الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الدكتور القس نصرالله زكريا يكتب: عيد حلول الروح القدس

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُصادف اليوم الأحد السابع بعد أحد القيامة، وهو اليوم الخمسين، وهو اليوم الذي حلَّ فيه الروح القدس على التلاميذ، وكان بداية انطلاق الكنيسة في العهد الجديد، يُسجِل الوحي المقدس، "وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ .. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرّوح الْقُدُسِ".
يُعتبر يوم الخمسين أحد أهم أعياد شعب الله في القديم، عيد الفصح، وعيد الخمسين، وعيد المظال، حيث يوصي الرب شعبه قائلًا: «ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي السَّنَةِ يَحْضُرُ جَمِيعُ ذُكُورِكَ أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي المَكَانِ الذِي يَخْتَارُهُ فِي عِيدِ الفَطِيرِ وَعِيدِ الأَسَابِيعِ وَعِيدِ المَظَالِّ. وَلا يَحْضُرُوا أَمَامَ الرَّبِّ فَارِغِينَ" (تثنية 16: 16).
وقد أطلق الكتاب المقدس على "يوم الخمسين"، ثلاثة أسماء، "عيد الحصاد" (خروج 23: 16)، "عيد الأسابيع" (عدد 28: 26)، "يوم الخمسين" (لاويين 23: 16)، كان عيد الخمسين في البدء عيدًا زراعيًا، فيه يُقدم الحضور للرب من خير الحصاد الجديد الذي فاض به عليهم؛ وكما لاحظنا أنَّ في هذا العيد يحضر أمام الرب جميع الذكور، وهذا يفسر لماذا كانت أورشليم في ذلك اليوم ممتلئة ومزدحمة، فقد كان الحضور غفيرًا، من كافة أرجاء المسكونة يحضر المُعيدون ليُعيدوا أمام الرب، وليقدموا للرب تقدمة.
كان «يوم الخمسين»، عيدًا يرمز للخير والعطاء وحصاد القمح لدى شعب الله القديم. ولكنه في العهد الجديد، أصبح يرمز للخلاص من الشر والخطيّة، وحصاد النفوس البشرية التي قبلت الرّب يسوع مخلصًا شخصيًا لحياتها، وقد كان حصاد ذلك اليوم خلاص "نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ" وانضمامهم إلى الكنيسة.
لعلنا نتساءل اليوم، ما الذي حدث للكنيسة؟ أين الكنيسة من قوة الروح القدس؟ أين الكنيسة من الشهادة والكرازة للعالم المُحيط بنا، العالم الذي يصرخ مع المكدوني في رؤية بولس: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!» (أعمال 16: 9)؛ مَن منا لا يحلم بيوم خمسين يملئ الكنيسة بقوة الروح القدس، وبفاعلية في شهادتنا، وبتغيير حقيقي في حياتنا؟
لكن دعوني أناقش بعض الأفكار التي ربما تساعدنا لنُعيّد يوم الخمسين، ونختبر قوة جديدة في حياتنا وبيوتنا وكنيستنا، ولنخرج فرحين بعمل الرب في حياتنا.
أولًا: ماذا يتوجب علينا ككنيسة وكأفراد حتى نختبر قوة الروح القدس في حياتنا؟
ثانيًا: ماذا حدث في ذلك اليوم العجيب؟
ثالثًا: لماذا نحتاج للروح القدس في حياتنا؟
أولًا: ماذا يتوجب علينا ككنيسة وكأفراد حتى نختبر قوة الروح القدس في حياتنا?
يُسجِل الكتاب ما كان عليه التلاميذ قُبيل حلول الروح القدس، فيقول: "وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ .. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرّوح الْقُدُسِ"، وفي الإصحاح الأول يقول: “وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ. هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ مَعَ النِّسَاءِ وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ وَمَعَ إِخْوَتِهِ” (أعمال 1: 13، 14). وهنا لي بعض الملاحظات:
1. كان الجميع معًا، "كانوا متواجدين كلهم في مكان واحد". هذا "المكان" هو العلية (أعمال 1: 13)، "حيث أقام يسوع مع تلاميذه العشاء الأخير (مرقس 14: 12، 22-25)، وحيث ظهر لهم بعد قيامته من الموت (يوحنا 20: 19)؛ هذه العلية باتت "بداية" الكنيسة الناشئة، كان من الممكن أن يحلَّ الروح القدس على التلاميذ أفردًا، ولم يكن شرطًا أن يكونوا معًا ليحلّ عليهم، بالتأكيد هناك أوقات يلمس فيها الروح القدس الفرد الذي هو وحده في الصلاة أو العبادة أو الخدمة للآخرين. لكن حقيقة أنَّ الروح قد أعطي للتلاميذ المجتمعين معًا ليست عرضية. إنه يؤكد على مركزية الكنيسة في عمل الله في العالم.
لقد تأثرنا بفردية الثقافة، والاجتماعات المتخصصة، كما لو كانت الكنيسة مفيدة ولكنها غير ضرورية. يبدو أننا نعتقد أنه طالما لدينا علاقة شخصية مع الله، كل شيء آخر هو ثانوي؛ إنَّ عيد حلول الروح القدس يدعونا للنظر في مشاركتنا في شركة الكنيسة وعبادتها وخدمتها. لقد حان الوقت لتجديد التزامنا بالعيش كأعضاء في جسد المسيح.
2.كانوا يواظبون على الصلاة، لا يسلَّط سفر أعمال الرسل الضوء على المكان بقدر ما يُسلِط الضوء على حالة التلاميذ الداخلية، "كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ" (أعمال 1، 14). وبالتالي فإن اتفاق التلاميذ هو الشرط لكي يأتي الروح القدس؛ وركيزة الاتفاق هي الصلاة. الجماعة المصلية هي العلامة المميِّزة للجماعة المسيحية الأولى في أعمال الرسل.
يُقال "أنَّ الركب الساجدة أقوى من الجيوش الزاحفة"، أين اجتماعات الصلاة في كنائسنا، أين حياة الصلاة؟ أليس من المؤسف أنَّ يُقال عن اجتماعات الصلاة في كنائسنا اليوم أنها مملة؟ الصلاة هي المفتاح للنهضة وللنمو العددي والنّوعي والرّوحي. فالرّوح القدس يريد أن يعمل معنا وفينا، فقط إن وضعنا أمامه كل طلباتنا في صلاة حقيقية وبمواظبة.
3.كانوا معًا بنفس واحدة، تكررت عبارة "بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ" في (أعمال 1: 13، 2: 1)، لتُشير إلى أنَّ التلاميذ كانوا في حالة اتفاق وانسجام، كان عندهم فكرٍ واحد، وتوقعاتٍ مشتركة، ونفس الرّوح والعواطف؛ كانوا في حالة طاعة لربهم وسيدهم الذي طلب منهم ألا يبرحوا أورشليم إلى أن يلبسوا قوة من الأعالي (أعمال 1: 8)، فكانوا معًا لأن محبّة للرب المقام ومحبّتهم لبعضهم البعض قد جمعتهم، وهكذا في وحدتهم اختبروا قوة وحلول وملء الروح القدس.
لكن من المُلاحظ أيضًا أنهم كانوا مجتمعين دون تمييز جنسي، فكان التلاميذ ومعهم العديد من النساء، لقد أدركوا أنهم في المسيح “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى .." (غلاطية 3: 28)، لقد أدركوا أنّ العديدين مدعوّون ليصيروا واحداً، كم من مرات نجتمع فيها معًا، ولكن دون قلبٍ واحد، أو نفسٍ واحدة، نجتمع معًا لكن ربما لنختلف معًا، أو لنؤكد وجهات نظرنا دون معرفة اهتمام الله بأن نكون جسده، الواحد، نعم جسد المسيح أعضاء متنوعة، لكنها تعمل معًا، بنفس واحدة، وحينما نكون معًا بنفس واحدة نهيئ أنفسنا لعمل روح الله فينا وبنا.
ثانيًا: ماذا حدث في ذلك اليوم العجيب؟
يكتب سفر الأعمال في وصف ما حدث: "وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السّماء صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرّوح الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرّوح أَنْ يَنْطِقُوا"؛ يستخدم كتاب أعمال الرسل لوصف حلول الروح القدس عدة صور: صورة ريح عاصفة وصورة النار والتكلم باللغات.
1. صورة ريح عاصفة: يشير أعمال الرسل بصورة العاصفة إلى ظهور الله في سيناء، الذي يتحدث عنه سفر الخروج (19: 16 – 19) والتثنية (4: 10) وهي علامة للجبروت الإلهي. كل من الكلمات العبرية واليونانية للرياح والروح هي نفسها. في حزقيال 37، أمر الله النبي حزقيال بالتنبؤ على تلك العظام اليابسة، وعندما فعل ذلك، جاء دبت الحياة فيها. في يوحنا 3، تكلم يسوع مع نيقوديموس عن الحاجة إلى أن يولد من الروح. وأوضح أن "اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا لَكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هَكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ».(3: 8). الروح القدس، مثل الريح، هو قوة هائلة، لا يمكننا رؤيته. يمكننا أن نرى فقط آثاره. واحدة من أقوى آثاره هو عندما يضفي الحياة الروحية لأولئك الذين ماتوا في خطاياهم.
2. صورة النار: بهيئة ألسنة "كأنها من نار" حل الروح القدس على التلاميذ في صباح العنصرة وملأهم منه (اعمال 3: 2-4). في جميع أنحاء الكتاب المقدس، ترمز النار إلى حضور الله المقدس، كما كان في العليقة، وفي عامود النّار. كما ترمز النار الى قدرة أعمال الروح القدس. بشَّر يوحنا المعمدان بالمسيح معلنًا أنَّه هو الذي "سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار" (لو 3:3: 16)؛ جاء الروح القدس كما بألسنة من نار، واستقرت ألسنة النّار على كل واحد منهم، حيث امتلأ الجميع من الرّوح القدس. أي أننّا نجد هنا بداية علاقة حية وشخصية وقوية ووجدانية بين المؤمنين أنفسهم، وكذلك مع الله.
ألسنا بحاجة إلى قوة ونار الروح القدس لتخلصنا وتُغيرنا وتنقينا
3. التكلّم باللغات: هي صورة من المواهب الروحية التي نجدها لدى الجماعات المسيحية الأولى وإن كان الكلام بالألسن غير مفهوم في ذاته (1كورنثوس 14: 1-25)، إلا أن جميع الحاضرين فهموه. وهذه المعجزة، القائمة في الاستماع، تدل على انتشار الجماعة المسيحية لتشمل كافة الشعوب.
حلول الرّوح القدس يعني إعطاء الكنيسة القدرة على الاتِّصال والحوار بين النّاس في العالم. نعرف من قراءة سفر التّكوين 1:11-9 أن شعب العالم الذي جاء من نسل نوح قد تفرّقوا في بابل، وأصبحت اللغة الحاجز الأساسي الذي يمنع اتصال الشعوب ببعضها البعض. وفي يوم الخمسين، حطّم روح الله هذا الحاجز، فانطلق التلاميذ مبشرين بالمسيح المقام في لغةٍ وأسلوبٍ فهمه العالم آنذاك، حتى قيل أنَّهم فتنوا المسكونة (أعمال 17: 6)، وأن رسالة المسيح وصلت إلى بيت قيصر (فيلبي 4: 22).
إنَّ ما حدث في يوم الخمسين كان تحقيقًا لمواعيد الله (يوئيل 2: 28، 29؛ يوحنا 15: 26؛ أعمال 1: 5، 8)
ثالثًا: لماذا نحتاج للروح القدس في حياتنا؟
1. أننا بحاجة إلى الرّوح القدس لأننا بحاجة إلى أن نتغير، حل الروح القدس على التلاميذ على شكل ألسنة من نار، والسؤال هنا، لماذا كانت النّار حاضرة عندما استلم المؤمنون الرّوح القدس؟ والجواب ببساطة هو أن النّار رمز للتغيير، فالنّار تغير كل شيء تلمسه أو تشعله. فالحطب يحترق. والطعام ينضج. والمعادن تتفاعل. والحديد يذوب ويتشكل، وغيرها من الظّواهر التي تغيرها النّار.
2 إننا بحاجة إلى الروح القدس ليضمن وحدتنا إن الرّوح القدس فقط هو الذي يُوحِّد الأفراد ليصبحوا كنيسة حية وفعالة ومؤثرة في العالم. أجل أيها الأحباء: لن يتغير المجتمع إن لم تتغير الكنيسة أولًا بقوّة الرّوح القدس.
3. نحن بحاجة للرّوح القدس لأننا نحتاج قوّة للشهادة، قال الرّب يسوع لتلاميذه في أعمال الرّسل 8:1 "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قوّة مَتَى حَلَّ الرّوح الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ".
نحن كمسيحيين وكمؤمنين نعمل اليوم باجتهاد على تسيير حياتنا الرّوحية، ولكننا نعمل بقوتنا الشخصية، غير عالمين أننا بحاجة إلى مصدر للطاقة من أجل العمل. نحن بحاجة إلى الرّوح القدس لنخدم الرّب بقوّة وثقة، لكن رسالة أعمال 1: 8، بسيطة ومباشرة جدًا، بدون الرّوح القدس لا يستطيع أي إنسان في الوجود أن يعظ أو يبشر بالإنجيل كما يريد الله له أن يعمل.
ختامًا
إنَّ حلول الروح القدس جعل الرسل يفهمون رسالة الصليب والمصلوب، ومنحهم الجرأة والشجاعة للكرازة والشهادة للمحيطين بهم، فخلص في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس.
إنَّ بقاء الكنيسة واستمرارها هو بفعل الروح القدس الذي يديرها ويرشدها، ويُقيم لها الرجال والنساء يعلمون الحق ويصلحون الخلل ويقومون المسيرة، وبفضلهم وبقوة الروح القدس بقيت كنيسة المسيح صامدة وراسخة وغير متزعزعة.
ما أحوجنا اليوم للروح القدس الذي يحفظ تنوعنا واختلافنا في روح الوحدة، الذي يمنحنا القدرة على الحوار والتواصل مع مجتمعاتنا، للشركة الحقيقية والصلاة معًا بنفس واحدة، ما أحوجنا لملء الروح القدس.