الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خيار مصر المائي بين الدبلوماسية والحرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يمكن وصف ما حدث في القمة الأفريقية المصغرة، والتي شارك فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلا بالانتصار السياسي والدبلوماسي بعد مراوغات وسفسطة كانت شاهدة على السلوك الإثيوبي طيلة 10 سنوات كاملة، مفاوضات تلو الأخرى ثم تهرب في اللحظة الأخيرة وقبل التوقيع على ما تم الاتفاق عليه.
مصر دولة كبيرة ولديها خيارات كثيرة للتعامل مع الحكومة الإثيوبية التي ادعت أنها لن تقترب من حق مصر المائي في بدايات ملء السد، ثم راوغت بعد ذلك بصورة أفقدتها المصداقية التي كانت تحاول أن تشتريها أمام العالم، وهو ما دفع الاتحاد الأفريقي إلى إلزامها بعدم ملء السد قبل التوصل لاتفاق مع مصر والسودان، ليس هذا فحسب بل ألزمها إلى التوصل لهذا الاتفاق خلال أسبوعين حتى لا يقع في شراك مماطلة إثيوبيا المعتادة.
البيان الذي خرج من مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في اليوم التالي لانعقاد هيئة مكتب قمة الاتحاد الأفريقي، يؤكد الانتصار الذي حققته مصر، فرغم أنه خرج مدعيًا أن السد سوف يتم ملؤه بعد أسبوعين وأنه سوف يتم استكمال الإنشاءات الخاصة به، ويبدو الهدف واضحًا أنه يخاطب الرأي العام الإثيوبي الذي رفع سقف طموحاته وبدا أمامه وكأنه شخصية تاريخية لا تقبل المساومة وتقف أمام الولايات المتحدة ولا تقبل بشراكتها، ليس هذا فحسب بل حاول أن يظهر لشعبه أنه وقف أمام الإرادة المصرية!
بدا رئيس الوزراء الإثيوبي منكسرًا وضعيفًا أمام الرأي العام الإثيوبي الذي وجده يغير وجهته سريعًا ويقبل بالتفاوض مع مصر فجأة، رغم أنه سبق وصرح أن السد سوف يتم ملؤه سواء تم التوصل لاتفاق أم لم يتم، في الوقت الذي يراوغون فيه، وبالتالي كانت المحصلة أنه قبل بالتفاوض وليس بمجرد إرشادات تأخذ أو لا تأخذ بها إثيوبيا لتحافظ على حق مصر المائي.
خسر أبي أحمد وخسرت إثيوبيا كثيرًا من المراوغة وكسبت مصر وسط كل المحافل الدولية والإقليمية، بدءا من الاتحاد الأفريقي المظلة الأهم التي تنتمي إليها مصر وإثيوبيا على اعتبارهما دولتين أفريقيتين والمظلة الدولية عبر الشريك الأمريكي ومجلس الأمن، هذه الخسارة أعطت مصر مكسبًا آخر كانت سوف تلجأ إليه بعد خسارة كل الخيارات من أجل الحفاظ على أمنها المائي.
من خلال تحليل وتفنيد الخطاب الإثيوبي تتفاجأ أنك أمام نخب ومثقفين وسياسيين إثيوبيين يحملون مصر مسئولية تردي الأوضاع التنموية في إثيوبيا! رغم أن القادة السياسيين هم الذين يتحملون هذه المسئولية على مدار عقود، فمصر كانت وما زالت مع إثيوبيا في بناء السد ولا مانع لديها من إحداث طفرة تنموية تستفيد منها الدولة الأفريقية شرط ألا يؤثر ذلك على مصر وحقها من ماء النيل.
سجل التاريخ خلال السبعين عامًا الماضية كيف كان الدور المصري في مساعدة أفريقيا من التحرر من الاستعمار، فمصر من خلال الرئيس جمال عبدالناصر ساعدت دول القارة السمراء في التحرر من نيران الاحتلال والانطلاق نحو تنمية حقيقية اقتصادية وفكرية واجتماعية، وبالتالي كل ما يقال إن مصر تريد أن تُعيق التنمية ليس كلاما صحيحا، ولكنه يُخالف الواقع الذي شهد بدور مصر في الدفاع عن أمن الدول الأفريقية وتحريرها من كل أنواع الاستعمار.
على كل الأحوال حققت مصر انتصارًا سياسيًا ودبلوماسيًا على إثيوبيا من خلال تدويل قضية حق مصر في مياه النيل وتعنت الجانب الإثيوبي، فتم إلزامه بما لم يكن يرغب فيه، وسوف يتم إلزامه بما يحقق العدالة وبما يتسق مع حقوق مصر، فما كانت إثيوبيا ولا غيرها ليهدد أمن مصر القومي سواء المائي أو الحدودي.
مصر تتمتع بصبر طويل ولكنها إذا غضبت انصرف الجميع من أمامها خشية أن يصيبهم شيء من غضبها، لا يغير جيشها على الآمنين ولكنها تدافع من خلاله عن أمنها وحقها في الحياة، كما أنها وهبت هذا الجيش لتدعيم الأمن والسلام في المنطقة إيمانًا منها بضرورة أن يعيش الجميع في سلام، ولذلك عززت كل المبادرات التي من شأنها مواجهة المحتل والغاصب ومواجهة تيارات العنف والتطرف حتى ولو كان ذلك خارج حدودها، فمصر جزء من عصبة الأمم المتحدة ودورها في المنطقة حيوي لتدعيم الأمن والاستقرار.
نجحت الدبلوماسية المصرية بقوة الإرادة السياسية، وكلاهما انتصرا بقوة القوات المسلحة، فرغم أن مصر لم تهدد بحرب ولم تستخدم أي عبارات تفيد بأنها قد تضرب السد غير أنها وضعت كل الخيارات على الطاولة، فأرغمت إثيوبيا بمماطلتها إلى العودة إلى مائدة المفاوضات والالتزام بعدم ملء السد من طرف واحد، وهذا دليل على قوة الدبلوماسية والقيادة السياسية ومن ورائهم قوة مصر العسكرية.