السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نشـوة القلـم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من جديد أُعاود الكتابة بعد توقُّف دام أكثر من عام.. الكتابة هى الفعل المحبب لدي.. دائمًا ما كنتُ أُجيد التعبير بالكتابة أكثر من التعبير بالكلام.. الكتابة تشبه الكلام إلا أنها أبقى.
منذ الصغر تعودتُ أن أكتب، أو بالأحرى أن أنقل، فحينما كنتُ تلميذًا فى المرحلة الابتدائية، كنت فى إجازة نصف العام أُحضر عدة كشاكيل وأُخصص لكل مادة كشكولًا، ثم أنقل ما فى الكتاب بالكشكول المخصص للمادة، وحينما تُستأنف الدراسة أعرض ما كتبته على الأستاذ؛ فيسعد بى ويشجعنى ويُعلى من شأنى، وكنتُ أفعل الشيء نفسه فى إجازة الصيف.. حتمًا كانت كتابة بلا وعى، ولكنها لم تكن من غير هدف.
وحينما تجاوزتُ مرحلة الطفولة اعتدتُ أن أعبر عن مشاعر الحب بالكتابة، فلم أكن أجرؤ على التحدث، وإنما أرسل رسائل غرامية، أظل أُنمق فيها طوال الليل، كنت بارعًا فى التعبير، أتذكر أننى كتبت عددًا كبيرًا جدا من الرسائل، ولكننى لم أرسل منه إلا قليلًا، بل إن بعضًا غير قليل من الرسائل القليلة المرسلة لم يصلنى ردها إلى الآن.
الأكثر من ذلك.. كنتُ أتخيل أننى أكتب إلى شخص هو فى الحقيقة غير موجود، وإنما أكتب إلى خيال، أكتب إلى شبح ليس له ظل، أتعرِف ما معنى أن تكتب إلى الأشباح؟! حتمًا كانت كتابة بلا جدوى، ولكنها لم تكن من غير فائدة.
والآن بعد أن تجاوزت الثلاثين من عمرى ازددتُ بالكتابة شغفًا، بل لا أجد شغفًا فى شيء سواها سوى أن أقرأ، ولم لا، والقراءة والكتابة ما هما إلا شطرا بيتٍ، الفارق بينهما أنك حينما تقرأ لغيرك تقرأ بلسانك، فإذا خَرِسَ لسانُك فلن يسمعك أحد، أما الكتابة فإن بإمكانك أن تخُطَّ بيمينك، فإن أصابها العَجْز فلن تعجز أن تخط بشمالك.
الآن أصبحتُ أكثر وعيًا، أكتب كى أعبر عن دواخلى، عما يدور بخاطرى ويستشعره وجدانى، أكتب بيدى كى أعبر عما لا أستطيع قوله بلسانى، أكتب لنفسى أولًا قبل أن أكتب ليقرأ غيرى، أكتب كى أُمارِس سحرًا خاصا يأخذنى إلى عوالم خفية، أكتب كى انتقل من عالم الواقع إلى العالم الذى ينبغى أن يكون، وكى أتجاوز ذاتى إلى ما أَحْلُم به.
أكتب كى أحتفظ بنسخة منى، نسخة أستطيع أن أطالعها فى مقتبل العمر، فأنظر فيها لأرى ما تغير منى وما بقى، فأنا وأنت منذ عَقْد من الزمن لسنا نحن الآن، بمرور الزمن يتغير فينا الوعى والإدراك، وبتغيرهما يتغير التفكير؛ فتتغير نظرتنا للأمور، وردة فعلنا تجاه المواقف، فتختلف نظرتنا للحياة بأكملها.
وهنا تظهر فائدة النسخة المحفوظة التى كتبتها فى وقت مضى تعبيرًا عن موقف معين وبأفكارى وقتها، وأنظر أأنا ذاك الشخص الذى كتب هذا الكلام، أم أصبحت نسخة أخرى؟! أتغيرتْ فى أشياء قليلة أم كثيرة؟! أم لم أعد أنا، وأصبحت شخصًا آخر لا أعرفه ولا يعرفني؟!
لا، ليست الكتابة وسيلة للتعبير فحسب!! إنها الوجود بحد ذاته، أنا أكتب فأنا موجود، الكتابة هى الذاكرة، هى النسخة الماضية، إلا أننى أخشى الاحتفاظ بنسختى أحيانًا؛ فلربما صرَّتُ شخصًا لا أريده، شخصًا لا يستطيع العودة إلى نسخته القديمة، ولكننى على أى حال سوف أكتب، حتمًا ستكون كتابة بها شيء من الخوف، ولكنها لن تكون من غير لذة. 
هذه هى الكتابة.. تنفيس عن مكنونات النفس.. وتعبير عن المشاعر الدفينة.. وطريقة من طرق الإبداع.. تنهض بالإنسان.. وتسمو بروحه.. وتشبع نفسه.. تشعره باللذة.. وتشعره بالألم.. هى رعشة تسرى فى النفس.. فلا تهدأ دون أن تكتب، ولا تسكن دون أن تنفث السحر.