الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

روح (يونيو)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كلما هل علينا شهر يونيو تستدعى الذاكرة من خواطر هذا الشهر ما يؤجج وجدان الوطن، إذ إرتبط لفترة ليست بالقصيرة بهزيمة (نكسة) 67. ثم بعد نصر أكتوبر بثمانى سنوات وفى ذات التاريخ 5 يونيو تم إعادة إفتتاح قناة السويس، التى شهدت منذ خمس سنوات خلت إضافة حيوية بالتفريعة الجديدة التى كانت تمثل رسالة من نوع خاص مثلما كانت إعادة الإفتتاح بمثابة رسالة ذات مغزى على كافة الأصعدة.
والواقع فإن إرتباط شهر يونيو بداية بالهزيمة قد حال دون إلحاحه على الذاكرة القومية بما بثه من روح التحدى وحتى الثار بالنصر. لتطغى روح أكتوبر التى كانت فى البداية شاهد تألق لأى عمل قومى لتتوارى معها (روح يونيو)، بحكم أن للنصر صخبه المستدام فى حين الإعداد له يكتسب منه أهم صفاته وهو التركيز والهدوء والإستكانة. من هنا جاءت فكرة المقال لتحيى فى نفوسنا ذكريات وضاءة شهدها يونيو المرتبط معنوياً بالنصر ومادياً بالقناة. فجميعنا يعلم أن قناة السويس قد قدمت حوالى مائة وعشرين ألفاً من أبناء الوطن الذين إستشهدوا إبان حفرها على مدار عشر سنوات (1895-1869). وبغض النظر عن قضية السخرة وغيرها من ظروف محيطة بالمشروع، إلا أن من حقهم علينا أن نذكرهم ضمن كتيبة الشهداء الذين قدموا – وما يزالون ـ حياتهم طوعاً من أجل الوطن.
وعندما دار الزمان دورته وباتت القناة محوراً لمواجهات سياسية وعسكرية كان لزاماً علينا أن نؤكد تحديداً على يونيو النصر قبل يونيو الهزيمة. ويونيو النصر هنا يتمثل يوم أعيد إفتتاح القناة التى لم تعد تمثل مانعاً مائياً بل باتت تستعيد أهم سماتها الدولية وهى تيسير الربط بين جنبات العالم، فى رسالة تحمل عبق التاريخ وممهورة بخاتم الحضور الإيجابى لمصر فى المشهد الدولى. ومن هنا كان لزاماً علينا إستثمار (روح يونيو) فى صياغة جديدة لعودة الروح إلى مؤسسات الدولة، بأسلوب جديد يستلهم من يونيو العزيمة والثقة فى قدراتنا بعد الثقة فى الله. إلا أنه فيما يبدو قد إكتفى البعض بروح أكتوبر بعدما قصرنا فى التأكيد على كونها إمتداد لروح يونيو، حيث لم يكن النصر ليأتى بروحه المنتشية لو لم ننفض عن كواهلنا غبار الهزيمة بروح وثابة، تلك كانت روح يونيو. 
وطالما أن (روح يونيو) قد تمثلت فى إعادة إفتتاح القناة فإن ما زيد عليها من مشروع التفريعة الطموح ليؤكد على أن هذه الروح تم إستلهامها من جديد، بعدما نهض الوطن من كبوة (الأَدْيَنَة المفتعلة) أو بالأحرى (الأسلمة السياسية)، مؤكداً على أن ما يمكث فى الأرض هو ما ينفع الناس بالقطع. ومن ثم إستمرت (روح يونيو) تبث بالتوازى مع (روح أكتوبر) طاقات إيجابية ولكن بسمتها الهادىء الذى إتسمت به من بعد 67 و حتى يومنا هذا. 
وأحسب ان ما حبانا المولى من نعمة إستلهام التاريخ لهى الباعث المستدام لإبقاء روح الوطن بعامة فى حالة إتقاد عبر العصور، بحكم تعدد المحطات المضيئة بالإنتصارات فى مسيرة التاريخ الوطنى. هذه الروح كانت بمثابة الدعامة الراسخة حال الإنكسارات بما يضمن تعافى المجتمع من إخفاقاته، وهو ما يفسر ديمومة الألق الذى تتسم به الوطنية المصرية والذى يفسر بالتبعية لا سر الوجود بل سر الخلود فى بلد عرف معنى الخلود و سبل تلمسه. 
إننى من منبرى هذا أحيى (روح يونيو) مثلما فعلت مع (روح أكتوبر)، ولئن كانت الأخيرة قد إرتوت بدم الشهداء فأحسب أن ألأولى قد أينعت بفكر العظماء الذين رسخوا قيمة أن التضحية للوطن مثل قوس قزح تحتمل كل الأطياف. فسلام على يونيو النصر ولروحه المجد الأبدى.