الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العنصرية البغيضة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثارت قضية مقتل المواطن الأمريكى من أصل أفريقي «جورج فلويد» بطريقة وحشية على يد ضابط شرطة، في مدينة مينابوليس بولاية مينيسوتا في شمال الولايات المتحدة الأمريكية، موجة عاصفة من الاحتجاجات وأعمال العنف، منذ يوم ٢٥ مايو ٢٠٢٠، وحتى كتابة هذه السطور.
وبرغم وحشية الطريقة التى قُتِلَ بها «فلويد» على يد الشرطي، وعدم مبالاة ثلاثة آخرين من زملائه، من الاستغاثات التى أطلقها القتيل لأكثر من ثمانى دقائق، ومنها جملته المؤثرة «لا أستطيع التنفس ـ I can not breathe»، فقد أثارت هذه الحادثة المروعة الجراح القديمة، وأعادت إلى الأذهان ملف العنصرية البغيضة، والتى هى مرض مزمن في معظم المجتمعات البشرية.
العنصرية تعنى عدم المساواة أو التحيز ضد الأشخاص أو الجماعات بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة أو العرق. هذا التمييز قد يشمل عدم المساواة في الحقوق المدنية أو السياسية أو القانونية. وبنظرة تاريخية نجد أن العنصرية ليست حديثة العهد، وإنما تعود إلى بداية ظهور المجتمعات البشرية. فعندما كان الإنسان في المجتمعات البدائية يعيش على الصيد، كان ظهور صَيًاد آخر من غير القبيلة أو العشيرة، يعنى التنافس على الغذاء المتاح من الحيوانات والنباتات. وربما يكون التمييز غريزة إنسانية، بحيث تجعل مجموعة من البشر تنظر بدونية أو ريبة أو تخوف إلى مجموعة أخري، وربما بسبب صراع تاريخى أو عقائدى أو ثقافى أو لاختلاف العادات والتقاليد، أو حتى خوف من نقل الأمراض من مجتمع إلى آخر.
ورغم إحساسى الشخصى بأن المجتمع المصرى من أكثر شعوب الأرض قبولًا وتعايشًا مع الآخر، ومن أحسن المجتمعات التى تذوب فيها الفوارق بين البشر، ربما بحكم إرث مصر الحضارى الطويل، والتعايش مع مختلف الأجناس والألوان منذ فجر التاريخ، إلا أنه لايمكن أن ننكر أن هناك مجاملات ومحسوبية وتمييز بين أبناء الشعب المصري. 
أتذكر وأنا أعمل في مستشفيات انجلترا، أننى وقعت على تعهد بالمعاملة بالمثل وعدم التفرقة بين البشر بسبب اللون أو الدين أو العرق أو حتى الميول الجنسية. وعند مناقشة هذا الموضوع مع مجموعة من الزملاء من مختلف الجنسيات، تيقنت أنها إجراءات روتينية ليس لها أى علاقة بالواقع الذى نعيشه، وأن العنصرية بأشكال مختلفة ودرجات متفاوتة متأصلة في المجتمعات البشرية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وإن إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى الصادر في ٢٠ نوفمبر ١٩٦٣، قرار الجمعية العامة رقم ١٩٠٤ (د-18)، والذى يدعو إلى القضاء على التمييز العنصرى في جميع أنحاء العالم، ماهو إلا ديكور جميل لواقع مؤلم.
وعند مناقشة موضوع التمييز العنصرى مع بعض الزملاء من جنسيات أخري، أدركت أن التمييز أسلوب حياة، وإن كانت تختلف أشكال وطريقة إظهار هذا التمييز من مجتمع إلى آخر. واللافت للنظر أيضا أن الإنجليز كانوا يتعاملون بتعال على الاسكتلنديين والإيرلنديين، وباقى الجنسيات من البلدان الأوربية الأخري. وعند الحديث عن أمريكا، كانوا يقولون إن الأمريكان محدثى نعمة وليس لهم إرث حضاري.
وأتذكر حديثا دار بينى وبين مجموعة من الأطباء من اليونان وباكستان والهند ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وكنا جميعا نتدرب في المستشفى الجامعى في مانشستر للحصول على الزمالة البريطانية. وكان هناك جماع بين كل المتدربين على أن ظروف العمل، بصفة عامة، ونظرة المجتمع (بما فيها الشعور بالتمييز) بصفة خاصة، أفضل في الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلاندا عنها في المملكة المتحدة.
وبرغم الشفافية الظاهرية، والقواعد الموضوعية واتباع أسلوب الإعلان المفتوح عند الحاجة إلى شغل وظائف شاغرة، كان دائما هناك شبه يقين بأن فرصة المواطن الإنجليزي (الرجل) أفضل من (المرأة)، وفرصة الإنجليزي الأبيض أحسن من الإنجليزي الأسود. وفى كل الأحوال تكون فرص الأوروبى أكبر من الآسيوى والأفريقي، رغم كل مايبدو ظاهريا أن هناك إجراءات حازمة للحد من التمييز العنصري. ومع اعترافى بأن المجتمع الإنجليزي من أكثر المجتمعات تقبلًا للآخر، وأن نسبة التمييز أقل في المستشفيات وفى المؤسسات التعليمية عن الحياة العامة، إلا أنه لايوجد في أى مجتمع بشرى مساواة كاملة بين كل أفراده. وهو ما زاد من قناعاتى بأن التمييز بين بنى البشر موجود في كل بقاع الأرض وبدرجات متفاوتة، قد تقل أو تزيد ولكنها أبدًا لاتختفي.