السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

«Da 5 Bloods».. سبايك لي مغتربا بين الماضي والحاضر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"بعد أن تخوض حربا، تدرك أنها لا تنتهي أبداً، سواء في مخيلتك أو في الواقع، إنها تستمر بدرجات وحسب".

يأتي فيلم سبايك لي الجديد "Da 5 Bloods" في وقت عصيب ومضطرب يعيشه الداخل الأمريكي عقب حادثة مقتل المواطن ذو الأصول الأفريقية جورج فلويد على يد مجموعة من أفراد الشرطة، وهو ما أضفي أهمية على شريط هذا المخرج المخضرم الذي يسير في هذا الدرب منذ الثمانينيات.

يتعامل الفيلم، الذي ظهر في هذا التوقيت المناسب، مع مشاعر الندم والحزن والجشع، إلا انه يجد طريقه لمعالجة قضايا واقعية يعيشها مجتمع السود في أمريكا ويضطر لمواجهتها بين الحين والأخر.
يدور الفيلم حول مجموعة من قدامى المحاربين يعودون إلى فيتنام لاستعادة رفات أحد اصدقائهم الذي قتل أثناء الحرب، وأيضاً للحصول على صندوق من الذهب كانوا قد عثروا عليه ودفنوه سراً قبل عقود طويلة خلال المعارك. لكن هل سيتم استخدام هذا الكنز لأنفسهم أم لأخرين؟

على غرار أفلامه السابقة، يبدأ "Da 5 Bloods" بمشهد افتتاحي للقطات تلفزيونية باستخدام ابعاد الشاشة 4:3، يظهر خلالها محمد على ومالكوم اكس ومارتن لوثر كينج وأنجيلا دافيس، يتحدثون عن وضع مجتمع السود في الولايات المتحدة. تتقاطع هذ الخطب مع مشاهد مروعة من عمليات القتل والمذابح والانتحار في كل من أمريكا وفيتنام خلال فترة الحرب بين البلدين. ثم تتسع الشاشة وتأخذ ابعاد 16:9 المعتادة للانتقال إلى الزمن الحاضر.

"جعل المألوف غريبا"
لجأ سبايك لي إلى سرد القصة معتمدا على التغريب البريشتي، والذي يتمثل ببساطة في جعل المألوف غريبا بغرض اثارة الرغبة في التغيير لدي المشاهد.
إن عنصر التغريب، الذي ابتكره الكاتب المسرحي برتولد بريشت، يهدف إلى طرح المشاكل التي يعاني منها المجتمع في صورة مغربة، بعيدة عنه وعن واقعه اليومي، بهدف التفكير والنقد بشكل موضوعي بعيداً عن العاطفة. ولكي يحقق سبايك لي عنصر التغريب على مستوي النص، استعان ببعض الوسائل الأساسية التي تمكنه من فعل ذلك.

استخدم "لي" الزمن البعيد (الماضي) ليروي قصة تدور أحداثها في الوقت الحاضر، وبذلك يكون قد حقق عنصراً أساسياً من عناصر التغريب، حيث يقوم بتقديم الحدث الواقعي على أنه تاريخي، على الرغم من أن الاثنين ذات صلة ورابط وثيق. كما ساعد اتساع الرقعة الزمنية للأحداث (التنقل بين الماضي والحاضر) على تكوين خلفية اجتماعية متعددة الأبعاد، ما يعطي صورة كلية ونظرة كلية للقضية المطروحة.

وظف كذلك اللغة والحوارات لإبراز التناقضات ما بين الشخصيات، ما جعلها في صدام دائم مع بعضها البعض. ففي الوقت الذي يظن فيه هؤلاء الجنود المتقاعدين أن صفحة الحرب قد طويت بين طيات الذاكرة، تأتي هذه الرحلة بمثابة اضطراب ما بعد الصدمة لتعيد لأذهانهم ذكريات الحرب الأليمة وتاريخ وحقوق مجتمع السود، وأيضاً لإثارة أفكار نقدية حول جدوى هذه الحرب من الأساس.

ولا تخلو أفلام سبايك لي من نبرة السخرية على الواقع، حيث تم الإشارة إلى عدد من الأفلام، منها "رامبو"، التي وظفتها هوليوود لتبيض وجه أمريكا وغسل أيديها الملوثة بدماء الأبرياء جراء هذه الحرب. إلا أنه في الوقت ذاته يقدم التحية لملحمة فورد كوبولا "Apocalypse Now" بعدد من مشاهد شريطه السينمائي، بداية من أحد الحانات التي سميت تيمنا بالفيلم، واستخدام موسيقي "فاجنر" في مشاهد الأنهار، ومشهد الطائرة الأسطوري التي تحلق أمام الشمس.

يطرح "لي" عدد من التساؤلات الهامة خلال الفيلم حول ازدواجية المعايير الأمريكية التي لا تمانع ارسال الملايين من مواطنيها السود للمحاربة باسمها والدفع بهم في الصفوف الأولي للقتال، بينما في أوقات السلم يعيشون على الهامش ولا يجدون مفراً من العنصرية. لذلك استخدم رمزية "الذهب" للإشارة إلى حق هذا المجتمع الذي سلب على مدار مئات السنين وأن الوقت قد حان لاسترجاعه.

الأداء التمثيلي بالفيلم في أعلي حالاته، خاصة إذا تحدثنا عن الممثل البريطاني ديلروي ليندو، الذي برع في اظهار لحظات الألم والفقد والجنون في بعض الأحيان. ولست متفاجأ إذا تم ترشيحه لجوائز الأوسكار العام المقبل، حال اقامته.

كما برع المصور السينمائي نيوتن توماس سيجل (Bohemian Rhapsody، Drive، Three Kings، The Usual Suspects)، في بناء عوالم متعددة الأوجه، بفضل التوظيف الجيد لمشاهد الطبيعة في الغابات الفيتنامية، والمزج بسلاسة بين أبعاد الشاشة 4:3 في سلسلة من مشاهد الفلاش باك ابان الحرب وحاكي خلالها جماليات لقطات نشرات الاخبار والقسوة في اظهار تضحيات الجنود، وابعاد 16:9 التي تشير للزمن الحاضر، واستخدمها لإبراز جمال الطبيعة الفيتنامية. ما يؤهله للمنافسة وبقوة على جوائز الأوسكار أيضاً.