الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وداعًا محمد على إبراهيم.. أحد عناوين الصحافة المضيئة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في صيف 2005 جاء الكاتب الصحفي الكبير "محمد علي إبراهيم" رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية في مفاجأة لم يتوقعها الكثيرون، إلا أنه بعد شهور قليلة أثبت "إبراهيم" أنه اختيار صادف أهله، وأنه أحد أبرز أبناء جيله، فقد كان مدرسة صحفية متنقلة، يمتلك مهنية متفردة تنتصر على أية خلافات ضيقة، وثقافة موسوعية جعلته أبرز كتاب الشأن الدولي لأعوام طويلة مستفيدًا من عمله في صحيفة "الإيجبشيان جازيت" ثم رئيسا لتحريرها منذ 1995 - 2005 "عقد كامل"، علاوة على تقديره لقيمة العمل الصحفي وأهمية الخبر، فقد كان في عهده يمكنك أن تتابع مصدرك لآخر لحظة قبل طبع الجريدة، وأي خبر يستحق، يجد طريقه للنشر دون بطء ودون تأخير، فجعل الجميع خلية نحل يعملون على مدار الساعة في صحافة نفتقدها بشدة خلال السنوات الأخيرة.. فظل عنوانا مضيئا للمهنة والمهنية.

تربطني ذكريات عديدة بالراحل الكبير، خلافات واتفاقات، إيجابيات وسلبيات، خناقات وتفاهمات، قرب وبُعد، إلا أنه في كل ذلك ظل محتفظا بمهنيته وظل منتصرا طوال الوقت للمهنة منحازا لها، لذا يعد "محمد علي إبراهيم" أحد الأبناء الشرعيين لصاحبة الجلالة، أذكر أنه في ظل خلاف كبير بيننا عام 2007، جئت له بحوار مع السفير الثقافي الأمريكي في الشرق الأوسط "دانيل كلينتون" وقدمته لمكتبه، وأنا "أقدم رجلا وأؤخر الثانية" لأجد الحوار منشورا بعد يومين انتصارا للمهنة بعيداً عن الخلاف الشخصي.
وبعدما تصافينا الحقني بقسم التحقيقات الصحفية لأجده في ديسمبر 2008 يكلفني بمهمة "تغطية اختراق الفلسطينيين للحدود مع مصر ودخول سيناء"، في ضمن مخطط إسرائيلي مازال يتجدد حتى اليوم، وأثناء تغطية تلك الأحداث اقتربت بشدة من "محمد علي إبراهيم" الصحفي والإنسان، وباتت بيننا صداقة مهنية لا تجمع بين "تلميذ وأستاذ" بل كان من جيل الكبار الذي يتعامل معك كـ"زميل وشريك مهنة".

أتذكر أثناء التغطية عملت مغامرة صحفية عن "الإنفاق في قطاع غزة" على الحدود مع مصر إلا أنه رفض نشر الموضوع، وقال: إن الرفض جاء لأن النشر يضر بالأمن القومي المصري، حيث كانت القاهرة في ذلك الوقت تنفي وجود أنفاق في غزة مقابل الرواية الإسرائيلية التي تتحدث عن الأنفاق، هذا بالطبع قبل أن تستخدم تلك الأنفاق ضد مصر في وقت لاحق بعد 2010، وهو ما يعكس أهمية إدراك الصحفي للأمن القومي المصري ومحدداته، فنحن ليس دورنا نقل الخبر فقط إنما دورنا إدراك كافة الخلفيات حوله، وهي المدرسة المهنية التي ينتمي لها "محمد علي إبراهيم" بكل صدق.

شهادة الكبار في حق أي "صحفي شاب" تعد شهادة ميلاد خاصة لما تكون من قيمة مهنية بحجم "محمد علي إبراهيم"؛ لذا كانت ثقته الكبيرة في بعد مهمة غزة، وقال: "صفوت صحفي شاطر ومميز" .. نيشان احتفظ به حتى اليوم، ولم يكن يوما رئيس تحرير ديكتاتور ويتقبل النقد بصدر رحب فأتذكر أنني رفضت بشدة إعلانا نُشر في كل الصحف بما فيها "الجمهورية" عن المبادرة العربية للسلام، ويضع علم إسرائيل وحوله أعلام الدول العربية وبعضها أسفل علم الكيان المحتل، وقلت في خطاب له: "إن ذلك لا يليق بالجمهورية جريدة ثورة يوليو"، وتقبل رأيي بصدر رحب، كما أنه لم يتأخر يوما عن إرسالي لأي مهمة صحفية أطلبها، وكانت آخرها السفر إلى تونس لتغطية الثورة التونسية، وعدت في 4 فبراير 2011، لأجد ثورة ضد مبارك، وأيضا محاولة البعض تصفية الحسابات مع "محمد علي إبراهيم" ومحاولة بعض مدعي الثورية طرده من الجريدة، وتصديت ومجموعة من الزملاء لذلك انتصارا للأعراف والتقاليد المهنية تحت شعار "لا يليق طرد رئيس تحرير الجمهورية من مكتبه" وبعدها بأيام استقال الرجل من منصبه مفضلا استراحة المحارب، ورغم جره إلى المحاكم إلا أن القضاء برأه من كل التهم.
رغم الخلاف السياسي بيننا ظل "محمد علي إبراهيم" كما هو، مفضلا الاحتفاظ بانتمائه لنظام مبارك والدفاع عن الرئيس الأسبق، وعرضه ذلك لكثير من النيران وفي نفس الوقت أكسبه مزيدا من الاحترام، وأثناء تقديمي برنامج "أنا والنظام" على فضائية "مصر البلد" عام 2014 طلبت منه أن يكون ضيفي في إحدى حلقات البرنامج، فقال لي إنه يخاف أن تعرضني استضافته لمشاكل مع النظام السياسي، إلا أنني رحبت به كضيف وكانت حلقة ثرية جدا، غضب مرات من انحيازاتي لثورة يناير وانتقادي لبعض ممارسات نظام مبارك، لكن العلاقة بيننا ظلت متصلة .. فقد كان ومازال قيمة صحفية ومهنية كبيرة يدركها كل من تعامل معها.

وداعًا الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ "محمد علي إبراهيم".. رئيس تحرير جريدة الجمهورية الأسبق.. فقد فقدت الصحافة المصرية والعربية والدولية كاتبا من طراز رفيع.. قد تتفق أو تختلف معه، لكن لا تملك إلا أن تحترم قلمه وفكره وتقدرهما .. فإن "محمد علي إبراهيم" كاتب كبير مهما كانت وجهة نظرك فيما يكتب.. كاتب مطلع موسوعي.. مدرسة صحفية لا جدال عليها..
"محمد علي إبراهيم" .. كما قلت وأكرر، كان آخر رئيس تحرير لـ"جريدة الجمهورية"، مارس صلاحياته كاملة.. وداعا "محمد علي إبراهيم".. فقد طويت الصحف.. ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا.. إنا لله وإنا إليه راجعون.