الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأزمة.. ومفهوم الأولويات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ حلت تلك الكارثة الكونية الخاصة بكورونا ومفردات إدارة الأزمة أصابها الإضطراب في أطراف المعمورة بحكم الإجتياح غير المتوقع ودرجة تسارعه، فضلًا عن العجز المرتبط بالمواجهة الحاسمة حيث لا علاج بات ولا دواء شافٍ. هكذا بدت سوداوية الصورة التى حصرت المواجهة في سلسلة من الإجراءات الإحترازية التى إختلفت درجاتها ومن ثم ردود أفعالها من بلد لآخر، وفق اعتبارات كفاءة المنظومة الصحية والإمكانات المادية والكثافة البشرية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بل والسياسية أيضًا. ولم تكن مصر المحروسة بمعزل عن كل هذه الأزمات وتداعياتها، بل تم إعلان الدولة من فورها عن تخصيص مبلغ للمواجهة الأولية، مع بعض الإجراءات ذات القرارات الرسمية التى نعلم جميعًا أنها لن تطال الشعب كله. فالبنية السكانية المتباينة في تركيبها والتفاوت البادى في الخدمات بين الريف والحضر وبين الساحل والداخل فضلًا عن العادات والتقاليد وما يستتبعها من سطوة مفردات ثقافة القطيع أحيانًا، كلها بل غيرها كثير قد جعل جهود المواجهة تستلزم مواجهات متغيرة تتفق والطبيعة الخاصة لكل مجتمع صغير بل كل شريحة أصغر. بحيث توارى الوعى الجمعى رغم الجهود الرسمية والفردية والأهلية، ولم يكن مستغربًا أن تتخطى الأعداد المعلنة الإحصاءات التنبؤية بشكل زمانى إستباقى. حيث كان رقم الإصابات المتوقع في منتصف يوليو لبلوغ الذروة هو ذاته المعلن حاليًا في منتصف الشهر الحالى. وكان السؤال الملح على ساحة الأزمة ليس في سبل المواجهة فهى ما تزال على قدم وساق، بل في أولويات المواجهة وظروفها.
نحن نعلم جميعًا أن الوطن يواجه عددًا من التحديات على الصعيد السياسى بحكم الوضع الجيوبوليتيكى لمصر في المنطقة، سواء من إرهاب الشرق أو قلاقل الغرب أو تهديدات الجنوب. وجميعها تستهدف العمق الإستراتيجى للوطن على الجبهات الثلاث، وهذا الإستهداف ترتبط أهدافه عكسيًا بوضعية الجبهة الداخلية. وهو موقف عايشته مصر في أحايين كثيرة عبر تاريخها الطويل. وأحسب أن أزمة كورونا الحالية تستلزم منا وعيًا أكثر من مجرد كونها جائحة داخلية، بل أيضًا تستلزم منا الإحساس بأن الدعم الداخلى للقضايا الخارجية يقتضى منا أن نرفع عن كاهل المعنيين بالدفاع والسياسة الخارجية إنعكاسات مشكلات الداخل. وهنا تأتى أهمية ترتيب الأولويات بدءًا من قضية الصحة ومرورًا بالتعليم وإنتهاءً بالوضع الإقتصادى برمته. 
ورغم تشعب القضية وإتساع مداها فيمكن القول في قضية التعليم مثلًا أن اختبارات السنوات النهائية فضلًا عن الثانوية العامة قد بدأت تطل بوجهها بعدما إنتهت أو كادت مشكلات سنوات النقل. وإذا كانت تصريحات الطمأنة تتوازى مع إجراءات التحصين فما يزال البعض يثير من القضايا الجانبية ما يدفع إلى حالة من البلبلة وتشتيت الجهود. وذات الأمر ينسحب على الإجراءات الصحية الوقائية بحكم ضبابية المشهد المرتبط بالفيروس ذاته وأساليب مواجهته علميًا. في حين طغت قضية تأثر أصحاب الحرف على القرارات الحكومية الإحترازية. وهكذا كلما حاولنا أن نسد بابًا من أبواب الأزمة ينفتح آخر، وكلما تمت خطوات إيجابية موازية في مجال كالثقافة أو السياحة تنادى أصوات بقضايا المصريين في الخارج أو الضمان الاجتماعي أو العشوائيات المحلية مثالًا لا حصرًا. ورغم أن ما يبدو للعيان هى حالة من العمل متوازى الخطوط كل في مجاله فإن ما ينادى به البعض من أهمية تغليب احتياجات القطاع الصحى أو التعليم أو الإسكان مثلًا على غيرها، ليؤكد على أن الأولوية المطلقة هى مصلحة المواطن التى تتحقق بمفهوم الأوانى المستطرقة. فلا تعليم بلا صحة ولا إسكان بلا خدمات ولا لوجستيات دون دخل منتظم ولا هجرة بلا مواطنة ولا سلام داخلى بلا حدود آمنة.. وهكذا.. ولو أدركنا جميعًا تكامل المنظومة لرتبنا المفردات المتاحة وفقًا لأولوياتنا الذاتية في حالة من التكامل الجمعى، الذى ربما يكون لنا بمثابة المدخل العملى للتفاعل الإيجابى مع القضايا القومية الكارثية منها والإعتيادية، وهو تحدٍ لو تعلمون عظيم.