الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

اعتصام المثقفين.. بداية «30 يونيو» على الأرض

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهد مطلع يونيو 2013 أول تحرك على الأرض لمواجهة تحركات جماعة الإخوان الإرهابية في سعيها لـ"أخونة قطاعات الدولة». حينما أعلن المثقفون المصريون على اختلاف رؤاهم وتوجهاتهم رفضهم لوجود وزير يتبع الجماعة على رأس وزارة الثقافة، وهو علاء عبد العزيز، والذى سعى خلال الأيام القلائل التى تولى فيها مقاليد الوزارة إلى قطع أواصر الحركة الثقافية، والإطاحة بكل القائمين على عملية التثقيف والتنوير، وأشهرهم الدكتورة إيناس عبد الدايم، والتى كانت تتولى في ذلك الوقت منصب رئيس دار الأوبرا المصرية، وصارت فيما بعد في الموقع نفسه الذى حاول عبد العزيز استغلال سلطاته للإطاحة بها.
بدأ الاعتصام يوم الأربعاء ٥ يونيو في الواحدة ظهرًا، بعد أن تمكن المثقفون من الدخول إلى مكتب الوزير في الزمالك، وطالبوا برحيل الوزير الإخوانى، وكانت أول مجموعة من المثقفين دخلت وزارة الثقافة هم صنع الله إبراهيم، بهاء طاهر، فتحية العسال، محمد العدل، سيد حجاب، ناصر عبد المنعم؛ والذين دخلوا لتقديم طلب لمقابلة الوزير وكانوا يعلمون بعدم وجوده بمكتبه. وفور دخولهم لمقر الوزارة أعلنوا اعتصامهم، ومن هنا بدأ المثقفون في التوافد على مقر وزارة الثقافة بالزمالك وهرب الوزير الإخوانى بلا رجعة؛ وتم تشكيل غرفة عمليات بمكتب الوزير بعضوية اللواء هشام فرج وكيل الوزارة لقطاع الأمن، والمقدم محمد الحسينى وأحمد شيحة وأحمد عبد العزيز وسامح الصريطى وسيد فؤاد والدكتور أحمد عواض ومجدى أحمد على، ومن الخارج كان الدكتور أحمد مجاهد والدكتور سامح مهران والدكتورة إيناس عبد الدايم، وخصصت غرفة بالمقر لإدارة الاعتصام، حيث قرر الجميع ألا يغادروا المقر إلا بعد نجاح الثورة.
تهديدات بفض الاعتصام
استمر الاعتصام وسط تهديدات عديدة وصلت للمعتصمين بفض اعتصامهم بالقوة، كان أشهرها تهديد أحمد المغير، أحد أشهر وجوه الجماعة، عندما حشد مجموعة من المتطرفين لفض الاعتصام، وسرعان ما انتشر الخبر، ما دفع قوات الأمن لتعزيز تواجدها أمام مكتب الوزير بالزمالك، وأرسلت ثلاث مدرعات وثلاثة تشكيلات أمن مركزى لحماية المنشأة العامة التى تحتضن المعتصمين، ووقعت اشتباكات بين الجانبين نتجت عنها إصابة ٣ عساكر أمن مركزى، وانسحب المغير ومرافقوه بعد أن واجهوا مقاومة عنيفة من المعتصمين، الذين وصل عددهم إلى الآلاف، ليرتفع سقف المطالب إلى إقالة رئيس الجمهورية، وهو ما تحقق في النهاية.
كان هذا الاعتصام والمشاركون فيه من المثقفين الكبار والشباب بمثابة التمهيد الأول للثورة، والذى شجّع خلال أيامه -التى تجاوزت الأسابيع الثلاثة- الكثير من فئات الشعب الأخرى الحانقة على محاولات الجماعة الإرهابية العبث بمقادير البلاد؛ واستمر الاعتصام في مظهر حضارى رائع، حيث أقيم «مسرح الثورة» الذى كان يشهد يوميًا فعاليات فنية متعددة، منها حفلات موسيقية وغنائية وأمسيات شعرية وعروض الباليه، وغيرها من الفنون التى كان يرفضها وزير الجماعة؛ وشهدت تلك الأيام توافدًا كبيرًا من المواطنين للتضامن مع المثقفين في اعتصامهم والمشاركة في فعاليات الاعتصام، في الوقت الذى قامت فيه قوات الجيش والشرطة بتأمين الاعتصام، وصد كل المحاولات الإخوانية للإضرار بالمعتصمين أو تفرقتهم.
وقفة» القباقيب"
وكانت من أشهر فعاليات الاعتصام، عندما نظم عدد من المثقفين والأدباء والفنانين، وقفة حملوا خلالها «القباقيب». للمطالبة بسحب الثقة من مرسى، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ ورددوا عدة هتافات، منها «ارحل يا مرسى.. مش بتاعك الكرسي». و«باطل باطل.. حكمك باطل وحكومتك باطل». و«هنخلعك بالقبقاب زى ما شجرة الدر خلعت عز الدين أيبك». وكان ممن شاركوا في هذه الوقفة الفنان حسين فهمى، والمذيعة هالة سرحان، والدكتور سامح مهران، والمخرج سميح منسى، والفنان هانى رمزى، والمخرج محمد خان، والكاتب يوسف القعيد، والمنتج محمد العدل، والشاعر شعبان يوسف، والكاتبة سلوى بكر، والمخرج جلال الشرقاوى، وغيرهم.
ولأن المثقفين كانوا يدركون حقيقة المطامع الإخوانية، والتى بدت في قرار الوزير الأسبق بتغيير عدة قيادات في الوزارة بدون سابق إنذار، فقد أصدروا بيانًا طالبوا خلاله القوات المسلحة، بتأمين المواقع الأثرية والثقافية، وبشكل خاص تأمين كل من دار المحفوظات، دار الكتب والوثائق القومية، هيئة المساحة المصرية، الجمعية الجغرافية، المجمع العلمى، نظرًا لاحتوائها على مستندات ومخطوطات ووثائق تتعلق بأحقية مصر في حلايب وشلاتين والوثائق التى ساهمت في فوز مصر في المعركة القانونية لاستعادة طابا، وأيضًا الاتفاقيات الموقعة بين دول حوض النيل، والتى ظهرت أهميتها البالغة هذه الأيام، حيث ظهر أن الجماعة كانت على استعداد لبيع حقوق مصر في مياه النيل مقابل حفنة من الدولارات.
وفى حديث سابق لـ«البوابة». روى هشام فرج، والذى تولى رئيس الإدارة المركزية لأمن وزارة الثقافة في تلك الفترة، عددا من الكواليس التى عاصرها بنفسه باعتباره أحد المسئولين عن أمن المقر الذى شهد اعتصام المثقفين. وذكر أنه منذ اللحظة الأولى لوجود علاء عبد العزيز في الوزارة، طلب منه تقريرا مفصلا عن حالة جميع قصور الثقافة في مصر من الإسكندرية إلى أسوان، التى تبلغ ٥٧٠ قصر ثقافة، وكانت الزيارة الأولى له خارج مكتبه إلى مقر الهيئة، ما كشف أن هذا الأمر توجه الإخوان لمحاولة السيطرة على قصور الثقافة ومراكز الشباب في مصر، وبالفعل تم رصد مبلغ ضخم لوزارة الشباب لهذا الهدف.
هيسيتريا الوزير الإخوانى
وأشار إلى أن الوزير الإخوانى كان مصابًا بنوع من الهستيريا «فلم يكن الساعى يجرؤ على أن يصنع له أى مشروبات مثل الشاى أو القهوة إلا بعد أن يراقبه أحد أفراد الحراسة المخصصة للوزير ليتأكد بنفسه أن الساعى لم يضع له أى سموم بالمشروبات، وكان دائما ما يقول للساعى «أنتوا هتسمونى إمتى؟». وفق ما ذكر فرج الذى أكد أنه كان يتحرك بصحبة ثلاثة من حزب الحرية والعدالة كان أحدهم دائم الظهور على منصة رابعة، أثناء الاعتصام، وكانوا يمثلون حلقة الوصل بينه وبين مكتب الإرشاد والجماعة ولم يكن يتخذ أى قرار إلا بعد الرجوع إليهم، ولفت فرج إلى أنه قبل الاعتصام بيومين، بدأت وقفات الاحتجاج أمام مكتب الوزير تتزايد بشكل كبير ويومى، ما جعله يطلب منه سحب جميع تليفونات العاملين في مكتبه، لكنه رفض ذلك، بينما طلب من رئيس قطاع مكتبه تركيب زجاج مضاد للرصاص على نافذتين مقابلتين لشارع شجرة الدر، في الوقت الذى تكررت فيه زيارات من قيادات حزب البناء والتنمية للوزير، برئاسة الإرهابى طارق الزمر. وروى مدير أمن الوزارة الأسبق أنه يوم دخول المعتصمين وزارة الثقافة، أعطى تعليمات بدخول جميع المثقفين، وخصص غرفة بالمقر لإدارة الاعتصام، ما قاده إلى مصادمات عديدة مع الوزير الإخوانى الذى قال «أنا هابعت ناس تكسرهم وتعلقهم على سور الوزارة». فيما تعهد فرج بحمايتهم.
وكذلك طلب منه قطع المياه والكهرباء عن المعتصمين ولكنه رفض ذلك تماما، وعندما تلفت وصلة الدش قام الفنان الراحل عزت أبوعوف بمنح المعتصمين وصلة من منزله المجاور للوزارة. ولفت إلى أن وزارة الداخلية كان لها موقف مشرف حيث تم تعيين تشكيل من قوات أمن القاهرة بقيادة اللواء نادر جرجس، ظل يحمى المتظاهرين إلى انتهاء الاعتصام، كما أن الوزير محمد إبراهيم رفض جميع الأوامر التى أصدرتها له الرئاسة في فترة الإخوان بفض الاعتصام بالقوة.