الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

«Fire Will Come».. ميلودراما جافة عن صراع الإنسان والطبيعة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الأشهر القليلة الماضية، شهدت أستراليا ومنطقة الأمازون سلسلة من حرائق الغابات المروعة كان لها تأثير مدمر على النباتات والحيوانات الثمينة التي تنفث الحياة في الأرض. ومع بداية عقد جديد، أصبحت فكرة المستقبل الواعد أكثر حساسية يومًا بعد يوم، حيث يكافح النظام البيئي للتعافي من النشاط البشري المدمر للطبيعة. فاكتساب الإنسان للمعرفة بمختلف القوانين الفزيائية المتحكمة في حدوث وسريان العديد من الظواهر الطبيعية مكنت الآلة من تولي زمام كل شيء، ما جعل الأمور تخرج عن سيطرة الإنسان في بعض الأحيان. وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن نوع العلاقة التي عقدها الإنسان مع الطبيعة؟ هل هي علاقة انسجام وتوازن وتبادل للمصالح أم علاقة استغلال وسيطرة؟
لا زلنا مع العام الاستثنائي، 2019، ولكن هذه المرة مع الشريط الإسباني "Fire Will Come"، الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة "نظرة ما" بمهرجان كان السينمائي العام الماضي، حيث يأخذنا المخرج الفرنسي ذو الأصول الإسبانية أوليفر لاكس، في رحلة مليئة بالغموض والجمال لفهم طبيعة العلاقة المتوترة بين الإنسان والطبيعة. اختار أن يحفر قصته على تلال ووديان مدينة غاليسيا الإسبانية، حيث أمضى هناك جزءًا من طفولته، مصوراً لنا جمال الطبيعة الرعوية التقليدية، حيث سكون لا يقطعه إلا صوت انهمار المطر ورنين أجراس البقر، وفي وقت لاحق لهيب النيران المتأججة.

تنجرف الكاميرا في بداية الفيلم ليلاً فوق غابة ضبابية، لنري أشجار الأوكالبتوس تبدأ في السقوط واحدة تلو الأخرى مثل قطع الدومينو، وكأنها بفعل قوي الطبيعة الخارقة، حتى يتم الكشف عن الجناة الحقيقيين وهم مجموعة من الجرافات العملاقة التي تمحي كل ما يعترض طريقها، إلى أن تتعطل مسيرتها أمام إحدى الأشجار الضخمة كما لو كانت مواجهة تحدي. ثم تتبع الكاميرا عمدا وثيقة ورقية تتنقل بين أيدي عدد من المسؤولين – لا نري سوي أيديهم – وهم يتحدثون عن مشعل حرائق غامض.

تعارض الافتتاحية وضعنا في حيرة منذ البداية حول نوع الفيلم، حيث يوحي التسلسل الأول بأن هذا فيلم وثائقي عن إزالة الغابات، فيما أضفي التسلسل الثاني إحساسا بأنه مشهد من فيلم جريمة وتشويق. كل هذا الزخم من الناحية الأسلوبية والذي وظفه "لاكس" ببراعة، ليسا مختلفان عن بعضهما البعض، لكنهما يمثلان تناقض غامض في قلب بطل قصتنا "أمادور" الذي غادر السجن لتوه بعدما قضي فيه عامين، عقب اتهامه بإضرام النيران والتسبب في حريق كاد يقضي على نصف الجبل، لكن التفاصيل لا تزال غير واضحة.

تداخل اللقطات التالية بين "أمادور"، العائد إلى قريته، وذلك الجسر الشاهق الذي يشق التل الغاليسي الضبابي، ربما يعطينا نظرة معمقة حول شكل الصراع بين الإنسان وطبيعته الأم. عزز من هذه الحالة، استخدام ألحان كونشيرتو الفصول الأربعة لفيفالدي، ما جعلنا متأهبين لانتظار عاصفة وشيكة.

يوظف "لاكس" العديد من حيله وسماته التي اشتهر بها في أفلامه السابقة مثل "Mimosas" الفائز بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد بمهرجان كان وأفضل فيلم بمهرجان القاهرة السينمائي عام 2016، و"You All Are Captains" الفائز بجائزة "فيبرسي" بمسابقة نصف شهر المخرجين عام 2010، كاستخدام ممثلين غير محترفين ينتمون لنفس بيئة الفيلم واتباع نهج شبه وثائقي في تصويره للأحداث، سائراً على درب أعمال الإيطاليين دي سيكا وإيرمانو أولمي.

يتصاعد التوتر والغموض بعودة "أمادور" إلى قريته، خاصة عقب استقبال والدته الفاتر، حالة من الترقب والضبابية يتم طهوها على نار هادئة تتفجر خلالها أسئلة حول حقيقة إعادة تأهيله وماهية شعوره المكبوت. لغز غامض لم يكشفه النص ولم يعطينا أي دوافع لجريمته أو حتى حاول ابرزاها في الأساس. فلا يبدو "أمادور" ظاهريا رجل خبيث يعاني البيرومانيا (مرض الهوس بالحرائق)، وهذا واضح في تفاعله المستمر مع الطبيعة والماشية، مما يوحي لنا بعد وقت من زمن الفيلم ان هذا الشخص ليس قنبلة موقوتة.

يبدو أن المخرج أوليفر لاكس، الذي شارك في كتابة السيناريو مع سانتياجو فيلول، غير راغب في تقديم إجابات أو حتى السماح لنا بإلقاء نظرة على الدافع النفسي لبطله. ولكن من خلال الملاحظة التدريجية وتفاعلات "أمادور" شبه الصامتة مع والدته وجيرانه، نستشعر ضرراً بالغا في حياته الداخلية سببته العزلة والانطوائية.

تجريد "لاكس" لخطوط السرد منحه الفرصة لإشباع الصورة بألوان متعددة مستخدما شرائط 35 و16 ملم لتأطير جمال الطبيعة التي تكاد تتنفس هوائها أثناء المشاهدة. يلتقط المصور السينمائي ماورو هيرس الجمال القاسي والخصب للمنطقة بالتركيز على المساحات الخضراء للتلال وأشعة الشمس، كما يعمل على تجميل وتضخيم قوي الطبيعة في آن واحد.

فيلم "Fire Will Come" ميلودراما جافة من المشاعر والدموع المحتجزة، يلتقط "لاكس" خلاله ببراعة هشاشة الطبيعة البشرية مقابل القوة الغاضبة للطبيعة، التي على الرغم من عطائها اللامتناهي إلا أنها مستعدة للأخذ في أي وقت. قطعة أصيلة من الجمال الصامت مصورة بعناية تقدم سيناريو مروع حول خطر تغييرات المناخ.