الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مأساة بيدق الشطرنج

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جلست أمام رقعة الشطرنج، أرتب قطعة بدءا من الملك، فمن يملك العقل قادر على تحريك أي قطعة مهما علا شأنها، لكن ما جذبني وأخذت التفكير فيه هو بيدق "عسكري" الشطرنج ربما لأن بداياته وبيئته وظروف حياته تتشابه مع الأغلبية العظمى منا.
أنا أعتبر حياة عسكري الشطرنج مأساة بكل معاني الكلمة وإن كان هو بنفسه لا يراها ذلك.
فهذا العسكري أو البيدق أكثر القطع الموجودة "عزوة" له ١٥ من الأخوة وأولاد العمومة والأقارب على القطعة.. ثمانية منهم أعداء له إذا قابلوه قتلوه، وسبعة منهم متراصين بجواره دون فائدة فحركتهم تطابق حركته ومادام ليس هناك تنوع في التفكير أو الحركة فمائة بيدق كواحد.
هذا البيدق المسكين لا يملك الرجوع إلى الخلف حتى وإن كان قرار التقدم خطأ هو مدفوع.. مسير لا مخير. وضعت له حركتين في البداية لخداعه أنه يمكنه التحرك كبقية قطع اللعبة كما وضعت له بعد الصلاحيات كأسر أي قطعة أخرى إن سنحت له الفرصة، وهذا لا يحدث فكل القطع تعتبره عارا أن تخرج من رقعة الشطرنج على يد بيدق.
ومع كل هذا نحن نعاني حماسة البيادق الزائفة في رقعة الحياة، نعاني من تصديقهم للخيال وتناحرهم وتآكلهم.. نعاني من اختيالهم بأنفسهم واغتيالهم لأنفسهم.
عبارة يا بيادق الشطرنج اتحدوا قالها ذات مرة "ملك" كان قد مات وزيره وتهدمت قلعته، كانت وعوده وعروضه سخية إذا تم إنقاذه وعودة الهيبة له، "كشة" واحدة كانت كفيلة أن تنهيه لكن البيادق تقاتلوا حتى نجا من ال١٦ أربعة وفي لحظة الاحتفال بالنصر وعلى منصة تتويج الأوائل استبدلهم الملك بوزير وفيل وحصان وقلعة.
صنعها البيادق ولم يحصدوا حتى الهتاف، الغريب في اللعبة أنه رغم انتهاء اللعبة كل مرة بهذه الطريقة، تجري البيادق لتتراص في "دور جديد" ولديها أمل لا أعرف من أين أكتسبته أنه في هذه المرة سيحكم أحدهم أي بيدق منهم رقعة الشطرنج وسينصاع الملك وحاشيته لأمره. أشلاء البيادق على جانبي الرقعة صور مكررة.
لحظة صدق واحدة يحتاجها البيدق ليعيش سالما أو يشارك في اللعبة على قدر قوته، لو أدرك أنه الأضعف لتجنب الصدام وانتظر الموت الآتي لا محالة دون جلبة لا يبقى منها غير "في داهية ده بيدق غلبان أهم حاجة الملك عايش"، أو لقاتل برغم إمكانياته المتواضعة ليخلد في الذاكرة كبيدق حاول أن يغير قوانين اللعبة ويكفيه أنه حاول.
لحظة النصر لا تكون لمن لا عقل له لا تكون لبيدق متهور أرعن طامح طامع وليس لديه حيلة ولا إمكانيات، لحظة النصر لمن عرف قدره ومقدرته ولم ينخدع بكثرة الأعداد من حوله، لحظة النصر لمن أدرك أن الحرب على رقعة الشطرنج معركة وعي وليست معركة اندفاع.
البيادق الآن تهلل لمن أوشك أن يترقى "فيل أو طابية* لكنهم لا يدركون أنه بعد الآن لن يكون منهم سيتغير وضعه على الرقعة وتتغير حركته وسيضحي بهم لكي لا يعود مرة أخرى بيدقا مثلهم.
حتى أحلام البيادق يجب أن تكون محسوبة ومحددة حتى لا تتحول إلى مأساة. 
سيأخذ كل واحد منكم حديثي على محمل بتدبر، إلا البيادق ستهلل بالسلب أو الإيجاب فتلك عادتهم.