بعض الآباء حين يشعرون بدنو الرحيل يخلعون أرواحهم ووجوههم وخصالهم ويلبسونها ابنهم الأكبر لتظل صورة الأب حاضرة أمام أبنائه الصغار، يترقى الكبير درجة من أخ لأب، تحرمه الحياة من حقوق كثيرة لكنها تمنحه قدسية الأب في نظر الأشقاء ما دام على وجه الأرض ويكتب عنه في السماء بين قوسين "الأخ الأب".
أستاذنا العزيز مدرس اللغة العربية كان له حلم يود أن يوصى به ابنه الأكبر فأتى بكراس ونثر في إحدى صفحاته الحروف الأبجدية وقال لابنه محمد جمع من تلك الحروف كلمة فاختار محمد كلمة مهندس، تهلل وجه أستاذ اللغة العربية وقال لولده هذا حلمى وحلمك فلتحققه، ثم عاود أستاذ اللغة العربية نثر الحروف الأبجدية في الصفحة ومد يده واختار راء وجيم ولام وقال لابنه: يا صغيرى أنا في قبرى سأفرح حينما تكون مهندسا، ولكن فرحتى الكبرى حينما تكون رجلا مهندسا تظلل على البيت والعائلة من بعدي، وقد تحققت أمنية الأستاذ ومنذ نعومة أظافر المهندس وهو رجل.
سمعت الأستاذ سامى ذات يوم ونحن في المقابر ولم أكن أعرف محمد، يفتح نافذة قبره ويجلس الأصدقاء والأهل من حوله.. بشر كثر من حوله وهو يجلس بينهم يشير إلى محمد وهو يتقدم نحو القبر ليقرأ الفاتحة.. يقول بتفاخر هذا ابنى الباشمهندس محمد رجل وجدع أووى ومحسسنيش بالغياب.. فيرد الأحياء في القبور وعلى ظهر الأرض ما شاء الله.
فكن على السطر حرفا شامخا لا يعرف الكسر.. حرفا حرا لا يقبل الضيم ولا الضم.. حرف عصى أبى يرفض الجر..
الحلوة بلادي.. بكرة حكاية جديدة.
