الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

اليوم.. ذكرى ميلاد الأديب عباس محمود العقاد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في مثل هذا اليوم 28 يونيو 1889، ولد الأديب والمفكر عباس محمود العقاد، وتبوأ العقاد مكانة عالية في النهضة الأدبية الحديثة ندر من نافسه فيها فهو يقف بين أعلامها وكلهم هامات سامقة علمًا شامخًا وقمة باذخة يبدو لمن يقترب منه كالبحر العظيم من أي الجهات أتيته راعك اتساعه وعمقه أو كقمة الهرم الراسخ لا ترقى إليه إلا من قاعدته الواسعة واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من المواهب والملكات فهو كاتب كبير وشاعر لامع وناقد بصير ومؤرخ ولغوي بصير وسياسي حاذق وصحفي نابه ولم ينل منزلته الرفيعة بجاه أو سلطان أو بدرجات وشهادات بل نالها بمواهبه المتعددة وهمته العالية ودأبه المتصل عاش من قلمه وكتبه وترفع عن الوظائف والمناصب لا كرها فيها بل صونًا لحريته واعتزازًا بها وخوفًا من أن تنازعه الوظائف عشقه للمعرفة.
عاش العقاد سلسلة طويلة من الكفاح المتصل والعمل الدءوب وصارع الحياة والأحداث وتسامى على الصعاب وعرف حياة السجن وشظف العيش واضطهاد الحكام لكن ذلك كله لم يوهن عزمه أو يصرفه عما نذر نفسه له خلص للأدب والفكر مخلصًا له وترهب في محراب العلم فأعطاه ما يستحق من مكانة وتقدير.
ضاق العقاد بحياة الوظيفة وقيودها ولم يكن له أمل في الحياة غير صناعة القلم وهذه الصناعة ميدانها الصحافة فاتجه إليها وكان أول اتصاله بها في سنة 1907م حين عمل مع العلامة محمد فريد وجدي في جريدة الدستور اليومية التي كان يصدرها وتحمل معه أعباء التحرير والترجمة والتصحيح من العدد الأول حتى العدد الأخير فلم يكن معهما أحد يساعدهما في التحرير.
بعد توقف الجريدة عاد العقاد سنة 1912م إلى الوظيفة بديوان الأوقاف لكنه ضاق بها فتركها واشترك في تحرير جريدة المؤيد التي كان يصدرها الشيخ على يوسف وسرعان ما اصطدم بسياسة الجريدة التي كانت تؤيد الخديوي عباس حلمي فتركها وعمل بالتدريس فترة مع الكاتب الكبير إبراهيم عبد القادر المازني ثم عاد إلى الاشتغال بالصحافة في جريدة الأهالي سنة 1917 وكانت تصدر بالإسكندرية ثم تركها وعمل بجريدة الأهرام سنة 1919م واشتغل بالحركة الوطنية التي اشتغلت بعد ثورة 1919م وصار من كتابها الكبار مدافعًا عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال وأصبح الكاتب الأول لحزب الوفد المدافع عنه أمام خصومه من الأحزاب الأخرى ودخل في معارك حامية مع منتقدي سعد زغلول زعيم الأمة حول سياسة المفاوضات مع الإنجليز بعد الثورة.
وبعد فترة انتقل للعمل مع عبد القادر حمزة سنة (1923م) في جريدة البلاغ وارتبط اسمه بتلك الجريدة وملحقها الأدبي الأسبوعي لسنوات طويلة ولمع اسمه وذاع صيته وانتخب عضوا بمجلس النواب ولن ينسى له التاريخ وقفته الشجاعة حين أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان فارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه" وقد كلفته هذه الكلمة الشجاعة تسعة أشهر من السجن سنة (1930م) بتهمة العيب في الذات الملكية.
وظل العقاد منتميًا لحزب الوفد حتى اصطدم بسياسته تحت زعامة مصطفى النحاس باشا في سنة (1935م) فانسحب من العمل السياسي وبدأ نشاطه الصحفي يقل بالتدريج وينتقل إلى مجال التأليف وإن كانت مساهماته بالمقالات لم تنقطع إلى الصحف فشارك في تحرير صحف روزاليوسف والهلال وأخبار اليوم ومجلة الأزهر.
وعرف العقاد منذ صغره بنهمه الشديد في القراءة وإنفاقه الساعات الطوال في البحث والدرس وقدرته الفائقة على الفهم والاستيعاب وشملت قراءاته الأدب العربي والآداب العالمية فلم ينقطع يومًا عن الاتصال بهما لا يحوله مانع عن قراءة عيونهما ومتابعة الجديد الذي يصدر منهما وبلغ من شغفه بالقراءة أنه يطالع كتبًا كثيرة لا ينوي الكتابة في موضوعاتها حتى إن أديبًا زاره يومًا فوجد على مكتبه بعض المجلدات في غرائز الحشرات وسلوكها فسأله عنها فأجابه بأنه يقرأ ذلك توسيعًا لنهمه وإدراكه حتى ينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى ويقيس عليها دنيا الناس والسياسة.
وكتب العقاد عشرات الكتب في موضوعات مختلفة فكتب في الأدب والتاريخ والاجتماع ووضع في الدراسات النقدية واللغوية مؤلفات كثيرة بالاشتراك مع المازني وأصبح اسم الكتاب عنوانًا على مدرسة شعرية عرفت بمدرسة الديوان وكتاب "ابن الرومي حياته من شعره" وشعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي ورجعة أبي العلاء وأبو نواس الحسن بن هانئ واللغة الشاعرية والتعريف بشكسبير، وله في السياسة عدة كتب.
وهو في هذه الكتب يحارب الشيوعية والنظم الاستبدادية ويمجد الديمقراطية التي تكفل حرية الفرد الذي يشعر بأنه صاحب رأي في حكومة بلاده وبغير ذلك لا تتحقق له مزية وهو يعد الشيوعية مذهبًا هداما يقضي على جهود الإنسانية في تاريخها القديم والحديث ولا سيما الجهود التي بذلها الإنسان للارتفاع بنفسه من الإباحية الحيوانية إلى مرتبة المخلوق الذي يعرف حرية الفكر وحرية الضمير.
وله تراجم عميقة لأعلام من الشرق والغرب وتجاوزت مؤلفات العقاد الإسلامية أربعين كتابًا شملت جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية فتناول أعلام الإسلام في كتب ذائعة عرف كثير منها باسم العبقريات استهلها بعبقرية محمد ثم توالت باقي السلسلة التي ضمت عبقرية الصديق وعبقرية عمر وعبقرية على وعبقرية خالد وداعي السماء بلال وذو النورين عثمان والصديقة بنت الصديق وأبو الشهداء وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وفاطمة الزهراء والفاطميون.
هو في هذه الكتب لا يهتم بسرد الحوادث وترتيب الوقائع وإنما يعني برسم صورة للشخصية تُعرِّفنا به وتجلو لنا خلائقه وبواعث أعماله مثلما تجلو الصورة ملامح من تراه بالعين، ووقد ذاعت عبقرياته واشتهرت بين الناس وكان بعضها موضوع دراسة الطلاب في المدارس الثانوية في مصر وحظيت من التقدير والاحتفاء بما لم تحظ به كتب العقاد الأخرى.
ألف العقاد في مجال الدفاع عن الإسلام عدة كتب وفيها يدافع عن الإسلام أمام الشبهات التي يرميه بها خصومه وأعداؤه مستخدمًا علمه الواسع وقدرته على المحاجاة والجدل وإفحام الخصوم بالمنطق السديد فوازن بين الإسلام وغيره وانتهى من الموازنة إلى شمول حقائق الإسلام وخلوص عبادته وشعائره من شوائب الملل الغابرة حين حرقت عن مسارها الصحيح وعرض للنبوة في القديم والحديث وخلص إلى أن النبوة في الإسلام كانت كمال النبوات وختام الرسالات وهو يهاجم الذين يدعون أن الإسلام يدعو إلى الانقياد والتسليم دون تفكير وتأمل ويقدم ما يؤكد على أن التفكير فريضة إسلامية وأن مزية القرآن الأولى هي التنويه بالعقل وإعماله ويكثر من النصوص القرآنية التي تؤيد ذلك ليصل إلى أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأشياء.
وقد رد العقاد في بعض هذه الكتب ما يثيره أعداء الإسلام من شبهات ظالمة يحاولون ترويجها بشتى الوسائل مثل انتشار الإسلام بالسيف وتحبيذ الإسلام للرق وقد فند الكاتب هذه التهم بالحجج المقنعة والأدلة القاطعة في كتابه "ما يقال عن الإسلام".
لقي العقاد تقديرا وحفاوة في حياته من مصر والعالم العربي فاختير عضوًا في مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1940م) فهو من الرعيل الأول من أبناء المجمع واختير عضوًا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق ونظيره في العراق وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة (1959م).
وكان أدب العقاد وفكره ميدانًا لأطروحات جامعية تناولته شاعرًا وناقدًا ومؤرخًا وكاتبًا وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسمه على إحدى قاعات محاضراتها وبايعه طه حسين بإمارة الشعر بعد موت شوقي وحافظ إبراهيم قائلا: "ضعوا لواء الشعر في يد العقاد وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء فقد رفعه لكم صاحبه".
أصدرت دار الكتب نشرة بيلوجرافية وافية عن مؤلفات العقاد وأصدر الدكتور حمدي السكوت أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية كتابًا شاملا عن العقاد اشتمل على بيلوجرافية لكل إنتاج العقاد الأدبي والفكري ولا تخلو دراسة عن الأدب العربي الحديث عن تناول كتاباته الشعرية والنثرية.
اشتهر العقاد بصالونه الأدبي الذي كان يعقد في صباح كل جمعة يؤمه تلامذته ومحبوه يلتقون حول أساتذتهم ويعرضون لمسائل من العلم والأدب والتاريخ دون الإعداد لها أو ترتيب وإنما كانت تطرح بينهم ويدلي كل منهم بدلوه وعن هذه الجلسات الشهيرة أخرج الأستاذ أنيس منصور كتابه البديع " في صالون العقاد".
ظل العقاد عظيم الإنتاج لا يمر عام دون أن يسهم فيه بكتاب أو عدة كتب حتى تجاوزت كتبه مائة كتاب بالإضافة إلى مقالاته العديدة التي تبلغ الآلاف في بطون الصحف والدوريات ووقف حياته كلها على خدمة الفكر الأدبي حتى لقي الله في ( 12 من مارس 1964م).