الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

يومٌ مجموع له الناس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سيظل 30 يونيو من أيام الفخار الشعبى عندما خرجت جموع الشعب عن بكرة أبيها غير ساعية للخلاص فحسب، بل باحثة عن استرداد هويتها التى كادت تتسرب من بين أيديها بين عشية عام وضحاه، فالقضية على أهميتها لم تكن في مثل هذا اليوم مجرد خروج جموع رفضًا لحكم وأملًا في آخر، بل كانت في عودة الوعى الذى أريد لهم تغييبه باسم الدين، وقد غاب عن الجماعات «المُتَأَديِنَة» على اختلاف أطيافها ومشاربها أن المصرى المتمسك بدينه لا يحب أن يُحكم به وأنه بقادر على أن يمارس طقوسه التعبدية في أي بقعة من الأرض في حين أنه لا ينعم بمصريته إلا على أرضه، ومن ثم كان رفض الوصاية باسم الدين أمرًا مقضيًا كما بات الانتماء للوطن قضية بديهية لا تعلو عليها استدعاءات الخلافة أو الوحدوية العقيدية وغيرها من مفردات، ظن البعض إمكانية إحيائها من مقبرة التاريخ وطمس معالم قد حفرت لنفسها أخاديد في شخصية المصرى وجدانيًا وواقعيًا.
لقد كانت «سنة الإخوان» بحق بمثابة حالة من المراجعة الكاشفة وقفت فيها تلك الجموع مع نفسها بدءًا من «موقعة الصناديق» وانتهاءً بصيحة «ارحل» ومرورًا بالطبع بمشروع «النهضة»، الذي جافته أى ملامح للنهضة المزعومة. ومن ثم كان خروج الشعب خروجًا كاشفًا لعوار سياسى كاد أن يأخذ الوطن قبل الدولة إلى غياهب تبعية بلا معالم ورؤى ضبابية وقوامة لا دستورية، حيث غاب عن «أولى الأمر من بنى إخوان» أيامها أن الدول لا ينطبق عليها منطق إدارة العِزبة وأنها لا تتقدم بالأمنيات ولا يصبح لها حضورها الدولي بالتعلق بأهداب دول، تلغي إرادتها وتنال من مصالحها الإستراتيجية مقابل بضع شعارات أكل عليها الزمان وشرب. بل إن ما تدفع مصر ثمنه الآن من مواجهات لقضايا دولية وإقليمية ومحلية لكفيل بأن يؤكد لكل ذى لب أن عامًا واحدًا كان كافيًا، لإدراك أن الوصاية الحقيقية التى ينبغى على الشعب قبولها دومًا هى الوصاية الحضارية النابعة من تاريخه لكونه هو صانعها. 
هذه الوصاية هي التي شكلت ملامح الشخصية المصرية الوطنية ذات الطبيعة الوسطية المستمدة من توازن عناصرها البيئية، ومظاهر السطح التي يقسمها النيل قسمة عدل فتترامى على جانبيه الصحارى ثم الأرض الزراعية. تلك الوسطية التى جعلته يأنف من الخروج عن المألوف حتى، ولو كانت دعوة ملكية لإخناتون أو مذهبًا جديدًا للفاطميين مثالًا لا حصرًا. وهذه الوسطية هى سره السرمدى في قبول الآخر بل واحتوائه، وهى الدرع غير المرئى لاستعادة المجتمع لتوازنه بعد كل أزمة جائحة. لذا رسب «عام الإخوان» من قبل أن يدخل الامتحان، لأنه اكتشف أنه راجع دروسه من غير المقرر لها. فكانت «رابعة» وما شابهها حالة تعبوية، وفق ثقافة القطيع تشى بسطحية التناول وغياب الرؤية، حيث لم يسأل واحد منهم نفسه؛ كيف يمكن أن تدار دولة بتجمع فوضوي ومن ميدان عام؟ وماذا يمكن أن يفضى ما تصوروه تحديًا لشرعية نظام تقف خلفه دولة بأكملها بمؤسساتها وأطيافها الشعبية؟ فكان ذلك التجمع البغيض وما شابهه بكل مفرداته حالة متعدية الأعراف بل وانتحارية فجة، لا تختلف كثيرًا عن العمليات الإرهابية مهما حاولوا توشيتها بمفردات «الاستحلال» و«الاستشهاد»!
إن ذكرى 30 يونيو، تمثل بحق محطة مهمة في تاريخنا المعاصر - كم كنا نحتاجها وما نزال - بكل ما أفضت به من نتائج وما رسخته من درس التاريخ الأبدي، فهوية الشعب يصعب العبث بها تحت أى مسمى، لذا كان يومهم مجموع له الناس ولم يكن مستغربًا أن ما تلاه كان عامًا بل أعوامًا يغاث فيها الناس وفيها يعصرون.. حفظ الله كنانته في أرضه وقصم من أرادها بسوء.. وكل 30 يونيو ومصرنا بخير.