الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

محافظات

في الذكرى الـ45 لإعادة افتتاح قناة السويس.. «البوابة نيوز» تلتقي أبطال «ملحمة التطهير»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحتفل هيئة قناة السويس اليوم بالذكرى ٤٥ لإعادة افتتاح المجرى الملاحى أمام حركة التجارة العالمية بعد فترة إغلاق دامت ٨ سنوات بسبب العدوان الإسرائيلى على مصر في ٥ يونيو ١٩٦٧ وفور انتهاء حرب أكتوبر ١٩٧٣ سارعت مصر في إزالة آثار العدوان الإسرائيلى وطورت المجرى الملاحى في ملحمة شهد لها العالم أجمع.
«البوابة» التقت أبطال ملحمة التطهير ليرووا شهاداتهم، ٢٥ رجلا نجحوا في رفع ٣٥ ألف طن من القطع الغارقة التى شملت ١٣٠ عائقًا متوسطًا و٦٠٠ عائق صغير و٩٩ عائقًا من غاطس السويس بمفردهم، بالإضافة إلى آلاف الأطنان من الألغام وانتشال ٨٥٠٠ جسم متفجر وإزالة ألف جسم متفجر في مداخل القناة وأماكن الانتظار وتفجير قنابل بوزن ٢٠٠٠ رطل وانتشال ٢٠٠ طن من الذخائر بالصالات والقوارب الغارقة وتفجير ٦٨٨ ألف لغم وقنبلة على ضفتى القناة وانتشال ١٠ عوائق كبيرة الحجم من الكراكات والسفن وزن الواحده منها ١٠٠٠ طن بخلاف انتشال أبطال الإنقاذ البحرى بترسانة السويس ٦٢ عائقًا متوسطًا وصغير الحجم من اللانشات والآلات والدبابات والعربات العسكرية بإجمالى وزن ٥٣٠٠ طن.

يقول المهندس ماجد أبوزيد أحد أعضاء فريق الإنقاذ البحرى في هيئة قناة السويس وأحد المشاركين في عملية التطهير للمجرى الملاحي: «بدأت قناة السويس التفكير في التخطيط لتطهير المجرى الملاحى أوائل ديسمبر ١٩٧٣ بجهود فريق الإنقاذ البحرى بهيئة قناة السويس وبالتعاون مع الإنقاذ النهرى وقوات البحرية المصرية، بالإضافة إلى شركات عالمية، على رأسها البحرية الأمريكية والفرنسية والإنجليزية».

وأضاف: «بدأ العمال مسحًا تفصيليًا كاملًا لجميع العوائق الموجودة بالمجرى الملاحى، كما تم الاتفاق مع الشركات العالمية المتخصصة في عمليات انتشال السفن الغارقة الكبيرة والتى توفر لها معدات وأوناش عائمة تصل قدرتها إلى ١٠٠٠ طن ورفع بعض الرمال التى قد تكون متراكمة حول الوحدات الغارقة الكبيرة باستخدام كراكات هيئة قناة السويس وإعادة تحديد المجرى الملاحى للقناة بواسطة الشمندورات العائمة، سواء العادية منها أو المعدنية وإعادة تركيب وتشغيل وسائل الاتصال التليفونى واللاسلكي».

وأكد أن تلك الفترة لم يكن هناك فريق إنقاذ بهيئة قناة السويس، وأنه كان ضروريًا تأسيس فريق إنقاذ يضم عناصر من الفنيين والمهندسين الذين لديهم مهارات الغطس والتعامل مع الوحدات البحرية كالتقطيع واللحام تحت الماء.

وتابع: «بدأت الأعمال الفعلية للتطهير في مايو ١٩٧٤ وكانت مهمته الإشراف على مجموعة العمل الأمريكية، التى تتمثل في شركة «ميرفى باسيفيك» في انتشال السفن الكبيرة بتكلفة بلغت ١١ مليون دولار»، لافتا إلى أن هيئة قناة السويس في ذلك الوقت كانت لا تمتلك معدات حديثة تؤهلها لتطهير المجرى الملاحى بشكل كامل، خاصة لوجود قطع بحرية كبيرة الحجم غارقة في قاع القناة بسبب العدوان الإسرائيلى في ١٩٦٧ وما أعقبه من حرب الاستنزاف وأكتوبر المجيد، هذا بالإضافة إلى عدم وجود العنصر البشرى بسبب وقف التعيينات في هيئة قناة السويس وسفر معظم موظفيها للعمل بالخارج وإلحاق آخرين في الخدمة العسكرية.

ولفت إلى أن العمل في تطهير قناة السويس بدأ في منطقة التينة والكاب والقنطرة مرورا بالإسماعيلية ثم السويس، وأن منطقة السويس كانت الأكثر تضررا من حيث عدد الوحدات الغارقة ونسبة الألغام.

وأوضح أنه بسبب شدة التيار في منطقة قناة السويس لجأ فريق الإنقاذ إلى ابتكار طريقة تمكنهم من اكتشاف العوائق من خلال معدية تتوصل بعدد ٢ واير بهما حمل ثقيل في حالة اصطدامه بالعائق في المياه يتم تحديد الأهداف ومن ثم يقوم الغطاسون بالنزول للوصول إلى الأهداف وانتشالها، وأنه على الرغم من التكنولوجيا التى كانت تمتلكها المجموعات الأجنبية إلا أن هذه المنطقة كان يصعب تعاملهم فيها واستطاع المصرى بذكائه التغلب على التحديات واكتشاف العديد من العوائق بهذه الطريقة البسيطة، حيث تم اكتشاف دبابات وكبارى بهذه المنطقة.

وأكد أنه من ضمن التحديات التى واجهت مجموعة العمل، سد الدفرسوار الذى تم بناؤه ليضمن إغلاق قناة السويس، فكان صعبا إزالته بسهولة، خاصة أن جسم السد يتكون من جزأين، فالجزء الأول عبارة عن صالات ممتلئة بالمياه والرمال والجزء الثانى خرسانى وتعاون رجال الإنقاذ البحرى في هيئة قناة السويس والكراكات والقوات البحرية لإزالته، فكانت مهمة فريق الإنقاذ انتشال الصالات المحملة بالمياه والرمال إلا أن حملة الصال الواحد تخطت ٨٠ طنا، وكانت الرافعات الموجودة في ذلك الوقت لا تستطيع رفع هذه الحمولة، لذلك قامت القوات البحرية بتفجيره، ثم تم رفعه كقطع صغيرة، أما الجزء الخرسانى قامت كراكات الهيئة باستخدام المعدات، وعلى رأسها الكراكة خوفو ذات الحفار بعد أن قامت ورش الهيئة بتزويدها بأجهزة تحكم وتشغيل لرفع الجزء الخرساني.

وأكد أنه عقب عمليات التطهير تم عقد عدة لقاءات ضمت هيئة قناة السويس والمجموعات الفرنسية والأمريكية والإنجليزية والقوات البحرية وشركات التأمين العالمية للتحدث حول تطهير قناة السويس بشكل كامل وخلوها من الوحدات الغارقة، حيث أدت عملية التطهير من انتشال جميع القطع البحرية الغارقة، ليس في فترة العدوان الإسرائيلى والاستنزاف وأكتوبر المجيد فحسب، بل تم انتشال قطع غارقة منذ الحرب العالمية الأولى مثل ريكس والطائرة الإنجليزية سبيد فاير من السويس، والتى قام الألمان بضربها أثناء الحرب.

المهندس عادل فرحات قال: «خلال فترة غلق قناة السويس انتقل للعمل إلى ترسانة بورسعيد وترسانة الهيئة في الإسكندرية»، موضحًا خطورة العمل في ترسانة بورسعيد حيث كانت الغارات الإسرائيلية تضربها بشكل مستمر ما تسبب في العديد من الخسائر في الأفراد والمعدات، مشيرًا إلى أنه شارك في عدد من الأعمال خلال ذلك الوقت منها إنقاذ المركب السياحى في أرمنت، حيث تم سد التسريب الناتج عن انفجار ماسورة الصرف الصحى في القاهرة وغيرها من الأعمال التى أكسبت فريق الإنقاذ خبرات وأثبتت كفاءته للمشاركة في تطهير قناة السويس.

وتابع: أما عن العمل داخل قناة السويس فقد تم نقل الأعمال إلى مناطق خارج نطاق مدن القناة، حيث تم نقل ترسانة بورسعيد إلى الإسكندرية وورش الكراكات إلى ورش إمبابة التابعة لوزارة الرى لممارسة أعمالها كما نقلت إدارة قناة السويس إلى مدينة نصر بمنطقة رابعة العدوية، وتم إسناد أعمال غير بحرية إلى شركات هيئة قناة السويس، مثل أعمال تطوير مطار القاهرة، ليمارس العاملون أعمالهم حفاظًا على خبراتهم وسمحت هيئة قناة السويس بإعطاء إجازات بدون مرتب لكل من يرغب في الالتحاق بعمل في وظيفة أخرى شرط أن تكون في اختصاصه، وبدأت ورش الهيئة عملها في قطاع الإنتاج المدنى لتحصيل دخل لقناة السويس، وتم فتح ورش في كفر الصيادين بالزقازيق على سبيل المثال كما تم افتتاح ترسانة بحرية في الإسكندرية لبناء المراكب والكراكات وتوجهت كراكات الهيئة والوحدات البحرية للعمل في الدول الأخرى، مثل الكويت وسوريا لتحصيل رسوم عن خدمتها جاء ذلك كله للحفاظ على خبرة العاملين في هيئة قناة السويس».

وتابع: «من أبرز العوائق الغارقة في قناة السويس وتم انتشالها خلال التطهير ١٠ عوائق غارقة في مدخل القطاع الشمالى بالقرب من بورسعيد والقطاع الجنوبى على مشارف بورتوفيق عن السويس، بالإضافة إلى ١٢٠ قطعة من العوائق المتوسطة و٥٠٠ قطعه صغيرة بالإضافة إلى السفينة الإسماعيلية والسفينة مكة والكراكة ٢٣ والقاطرة منجد والكراكة ناصر والقيسون الخرسانى والكراكة ١٥ سبتمبر والقاطرة بارع والناقلة مجد والكراكة ٢٢ أما العوائق المتوسطة فتضمنت صالات ولنشات ومعديات وسيارات عسكرية والعوائق الصغيرة عبارة عن بقايا طائرات وانفجارات القنابل وأجسام حديدية وأحجار وكتل خرسانية وشمندورات وأجهزة إنارة.

وأوضح أن السفينة مكة كانت من أصعب القطع التى تم انتشالها، حيث بدأ العمل بها منذ ٢٤ مايو ١٩٧٤ حتى ٢٠ ديسمبر وكانت صعوبة العمل بها بسبب أنها تتكون من أكثر من طابق وحمولتها زادت بعد امتلائها بالماء لذلك لجأ فريق الإنقاذ إلى تقطيعها.

وأضاف أن الأعمال شملت مشاركة كاسحات الألغام الإنجليزية والفرنسية، بالإضافة إلى شركة لاتسيس اليونانية ومجموعة بوجاذير الألمانية في مسح قناة السويس وتحديد مواقع القطع البحرية الغارقة والألغام لتسهيل مهمة فريق الإنقاذ البحرى والقوات البحرية في التعامل معها وانتشالها.

وأكد المهندس عادل فرحات أن كل هذه الأعمال لم تتم بشكل عشوائى، لكنه كان تخطيطا هندسيا على أعلى مستوى بهدف كسح قاع المجرى الملاحى لقناة السويس وعودة القناة للملاحة العالمية آمنة تمامًا بنسبة ١٠٠٪ وكان عرض المجرى الملاحى في ذلك الوقت ١٥٠ مترًا وكان الغاطس لا يتخطى ٣٥ قدمًا فقط.

وأشار عادل فرحات، رئيس مجلس إدارة شركة القناة لرباط وأنوار السفن الأسبق إلى أن المفاجأة التى واجهت الهيئة قبيل الافتتاح بأيام قليلة اكتشاف كوبرى معدنى غارق عند الكيلو ١٢٢ بمنطقة كبرىت، وهى منطقة التقاء البحيرات المرة بقناة السويس، وعلى الفور تمت الاستعانة بالقاطرة منير من بورسعيد لانتشال الكوبري، موضحًا أن معركة تطهير قناة السويس هى معركة هندسية بحرية من الدرجة الأولى ونتيجة ثقة القيادة السياسية في العاملين بهيئة قناة السويس سمحت لنا بقيادة وتنفيذ هذه المعركة.

وعن مراسم الاحتفال بإعادة افتتاح قناة السويس للملاحة العالمية يقول إن الرئيس الراحل محمد أنور السادات قرر أن يكون الاحتفال عن مدخل قناة السويس في بورسعيد ودعا ضيوف بعض الدول، وكان على رأسهم شاه إيران وبدأت المراسم بدخول يخت المحروسة يستقله الرئيس السادات وكان مرتديا الزى البحرى ضمن مظاهرة بحرية كبيرة وكانت بورسعيد تزينت لاستقبال هذا اليوم الحافل معلنًا عن إعادة افتتاح قناة السويس أمام الملاحة العالمية، وبعد الافتتاح منح الرئيس السادات المهندس مشهور أحمد مشهور، رئيس هيئة قناة السويس درجة نائب رئيس وزراء بدلا من وزير؛ نظرًا للمجهود الذى تم في أعمال التطهير والتسليم في المعاد المحدد، حيث كانت عمليه التطهير التى تمت هى الأكبر والأهم في تاريخ قناة السويس حتى الآن وشملت تركيب الشمندورات وتشغيل النظام الملاحى وتدريب المرشدين، خاصة أن أغلب المرشدين سافروا خارج مصر فترة الغلق كل هذا تم بالتوازى في وقت قياسى، كما تم تطوير معدات هيئة قناة السويس التى فقدت أثناء الحرب وكان نظام الملاحة في قناة السويس ذلك الوقت عبارة عن ٣ قوافل ٢ من بورسعيد وواحدة من السويس، وكانت قافلة السويس لا تقف في أماكن انتظار، لأنها تضم سفنًا عملاقة، أما قافلتا بورسعيد، القافلة الأولى تنتظر في البحيرات المرة والثانية تنتظر في تفريعة البلاح وكانت قافلة السويس تبدأ في العبور في الرابع صباحًا، وقافلتا بورسعيد تبدأ في الثانية عشرة صباحًا تقريبًا.

وأكد المهندس عادل فرحات أن جميع الشركات الملاحية وجهت السفن للعبور في قناة السويس فور إعادة افتتاحها، حيث كانت إدارة الهيئة تتلقى يوميًا طلبات بعبور ما يقرب من ٨٠ سفينة، ولذلك قامت هيئة قناة السويس بوضع شروط للعبور في القناة ورفعت سعر رسوم عبور السفن الصغيرة في حين أنه تم تخفيض أسعار الرسوم للسفن العملاقة ومن هنا بدأ وضع نظام تطوير قناة السويس برئاسة المهندس محمد عزت عادل، الرئيس الأسبق للهيئة، حيث قدم منحًا وتخفيضات للرحلات الطويلة، وذلك بهدف جذب السفن التى لا تمر في قناة السويس لتغيير وجهتها للقناة مقابل منح تخفيضات، وما زالت هذه التخفيضات سارية حتى وقتنا هذا.