساجد لإقامة الصلاة، وفي المسجد تُعقد حلقات الذكر بعد صلاة العشاء آخر الصلوات الخمس المفروضة كل يوم خميس، وهي التي يطلق عليها اسم الحضرات".
عن حياته ودوره ونشأته يقول الدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة الأسبق: إنه يفتقد أبوزيد جدا، لأنه كان صديقي، وكنا زملاء في جامعة القاهرة كلية الآداب، تربطني به علاقة شخصية، وفي الحقيقة هو نموذج للإنسان المصري المكافح والطموح والمستنير، فلو تأملات حياته تجده إنسانًا يثقف نفسه ويعلمها، ليس رمزا لمصر بل نموذجا يحتذى للكفاح لجميع الشباب".
وأضاف "عبدالحميد" في تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن أبو زيد كان شخصا متدينا على عكس ما يقال عنه، فهو نظر في التراث الذي يضم المضيء والمعتم، وحاول النظر للجانبين كي يبرز المضيء ويكشف الغطاء عن المعتم وينقده، فهو حاول أن يعيد مراجعة ثوابت هذا التراث، ولا أقصد القرآن، وإنما التفسيرات والشروحات التي وضعت من قبل المجتهدين حول الدين.
وتابع الناقد الأدبي أن أبو زيد حاول أيضًا هز تلك البؤرة المعتمة الراكدة التي تعد مصدرا للتطرف والانغلاق الفكري، فهي تسيء النظر للإنسان المسلم، كما ترى هناك ربطًا بين الإرهاب وبين الإسلام، حاول هز هذا الركود، كي يدعو الناس للتفكير من جديد، وأعتقد أن ما تركه سوف تقبل عليه الناس، ويعاد النظر فيه كي يفهموا مقاصده وبشكل أفضل مما كان يريده الراحل.
وعن مؤلفاته ولقاءاته الفكرية علق "عبدالحميد" قائلا: نصر تمتع بأسلوب أدبي رشيق فيه جمال اللغة العربية، فإذا تيسر لك أن تسمعه تجده جذابًا وساحرًا، ومتمكنًا من لغته العربية، ولديه من الجرأة والشجاعة ما يجعله يطرح أفكاره دون خوف.
من جانبه قال الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة: احتفالاتنا اليوم، بعيد ميلاد الدكتور نصر حامد أبوزيد، دليل جديد على أن اجتهاداته لم تذهب هباء.. وأن هذه الاجتهادات تجعله حاضرا معنا حتى الآن، وسوف يظل حاضرا.. وأتصور أن هذه الاجتهادات هي حلقة مهمة جدا في سلسلة من المشروعات الفكرية الكبيرة، التي حاولت أن تعيد النظر فيما يبدو نوعا من المسلّمات في ميراثنا العربي كله، وليس الميراث الديني فقط.. ومنها مسلّمات تستحق التفكير فيها، والتخلص مما ينافي العقل منها.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"البوابة": سوف تنتهي الملابسات العابرة التي أحاطت بأمور شخصية تخص الدكتور حامد أبوزيد: عدم ترقيته بالجامعة، أو محاولة فصله عن زوجته، أو الدفع به إلى الرحيل عن وطنه.. لكن سوف تبقى اجتهاداته مبثوثة في كتبه التي يمكن ملاحظة أنها أصبحت مشاعا على شبكة الإنترنت، وأن الإقبال عليها يتزايد يوما بعد يوم.. ورغم أن الدكتور نصر قد نال في حياته ـ رغم كل وجوه المعاناة التي واجهها ـ أشكالا من التكريم، وحصل على بعض الأوسمة والجوائز.. رغم هذا.. فإن التكريم الحقيقي له أن نعيد ردّ الاعتبار لتصوراته التي بثّها في كتبه، وأن نتبنّى منها ما يستحق أن نتبنّاه.. وأن نظل على هذا الوفاء الذي يجعلنا نقول له اليوم: "كل عام وحضرتك بخير يا دكتور نصر"! 
تعلق المفكر الراحل بالكتابة عن التصوف ولا سيما تجربة الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي، حتى قال عنها: "كان الحافز هو رغبتي في استكمال معرفتي بقطبي التراث الإسلامي الأساسيين: العقلانية والروحانية. كنت قد انتهيت من دراستي للماجستير عن قضية "المجاز في القرآن عند المعتزلة" فهم اللاهوتيون المسلمون الذين حاولوا تقديم تأويل عقلاني للعقيدة الإسلامية.. والتجربة الروحية عند ممثلها الأكبر محيي الدين بن عربي وأثرها في بلورة إطار تأويلي للوحي.
وبدورها أعربت لميس فايد الباحثة في مجال الفلسفة اليهودية بجامعة هامبورج، عن أسفها وحزنها لما تعرض له، حين أراد البعض أن يُشهر إسلامه وإيمانه في مصر أمام إحدى المحاكم.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ"البوابة" أنه بعد قراءة مفهوم النص بتمعن على مدى ثلاثة أشهر أدركت أنه لا يمكن إلا أن يكون مؤلف هذا الكتاب من ذوي الإيمان الراسخ. وهنا يحضرني الفرق بين إيمان اللاهوتيين أو رجال الدين وإيمان الفلاسفة؛ فإيمان الفلاسفة إيمان عقلي، بمعنى لا يمكن بأي حال إزاحة العقل وهو المشترك بين الخالق والمخلوق "ونفخنا فيه من روحنا"، لا يمكن ألا تكون الروح العقلية التي بها يدرك الإنسان الحقائق والخالق والتفاعل مع رسالته. 
وتنحاز "لميس" بشفافية كبيرة إلى المشروع التنويري لأبو زيد قائلة: أرى أنه لن يتم إحداث أي تغيير حقيقي ملموس في الحالة الدينية في مصر دون تطبيق مشروع نصر أبوزيد. فهو مشروع قوي وثري يحتاج لفريق من الباحثين ومركز أبحاث يقوم على تنفيذه من فتح آفاق للدراسة واتصال مصر بالعالم الغربي فيما وصل إليه من الدراسات القرآنية في الجامعات الغربية. 
وتابعت "لميس": من العيب أن نستشعر الحرج في أخص مكون للثقافة العربية والإسلامية وهو القرآن، ويكون حدود التعامل معه معاهد التحفيظ وتكريم الحفظة. فالقرآن مليء بقضايا ورؤى فلسفية عن الكون والإنسان والآخر من أهل الكتاب وغير أهل الكتاب وحتى الملحد. القرآن ليس حكرا على مؤسسات دينية بل يجب تحريره من قبضتها وهذا ليس صعبا. يحتاج الأمر إرادة سياسية للوقوف أمام إحياء مشروع نصر أبوزيد في فهم وتفسير القرآن، وفي كل ما يخص مناحي الحياة من مجالات الحقوق والجمال السياسي والتشريع، كان أبوزيد رحمه الله مهموما بقضايا أمته والمستوى المتردي الذي ما زالت عالقة به وتفجر بعد الربيع العربي بأسئلة عجزنا عن إجابات أبسطها.
في النهاية فإن المفكر الراحل نصر حامد أبوزيد عاش حياته من أجل قضاياه يتحلى بالجرأة والشجاعة في طرح تلك الأفكار، كما أن رد الاعتبار الحقيقي له يكمن في إعادة تمثل ما ذهب إليه في مشروعه التنويري، وأن قيام مركز أبحاث بإحياء ما قدمه سوف يساهم كثيرا في معالجة الأوضاع المتردية.