الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مقبرة زافون.. وكتبه غير المنسية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين نتصفح التاريخ ونقرأ عن العظماء، نشعر وكأن الزمان لا يجود بمثلهم..رغم أن لكل زمن عظمائه، والذين يعبرون بشهرتهم حواجز اللغة والزمن والحدود الجغرافية.. أحد عظماء الأدب في عصرنا، هو الأديب الأسبانى الشهير كارلوس رويز زافون، والذى توفى الجمعة الماضية في لوس أنجلوس عن عمر 55 عاما، بعد صراع مع مرض السرطان.. وبعد أن وصل رحيق إبداعاته للعالم أجمع..فقد ترجمت رواياته لعشرات اللغات، وحصدت الكثير من الجوائز، وباعت ملايين النسخ، حتى أصبحت من أكثر الكتب مبيعا على مستوى العالم.. ولد زافون في برشلونة في 25 سبتمبر عام 1964، أى في عام التنين-وفقا للأبراج الصينية- كما أشار في تعريف نفسه على موقعه الإلكترونى.. وبرشلونة هى جزء من إقليم كتالونيا، والذى نسمع بين الحين والآخر عن محاولات إستقلاله عن إسبانيا.. ويعتبر التنين رمزا لبرشلونة، يزين معالمها السياحية وطرقها ومبانيها..ويرجع ذلك للأسطورة التى يتناقلونها، عن ظهور تنين متوحش في قرية مونتبلانك في كتالونيا، أثار الذعر في النفوس، وإلتهم كل الحيوانات في المراعي..حتى قرر الناس التضحية كل يوم بشخص يتم اختياره بالقرعة، وتقديمه للتنين..حتى وقعت القرعة على ابنة الملك الذى إضطر آسفا وحزيناعلى الموافقة.. وعندما أوشك التنين على إبتلاعها، ظهر الفارس الشجاع القديس جورج (سانت جوردي في الكاتالونية) وقتل التنين برمحه.. ونبتت شجرة للورد الأحمر من دم التنين، أخذ سانت جوردي منها وردة ليهديها للأميرة للتعبير عن حبه.. وأصبح هذا اليوم الموافق 23 أبريل-وحتى الآن-يوم إحتفالي في كتالونيا، يهادي فيه الرجال الورد الأحمر للنساء.. وقد تأثر زافون بنشأته في مدينته التاريخية، بالقرب من كنيسة ساغرادا فاميليا (العائلة المقدسة) بتصميمها المبتكر وغير التقليدي.. بالإضافة لتأثير التنين على ملامح المدينة التى تعطيها إنطباعات أسطورية..لذلك ظهر التنين والمخلوقات الاسطورية في بعض رواياته، وأصبح من ضمن ألقابه "تنين برشلونة".. وقد درس زافون تكنولوجيا المعلومات، وعمل في بدايته موظّفًا في مجال الإعلان، ولكن قرر تغيير مساره.. وبدأ مسيرته الأدبية بالكتابة للنشء فكانت روايته الأولى أمير الضباب عام 1993،والتى نال عنها جائزة إيديبي التى تبلغ 25 ألف يورو..وإنتقل بعدها للولايات المتحدة ليعيش هناك..إستمر في الكتابة للنشء وكتب:قصر منتصف الليل(1994).. وأضواء من سبتمبر(1995).. ومارينا(1999).. أما أولى رواياته للبالغين فكانت ظل الريح (2001) ضمن رباعيته الأشهر"مقبرة الكتب المنسية"، والتى تعتبر عملا ملحميا ضم 4 روايات منفصلة متصلة هم: (ظل الريح.. لعبة الملاك.. سجين السماء.. متاهة الأرواح).. وقد حققت رباعيته نجاحا كاسحا على مستوى العالم، وترجمت لنحو 50 لغة من ضمنهم العربية.. وكان صاحب الفضل في ترجمتها الكاتب السوري الواعى معاوية عبدالمجيد، والذى درس الأدب في إيطاليا، وحصل على الماجستير -بين إيطاليا وفرنسا- عن الترجمة الأدبية في الثقافة الأوروبية.. ولولا براعته في الترجمة بدقة وإتقان ولغة سلسة، لما وصلت إبداعات زافون الرائعة للقارئ العربي، وإستمتع بملحمته التى تعد برواياتها الأربعة من أجمل وأمتع وأهم الروايات الأدبية على مدى التاريخ.. فهو أحد المبدعين الذى يأسرك حتى تنهى سطور روايته، لتجد نفسك أكثر شغفا لقراءة أفكاره، والتمتع بأحداثه وشخوصه وحبكته، وفلسفته الساخرة التى يطرحها على ألسنة أبطاله.. فالمتعة التي تنتاب القارئ، تجعل صفحات الرواية التي تزيد على الخمسمائة، تنساب بين يديه حتى تنتهي دون أن يشعر.. وكما يأخذ من بداية روايته الأولى بطل القصة الصغير من أحزانه لفراق أمه بسبب وباء الطاعون، لآفاق القراءة الأرحب، والتى تنتشله من الحزن.. ينتشلنا زافون بروائعه من متاعبنا وهمومنا التى ننساها ونحن نغوص في إبداعاته.. حيث روعة التصوير والتعبير عن خفايا النفس البشرية، ولحظات الضعف والقهر، والحب والشغف والشجن والإثارة.. إبداع حقيقى لا يتشابه مع غيره، وحساسية شديدة في فهم المشاعر الإنسانية وعمق التعبير عنها.. ولروعة تفاصيله وتشعب أحداثها وشخصياتها يستحيل إختصارها أو حكيها. 
فرواياته تجسد بحق كلمة الروائى التشيكي الفرنسىميلان كونديرا والتى كُتبت في مقدمة كتاب ظل الريح:"على كل من يملك القدر الكافى من الجنون ليستمر اليوم في كتابة الروايات، أن يكتبها بطريقة تجعل اقتباسها متعذرا.. وبعبارة أخرى، عليه أن يكتبها بطريقة تجعلها غير قابلة لأن تروى".. ونتمنى أن يتم ترجمة كافة أعماله الأدبية للعربية وعلى رأسهم مجموعتي القصص القصيرة: وردة الذهب (2012).. ودقيقتين نهاية العالم (2015).. فكما قال زافون على لسان أحد أبطاله: "كل كتاب، له روح، روح الشخص الذي كتبه.. وأولئك الذين يقرءونه، يعيشونه ويحلمون به.. في كل مرة الكتاب يتنقل من يد لأخرى، ويقع نظر احدهم على صفحاته، فإن روح الكتاب تنمو وتقوى".. وربما يكون ما كتبه في ظل الريح هو أفضل وأصدق ما ينطبق عليه وعلى كل روائي مبدع: "الجسد الذي رقد في تلك الحفرة كان جزءا منه فقط.. أما روحه فتسكن في الحكايات التي قصها".