السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

انسحاب تكتيكي للقوات الأمريكية في العراق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أمريكا تبحث عن انسحاب من تركيا على حساب البديل العراقي 
"البوابة نيوز" تحصل على مسودة المساعدات الاقتصادية للعراق
الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي يعيد ترتيب المنطقة
إيران تخسر أذرعها في العراق ومستقبلا في سوريا واليمن

هل تسعى أمريكا لاعتبار قاعدة عين الأسد العراقية بديلًا عن قاعدة انجرليك التركية؟
خاص العراق 

تواصلت، أمس الأول الجمعة، الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي على مستوى كبار المسئولين من حكومتي البلدين، وظهرت أولى بوادر نجاح تلك المفاوضات، من خلال قرار الولايات المتحدة بخفض القوات من 5200 إلى أقل من 2500، مع بقاء نحو 150 جندي داخل السفارة الأمريكية في بغداد، وفي مقابل خفض عدد القوات الأمريكية على المدى البعيد، تعهدت الحكومة العراقية في البيان المشترك، بالتزامها حماية القوات العسكرية للتحالف الدولي الذي تشكل القوات الأمريكية غالبيتها، وذلك في إطار الترتيبات المعنية حول وجود تلك القوات، وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين خلال باقي الجلسات المتوقع استمرارها حتى يوليو المقبل.
وكانت مصادر عراقية أبدت خشيتها، من أن الولايات المتحدة قد تستخدم الجلسات المقبلة من الحوار وسيلة لمغادرة رشيقة للقوات الأمريكية ولانفصال سياسي محتمل بعد ذلك، لكن محللين سياسيين في واشنطن يرون أن النهج الضاغط من أجل تلبية المطالب الأمريكية، والتهديد بخفض مستوى العلاقات إذا لم تلبَّ هذه المطالب، سيكونان محفوفين بالمخاطر؛ لأن إيران وشركاءها العراقيين سيعملون على ضمان فك الارتباط مع الولايات المتحدة.
وتأتى الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي، في وقت تواصل فيه بعض الأحزاب، وبخاصة كتلة "الفتح" المدعومة من إيران بقيادة هادي العامري الذي انسحب من العمل السياسي، واستقال من مجلس النواب الأسبوع الماضي، التى كانت الأبرز بين الكتل الشيعية التي دعت إلى انسحاب كامل للقوات الأمريكية، في مسعى إلى تقليص النفوذ الأمريكي في البلاد، على أساس بقاء النفوذ الإيراني هو الأكبر والأكثر تأثرًا.
ورغم أن هناك اتفاقيات سابقة بين العراق والولايات المتحدة منها اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008، والتي حددت الفحوى العامة لما سيأتي من مفاوضات حول جدول الأعمال للجلسة المقرر انعقادها في يوليو المقبل في العاصمة واشنطن، إلا أن استمرار المفاوضات أشهرًا عدة قد يجعلها عملية تحيطها بعض الشكوك؛ بسبب قُرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، التي تتزامن مع التحضير لانتخابات جديدة في العراق يعمل رئيس الوزراء الجديد على ترتيبها مع القوى السياسية الفاعلة في البلاد.
وعلى الرغم مما نص عليه البيان الختامي للجلسة الأولى بأن الولايات المتحدة ستواصل خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد القوات الموجودة في العراق، والحوار مع الحكومة العراقية حول وضع القوات المتبقية، وعدم سعي واشنطن إلى إقامة قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق، إلا أن ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى، أوضح عقب الجلسة أن الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية لم يُناقَش أو يُطرح للتفاوض؛ ما يعني أنه من المبكر جدًّا حسم هذه النقطة في الجلسة الأولى، خصوصًا أن هناك شبه توافق مُسبق بين البيت الأبيض والبنتاجون على خفض عدد القوات الأمريكية من 5200 جندي حاليًا، إلى نصف النصف في إشارة واضحة، إلى أن الولايات المتحدة تريد أن تعيد تموضع قواتها في العراق، واتخاذ قاعدة عين الأسد بديلًا عن قاعدة انجرليك التركية، بعد توتر العلاقة مع أردوغان بسبب تصرفاته المهددة لأمن واستقرار المنطقة.
إن نجاح المفاوض العراقي، في إتمام الاتفاق على خفض القوات الأمريكية سيقطع الطريق على حلفاء إيران، وأيضا بقاء جزء من تلك القوات ستكون له ضرورة لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي الذي تزايد نشاطه الإرهابي مؤخرًا في المناطق الريفية والصحراء مع سوريا.
وأيضا فإن قطاعًا واسعًا من السياسيين العراقيين السنة والأكراد والقوى الحزبية في البرلمان، تفهُم أن استمرار وجود القوات الأمريكية، لن يكون فقط مفيدًا من الناحية الأمنية فقط، بل أيضًا من الناحية الاقتصادية، حيث إن التخلي عن الدعم الاقتصادي الأمريكي سيكون بمثابة كارثة محققة، وهو ما عبر عنه بوضوح عبدالكريم هاشم، وكيل وزارة الخارجية ورئيس الوفد العراقي، حين تحدث عن مخاوف بلاده الاقتصادية خلال الجلسة الأولى، في وقت وصلت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها التاريخية؛ ما جعل الدولة التي تعتمد في 90 في المائة من ميزانيتها على عائدات النفط الخام، تكافح من أجل دفع رواتب الموظفين والأجور العامة.
وبحسب مصدر عراقي مشارك في المفاوضات، فإن الخطة العراقية المقدمة للأمريكان تضم نحو 40 نقطة أبرزها: 
- رفع ميزان التبادل التجاري العراقي الأمريكي ليصل خلال 5 سنوات إلى 10 مليارات دولار.
- قرض طويل الأمد بقيمة 5 مليارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية على شكل مشاريع ومبالغ توضع في البنك المركزي العراقي. 
- تقدم الولايات المتحدة منحًا متعددة لمشاريع الطاقة الكهربائية والطاقة النظيفة بقيمة 500 مليون دولار كمنحة عاجلة، وقرض بقيمة 2 مليار دولار مخصص للكهرباء يسدد على 5 سنوات.
- قرض عاجل بقيمة 700 مليون دولار لمواجهة أعباء جائحة كورونا.
- قرض بقيمة 3 مليارات لتطوير البنية التحتية البترولية، وإنشاء مصافٍ بترولية وشبكة نقل بترولية عبر الأردن إلى ميناء العقبة.
- منحة بقيمة 200 مليون دولار للطلاب العراقيين للحصول على درجات علمية في التخصصات الطبية والصناعية والهندسية. 
- إعادة إعمار المدن التي خربها تنظيم داعش، وإعادة ترميم متحف نينوى، وآثار النمرود، وجامع النوري عبر المنحة الإمارتية، ورفعها من 50 مليونًا إلى 150 مليون دولار منحة لا ترد. 
- تقوم عدة شركات مالية أمريكية بمتابعة ملفات الفساد المالية تعاونها شركات محاماة دولية، لمتابعة الأموال العراقية المهربة إلى الخارج، والتي تقدر بنحو 150 مليار دولار.
ويبقى السؤال الأبرز في الجانب الأمريكي، ماذا يمكن أن تستفيد الولايات المتحدة من هذا الحوار الاستراتيجي؟ فهذا الحوار سيتيح للرئيس دونالد ترامب القول في جولاته الانتخابية أنه يفي بتعهداته التي قطعها على نفسه في انتخابات 2016 بالعمل على إعادة القوات الأمريكية من الشرق الأوسط؛ حيث أنفقت الولايات المتحدة 6 تريليونات من الدولارات في حروب لا تنتهي من أفغانستان إلى العراق وسوريا. 
وأن الولايات المتحدة ستتخلى تدريجا عن تركيا، ذلك الحليف المزعج لباقي حلفاء أمريكا في المنطقة، ولكن يبقى ما يثير من أسئلة عديدة حول قدرة حكومة الكاظمي على لجم الميليشيات المدعومة من إيران في العراق، بخاصة في وقت الأزمات والتوترات، خصوصا أن بعض تلك الميليشيات ما زالت تهدد الحوار العراقي الأمريكي بإطلاق صواريخ على مقر السفارة الأمريكية في بغداد.
المسئولون الأمريكيون لم يخفوا قلقهم حيال الميليشيات العراقية التابعة لإيران، وعبر عن ذلك ديفيد شنكر حين قال "إن المجموعات المدعومة من إيران تعمل ضدنا عبر تأجيج الطائفية والتطرف والإرهاب"، مؤكدًا أن النقاشات مع الجانب العراقي تطرقت إلى هذه المسألة من دون أن يتحدث عن الخطوات التي يمكن الحكومة القيام بها، باستثناء تعهدها بحماية القوات الأمريكية.
وبحسب مصادر عراقية متعددة أعربت عن أملها في نجاح الحوار الاستراتيجي، لكنها قالت إنه على الولايات المتحدة توسيع دائرة تعميق العلاقات بين البلدين، وألا تكرر تجربة الولايات المتحدة في العراق بعد عام 2003 أن التعامل مع رئيس الوزراء أو السلطة التنفيذية، مهما كانت أهميته، ليس كافيًا، فهناك جهات فاعلة رئيسة تستطيع واشنطن أن تتشارك معها لتعزيز العلاقات.
وأضافت المصادر أن الانتكاسات التي عاشها العرب السنة قبل وبعد الصراع العسكري مع "داعش"، بسبب موقف أمريكا الضبابي وقبولها بما جرى لمناطقهم من تدمير، لكنهم يرون أن العلاقات تحسنت منذ ذلك الحين.
في المقابل قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إن العراق يملك فرصة من خلال الحوار مع الولايات المتحدة، للخروج من أزمته الحالية. 
لكن مراقبين عراقيين رأوا في خطاب الكاظمي، بأنه لم يكن خطابا شجاعا، ويقترب إلى الخطابات الصوتية التي تدعي الإصلاح ولا تملك رؤية وخطة، بينما قال سياسيون إن الخطاب افتقد للكياسة عندما هاجم الكاظمي عددًا من المسئولين السابقين، وزج باسم المرجعية في قضايا سياسية (موضوع الحوار العراقي الأمريكي)، بينما يمر العراق بمخاض صعب مع حكومة بدأت قراراتها متخبطة من خلال خصم نسبة من رواتب المتقاعدين، وهو ما أثار الشارع العراقي خلال اليومين الماضيين؛ الأمر الذي دفع حكومة الكاظمي للتراجع عن هذا القرار.