الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأمن القومي المصري وخيار الحرب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، أن مصر لم ولن تفرط في أمنها القومي مهما كانت الظروف ومهما كانت العواقب، ليس هينًا على المؤسسة العسكرية أن تفعل ذلك ولن تفعله، وهي التي خضبت الأرض بدماء أبنائها من أجل الحفاظ على كل ذرة تراب وما زالت تفعل.
فعندما تتحدث القيادة السياسية في مصر عن الأمن القومي يكون من منطلقين أحدهما يرتبط بإرادتها في عدم التفريط في التراب الوطني وقدرتها على صد أي عدوان خارجي، بل والدفاع عن الأرض والأمن، ومن هنا نقول: إن كل الخيارات متاحة أمام القاهرة وهو ما يترجمه كلام الرئيس بأن جيش مصر سوف يدافع عن أمنها القومي ولن يعتدي على أحد.
مصر لا ترغب في الحرب ولا تريدها ولكنها لا تستثني هذا الخيار إذا كان الوحيد بين كل الخيارات، فهي قادرة على صد أي عدوان أو تهديد لأمنها، ولن تسمح لمن يهدد أمنها البري سواء في ليبيا من خلال الغزاة الأتراك أو أمنها المائي من خلال حصتها من قبل إثيوبيا ومن يدعمها.
من الخطأ أن نُسقط خيار الحرب من حساباتنا ومن الخطأ أن نعول عليه كثيرًا أو نجعله الخيار الأول، بينما هناك خيارات أخرى، فالحرب خسارة للجميع المنتصر والمهزوم، ولكنها قد تكون الحل الأخير والنهائي بعد أن تفشل كل الخيارات؛ فمن خلال الحرب والتهديد بها تستطيع أن تحقق ما لم تحققه المفاوضات السياسية، ومصر جادة في الدفاع عن حقها المائي، فالماء يمثل قضية حياة أو موت لمصر، خاصة أنه يمثل أكثر من 90% من احتياجات مصر المائية.
نجحت مصر في تدويل قضية الحق المصري في ماء النيل والذي يُقدر بقرابة 55 مليار متر مكعب في كل الأروقة الدولية بما فيها مجلس الأمن حسب ما يشير ميثاق الأمم المتحدة، وأعتقد أن الحق المصري تؤمن به دول المصب كما تؤمن دول الاتحاد الإفريقي، فلا تنمية في دولة على حساب حياة دولة أخرى.
مصر لم تكن ضد التنمية ولن تكون في إثيوبيا وأي دول أفريقية أخرى، فمصر شاركت في تحرير أفريقيا من الاستعمار وتبذل جهودًا من أجل وجود تنمية حقيقية في القارة السمراء، وبالتالي أي حجة تقال من الجانب الإثيوبي في هذه الزاوية غير مقبولة وغير مفهومة إلا في سياق أخذ الحوار في منطقة أخرى بعيدًا عن الحديث عن الحق المصري في ماء النيل.
لا يعني دفاع مصر عن حقها في ماء النيل أنها تقف أمام التنمية في إثيوبيا، فلا علاقة لا وفق بنود الاتفاق التي تم بين الطرف المصري والإثيوبي والسودان ثم تهرب منه الجانب الإثيوبي قبل التوقيع ولا على مستوى التصريحات المسئولة في مصر، وهنا نقول إن ثمة نية لدى إثيوبيا في المماطلة والمقامرة أيضًا ولذلك قد لا تكون العواقب وخيمة، لأنها تسعى لتعقيد الموقف برفضها التوقيع أو التفاوض.
مصر لا تهدد ولا تستغل أزمات سياسية ولا تصطنع هذه الأزمات في منطقتنا العربية، بل تسعى دائمًا لحلها وصناعة حل من السلام في المنطقة خشية أن يؤثر تفجر الأوضاع على أمنها القومي، ولكنها في ذات الوقت تضرب بيد من حديد على أي طرف يُريد أن يُهدد أمنها سواء كان غازيًا أتى من الخارج أو طرف إقليمي يدعم جماعات العنف والتطرف.
ولديها استراتيجية في التعامل مع القضايا الرئيسية الحساسة، بحيث تتعامل معها بشكل سياسي ودبلوماسي وتُشرك المجتمع الدولي ومؤسساته في الحل أو الوصول للتوافق ثم التحقيق والإلزام وبعدها تتعامل بقوة من أجل الحفاظ على أمنها، وهذا موقف الأقوياء وطريقة مصر في حل قضاياها المصيرية قبل أربعين عامًا من الآن عندما خضنا حربًا من أجل تحرير الأرض في سيناء، ثم حضنا حربًا أخرى في التفاوض حتى حصلنا على الأرض والشرعية والتأييد الدولي وعلى الحق قبل كل شيء.
ما نريد أن نقوله إن خيارات القاهرة أوسع من خيارات المعتدين أو من يحاولون أن يُهددوا أمننا القومي، ولا يعني حِلم القاهرة على خصومها أنها سوف تتهاون في أمنها، فلن يحدث ولن يكون، ولكنها إرادة الأقوياء وقوة أصحاب الحق التي لا يمكن أن تقهر، ومصر قادرة على الحفاظ على أمنها بالحرب وبدونها.