الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورونا واقتصاد المعرفة والتمكين الرقمي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يدين العالم للعلماء بكل ما أنجزته البشرية من إبداعات واختراعات وابتكارات في مختلف ميادين الحياة عبر تاريخها الطويل؛ فالثروات المختلفة كانت موجودة في باطن الأرض منذ آلاف السنين، والشمس والرياح والبحار والأنهار كانت موجودة منذ فجر التاريخ، إلا أن هذه المصادر كانت نسيًا منسيًا، ولم تتحول إلى طاقة بشكل عفوى أو نتيجة للصدفة، وإنما نتيجة لمجيء الإنسان المتعلم الذى اكتشفها ووظفها في كل مناحى الحياة، بعد أن تم تربيته على إعمال الفكر وتشغيل العقل وحتى التجريب والتطبيق، وهو ما يعرف الآن باقتصاد المعرفة الذى انعكس على تطور الاقتصاد وتوليد الثروة وتقدم المجتمعات وتحسين حياة الإنسان.
ومنذ نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحالى ونحن نعيش في ظل نظام عالمى جديد لا شىء فيه ثابت أو دائم، نظام تسوده ثورات تكنولوجية ومعلوماتية غير مسبوقة، أفرزت للبعض مكاسب هائلة، وللبعض الآخر أزمات طاحنة، وتحديات متنوعة، تركت انعكاسات جد خطيرة على كل مناحى الحياة من خلال تنامى دور التكنولوجيا في تسيير عمل المؤسسات، والإنتاج الرأسمالى الضخم، وترسخ مفهوم العولمة، والتحول الرقمى، واقتصاد المعرفة، وتصاعد حركة التنافسية الدولية وصدور تقاريرها والاعتداد بنتائجها. 
وفى ضوء ما يشهده العالم حاليًا من تطور غير مسبوق في رأس المال المعرفى، تطورت مستحدثات العلم وتعاظمت، وتشابهت مخرجات التكنولوجيا وتشابكت، وعليه زادت طموحات البعض وتضخمت، بينما اضمحلت عند البعض الآخر وتراجعت، ومن ثم صار متخذو القرارات في معظم المؤسسات الصغيرة والدول الفقيرة في حيرة من أمرهم، بينما صار أقرانهم في المؤسسات الكبيرة، والدول المتقدمة في سعادة بالغة ونشوة غامرة نظرًا لما قدمته التكنولوجيا لهم من حلول أشبه بالمعجزات، وما جلبته عليهم من نفوذ، وتدفق في الأموال، وسرعة ودقة في إنجاز الأعمال.
وإذا كان الرباعى المتمثل في (رأس المال، والعمل، والأرض، والتنظيم) يشكل العناصر الرئيسة للعملية الإنتاجية في الاقتصاد التقليدى، فإن المعرفة بما تتضمنه من ذكاءات وإبداعات ومعلومات تمثل المكون الأساسى والجزء الأكبر من القيمة المضافة في العملية الإنتاجية "لاقتصاد المعرفة". ويعد الاقتصاد اقتصادًا معرفيًا بسبب تفوق أعداد العمالة في القطاعات المعرفية أعدادهم في القطاعات الاقتصادية الأخرى؛ حيث إن التوسع في الاستثمار المرتبط ببناء رأس المال المعرفى غالبًا ما يوفر فرص عمل كثيرة ومتنوعة في مجالات متقدمة ترتبط بنشاطات المعرفة.
وطبقًا لتقديرات الأمم المتحدة في هذا السياق فإن اقتصاد المعرفة يساهم في الوقت الحالى بما يزيد على 7% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، وينمو بمعدل سنوى لا يقل عن 10%، ويصل إلى حوالى 50% من الناتج الإجمالى للدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبى، وتتمثل أهمية هذا الاقتصاد في قدرته على تحويل الدول الفقيرة إلى دول متطورة وحديثة من خلال تقليل الاعتماد على الموارد الطبيعية، وتحسين الأداء، وزيادة الإنتاجية، وتطوير نوعية الإنتاج، وتقليل تكاليفه، ودعم الدخل القومى، وزيادة الدخل الفردي. 
وحيث إن العالم صار اليوم يتعامل مع صناعات معرفية تمثل البيانات موادها الأولية، والأفكار منتجاتها، والعقل البشرى أداتها، وحيث إن البشرية بذلك دخلت في عصر جديد يركز على دمج الاختراعات في الاقتصاد، والإبداع في التكنولوجيا، الأمر الذى أدى إلى بزوغ مفاهيم جديدة مثل الاقتصاد الرقمى والتجارة الإلكترونية، وحيث إن الطلاب يمثلون الأدوات الحقيقية للتنمية في المستقبل، فقد صار في ضوء كل ذلك لزامًا على الدولة بكل مؤسساتها القيام بدور فاعل في غرس مبادئ الثقافة المعلوماتية تعليمًا وتطبيقًا لدى هؤلاء الطلاب، من خلال دمجها مع برامج إعداد المعلم وتدريبه، وتدريب المتعلم وتجهيزه، وكذا مع المقررات الدراسية، وبرامج الإدارة التربوية، وهو ما يطلق عليه التحول إلى" التعليم الرقمي".
وحيث إن التعليم الرقمى أصبح اليوم في ظل جائحة كورونا التى يمر بها العالم يمثل مطلبًا مهمًا لحقبة من الزمن صار العالم يطلق عليها "حقبة العصر الرقمي" فقد وجدت مؤسسات التعليم نفسها أمام العديد من التحديات، منها: ضعف البنية التحتية للاتصالات في مؤسسات التعليم، والحاجة إلى وجود شبكة إنترنت بسرعة مقبولة، وضرورة تدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا المتقدمة في التعليم وتغيير أدوار المعلم بحيث يصبح مُيسِرًا للمعلومات، ومُطوِرًا للمقررات، ومُوظِفًا للتكنولوجيا، ولديه القدرة على العمل في فريق.
ولما كان التعليم ولا يزال وسيظل من أكثر المهمات خطرًا، وأعمقها اتصالًا بآمال المواطنين وطموحاتهم، وأوثقها ارتباطًا بمصالح الناس، ومقاييس تقدمهم، فقد تفاقمت المسئولية الملقاة على عاتق المؤسسات التعليمية في تكوين النشء وإعداده للمستقبل في ظل المستحدثات التكنولوجية والظروف الحالية سالفة الذكر، الأمر الذى يتطلب ضرورة مراجعة النظام التعليمى في إطار مرجعيات وطنية ودولية بما يدحض مقاومة التغيير المدفوعة من البعض بشعور الأمان، والبحث عن أسباب التقدم والتعامل مع الكوارث والأزمات، وتعزيز برامج التوأمة بين مؤسسات التعليم المصرية والدولية، انطلاقًا من مبدأ المعاملة بالمثل والمنفعة المشتركة.
ولما كانت كليات التربية بمختلف أنواعها من أكثر الكليات إن لم تكن أكثرها التصاقًا ببناء رأس المال المعرفى، لذا فإننى أرى أن هناك التزامًا على الدولة أن تدعمها تكنولوجيا، وأن ترفع من قدراتها التنافسية، وأن توليها كامل رعايتها، وأن توفر لها - بقدر طاقتها - شرايين الحياة الجوهرية التى تمكنها من القيام بدورها في تحقيق قيم مضافة أعلى في طلابها وخريجيها، وأن يكون الإنفاق على التعليم بها تعبيرًا عن اقتناع بأن ثماره عائدة في منتهاها إلينا، وأن التعليم بها يمثل تشكيلًا للعقول، وإعدادًا للحياة، وتعميقًا للانتماء لدى طلاب هذه الكليات كى يتمكنوا بعد تخرجهم من غرس هذه القيم في طلابهم بالمراحل الدراسية المختلفة. 
وأخيرًا فإننى أرى أيضًا أن الانطلاق في اقتصاد المعرفة والتمكين الرقمى ومواجهة ظروف الجائحة الحالية يتطلب من الدولة إجراء زيادة حاسمة في الإنفاق على التعليم وتعزيز المعرفة في مؤسساته ابتداءًا من المدرسة الابتدائية وصولًا إلى التعليم الجامعى، كما يتطلب من المستثمرين إدراك أهمية اقتصاد المعرفة، وذلك بالمساهمة في تمويل جزء من تكاليف البحث العلمى، والابتكار، وتعليم العاملين لديهم ورفع مستوى تدريبهم وكفاءتهم.