الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الواقعية القذرة.. في ديوان" المجانين" لـ" أدهم عادل"

الشاعر العراقي أدهم
الشاعر العراقي أدهم عادل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم القاذورات التي تفوح من ديوانه "المجانين"، وأخص بالذكر كيس البول التعبير الأكثر رواجًا في الديوان، إلا أن الشاعر العراقي أدهم عادل استطاع أن يرسم صورا بيانية كثيرة ومتعددة من تشبيه واستعارة وكناية وغيرها، من وحي هذا الكيس البولي. 
وكنقيض لهذا الشيء المُقزز تتجسد النقاوة والطفولة.. البراءة.. كمعادل شعري لكيس البول، ولعل الشاعر بذلك يسعى لإظهار الثاني المعنى ويضع للفن قيمة جمالية على عكس ما نادى به أ.أ تشارلز، كما يسعى من ناحية أخرى كفرد عربي محسوب على قبيلة العروبة البائسة تخليص هؤلاء الأطفال من يد الحكام المردة، كما بين هو شخصيا بواسطة عربة بابا نويل المُوصلة لسماوات رحبة
" لأجمع أطفال الوطن.. من المدارس 
والملاجئ 
والمستشفيات
والردهات 
والدور 
والشوارع 
والتقاطعات
والسراديب 
والقبور
والحواري 
والمزابل 
والكرفانات
والبارات 
والأرصفة 
وسجون الأحداث..
فأضعهم في عربة.. سبق أن سرقتها من بابا نؤيل
وأهرب بهم إلى السماء بأقصى سرعة..".
وفي إيقاع سهل وبسيط كإيقاع الحياة اليومية، يتخلص الشاعر من تسلط مفردات معجم الشعر عليه فيمضي بقوة إلى هدف محدد واضح يريده، ألا هو قتل الذائقة الجمالية العربية قتلها قتلًا، وذلك بالتخلص الفوري من أحادية الأسلوب الخطابي الموحد ذلك المتداول في كل المناسبات العربية، وكذلك الإجهاز على كل محاولات التصنع والتطهر الورقي الزائفة، تلك الوسيلة التى نسعى بها لإيجاد حالة ديمومة من القداسة المرسومة من وحي الخرافات والأساطير. ولدى الشاعر إيمان قوي بالطفولة فهو لا يزال يبحث عن أسباب الحياة لمعشر الصغار المغدور بهم بسبب الحروب والإرهاب الفوضوي الذي يتشكل منه عبث الحياة العربية المعاصرة، فيقول في قصيدته في ردهة أمراض السرطان:" لست مستعدا 
أن أكون رئيسا للجمهورية 
ولكني مستعد جدا 
أن أكون بائع حليب". ويستمر في إظهار معاناة الأطفال والضيم الواقع عليهم من هذا المجتمع الكبير" إنفجار.. إنها الأطفال..
الأطفال؟! 
نعم فالأطفال في بلادي 
لا يصرخون بل يتفجرون". وتتشكل هذه الواقعية في كل التجربة الشعرية في الديوان، طوله وعرضه بلا خوف أو رعب من مدى مقبولية القاريء لما يدونه الشاعر
" نعم فطلاب بلادي لا يلتحقون بالمدارس بل الملاجيء". وهو يُمثل لسان حال المضطهدين في ربوع كل البلاد المدعية عربية 
" نعم فالنساء في بلادي لا يتزوجن بل يغتصبن".
ومرة أخرى تفوح رائحة البول لكنها هذه المرة من الوعاظ
" رائحة بول..
إنهم الوعاظ..
الوعاظ؟!
نعم فوعاظ بلادي لا يعظون بل يتبولون". 
ولتأكيد ما يرمى ليه شعرًا، وتحطيم ما قد يفصله عن القاريء من لياقات الذوق يؤكد على الآتي:
" فهذا النص للإشمئزاز والقرف فقط
وها أنا قد حذرت" كما يقول في جرأة وتمرد:" فأنا بول وأفتخر بذلك..
يا من تدعون عدم معرفتي 
يا من تتعمدون إنكاري".
ويضع الشاعر الجميع في ورطة ضمير، عندما يواجهم بواقعهم المرير فيجري مقابلة بين عصرين مختلفين في قصيدة ألة الرجوع بالزمن " تخيل نفسك في عام 1970 مثلا عندما تستيقظ صباحا
وتبدأ يومك فماذا ستجد
ستجد محمد عبد الوهاب يلحن 
وأم كلثوم تغني 
ووردة الجزائرية تنزل من الطائرة في مطار القاهرة الدولي"
" أما اليوم عندما تستيقظ صباحا ماذا ستجد؟
ساجدة عبيد تغني "شكل لامي من اروح انكسرت الشيشة"
وملايين ترتدي ثوب سهرتها الجديد!
وسيارة مفخخة تنفجر أمام مبنى الإذاعة الذي جلس فيه
كوكب حمزة عام 1970 
وخضر هادي متخاصم مع عباس جيجان
وقناة ميوزك الحنين لرند الحنين". وتتأجج مشاعر الأدهم فتواصل صعقاتها وزفراتها في ربوع الديوان، فنرى الإعتراض سيد الموقف" أنا معترض ومعترض جدا 
أعترض أن تقص جدائل الفتاة 
وتختن مهبل العذراء
وينحر رأس الناصري
ويتشظى جسد الغريب" وتطل حالة الكسرة العراقية من مشاهد الاحتلال الأمريكي للعراق، فتطل مشاهد درامية تمضي بإيقاع شعري سريع، يتلاءم مع الحالة النفسية للشاعر، ومع ما قد مر به من تجارب وذكريات طفولية فيقول في قصيدته إعلان حالة طوارئ:" أيتها المستشفيات والملاجيء 
وردهات الطوارئ..
يا قوات مكافحة الشغب 
وقوات المارينز
وجيوش الأمن الدولية
أيها المسعفون والمتطوعون...
أعلنوا حالة الطواري القصوى". 
ويبهرك الشاعر بفكاهته وسخريته من كل شيء حتى ولو كان الموت، على نحو ما فعل في قصيدته سيلفي مع عزرائيل" لا اخاف الموت كثيرا
بل سآخذ سيلفي مع عزرائيل..".
ولشد تأثر أدهم بالشاعر عمر الخيام فهو يكاد يكون مولودا من رحمه، ومن بنات أفكاره ومن ثم فهو يرتدي كثيرا معطفه، ولا أدري إن كان هذا بعمل إرادي منه، أم يتبعثر الخيام داخل في ردهات اللاوعي" عندما أُرفع من قبري ليلا 
للحساب والبعث من جديد 
سأقول 
ها أنا بكامل عري وذنوبي وإنحطاطي 
لا أملك كفن لا أرتدي ملابسي 
ولا أستر نفسي من رذائلي وسخفي وتهكمي..". ورغم أن الشاعر قال كل ما لدية دون مواربة، ورغم الصدمات، والإعتراضات ورغم الثورة على كل تقاليد القبيلة، فإن التفرد الشعري لأدهم عادل موفور لديه، ولا أحسب الأمر مجرد صرخة عابرة أطلقها شاعر حزين، وستنتهي كصدى مع إرتياد الفضاء بمرور الوقت.