الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

صلاح الحداد يكشف لـ«البوابة» خطة «الإرهابية» لإقامة دولة إخوانية فى ليبيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الكاتب السياسى الليبى: شاركت فى اجتماع أقر خطة
«مئوية الجماعة» عام 2001.. ولم يحدد الدولة المقصودة وقتها
أجهزة استخبارات غربية تستخدم الإسلاميين لاستنزاف موارد ليبيا وتهديد دول الجوار
«الإخوان» و«القاعدة» و«داعش».. ثلاث قوى إرهابية فى ليبيا
ليبيا ظلت الحلم الأسطورى للقوى الإسلامية بعد اكتشاف ثروات النفط


صلاح الحداد، كاتب وباحث ليبى متخصص فى شئون الإسلام السياسى، من مواليد طرابلس، حصل على الماجستير فى التعددية الثقافية من دبلن، ويُعد حاليا لأطروحة دكتوراة فى جامعة ترنيتى بإيرلندا عن تمثيلات العبودية فى الرواية العربية، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين سن ١٩٩٠ وكان عضوا بالتنظيم الدولى، لكنه انشق عنهم سنة ٢٠٠٢ وكشف مخططاتهم المناقضة للقيم والمبادىء الوطنية، وأصدر مؤخرا موسوعة «الإخوان المسلمون فى ليبيا». فضلا عن عشرات الكتب والمؤلفات الأخرى.
وأضاف لـ«البوابة». ما تشهده ليبيا يكشف حقيقة فاضحة هى أن الحدود لدى تنظيم الإخوان حدود أيدولوجية، ما يشكل خطرا على مستقبل الدولة الوطنية فى العالم العربى ككل.
وتابع «الحداد». «التواجد التركى فى ليبيا جزء من خطة التنظيم الدولى لعام ٢٠٢٨ التى تستهدف إعلان دولة خلافة، بمناسبة مرور مائة عام على إنشاء التنظيم، وهذا التواجد متحقق فى ليبيا منذ عام ٢٠١٤، وربما حتى قبل هذا العام من خلال السفن التركيةالمحملة بشحنات الأسلحة الفتاكة».
وأكد صلاح الحداد أن التواجد العسكرى التركى فى ليبيا الآن، دليل قاطع على ما يخطط له التنظيم ويعتزم تنفيذه، من أجندات خطيرة، فى السنوات القليلة المقبلة، وأن الوجود العسكرى التركى على هذا المستوى الضخم، له هدفان، هدف قصير المدى، وهو تعزيز قبضة الإخوان على مقاليد السلطة فى طرابلس، وآخر طويل المدى، وهو توطين هذا الوجود العسكرى، فى البلاد بإقامة قواعد عسكرية، تكون جاهزة لمرحلة الذكرى المئوية على تأسيس التنظيم.
وكشف الباحث الليبى أنه شارك عندما كان عضوا فى التنظيم الدولى للجماعة فى اجتماع بمكتب التخطيط الدولى سنة ٢٠٠١، عقد فى العاصمة الفرنسية باريس، وأنه تم خلال هذا الاجتماع اعتماد مشروع إقامة دولة إخوانية فى إحدى الدول العربية، بحلول الذكرى المئوية للتنظيم عام ٢٠٢٨.
وواصل: «ورغم أن مكتب التخطيط، لم يُسمى هذه الدولة، إلا أن كل التقديرات تشير إلى ليبيا، لاعتبارات خاصة، وهو ما اتضح عقب انتفاضة ١٧ فبراير عام ٢٠١١، التى أعقبها وصول الإخوان فى مصر إلى الحكم ليبدأ عهد من التعاون والتنسيق بين فرعى التنظيم فى البلدين، على كل المستويات، عسكريا وأمنيا وماليا ولوجستيا، ولو استمر الإخوان فى الحكم بمصر، لاختلف الوضع تماما فى ليبيا».
وأوضح أن إخوان ليبيا مقتنعون أنه لن تقوم لهم قائمة، طالما لا توجد دولة إخوانية جارة نصيرة وداعمة لهم، وطبعا فى مثل هذه الظروف، يكون خيار الدولة المصرية أفضل الخيارات.
وتابع:» يمكن القول إنه طالما وجد التنظيم فى ليبيا، سيكون وضع الدول المجاورة دائما محل خطر داهم».


استهداف ليبيا
وقال صلاح الحداد، إن العقد الثانى من الألفية (٢٠١٠-٢٠٢٠)، يمثل عصرا ذهبيا للإخوان فى البلاد، موضحا أن ليبيا ظلت هى الحلم الأسطورى للقوى الإسلامية، منذ منتصف القرن الماضى، خاصة مع اكتشاف وبروز عدة حقائق، منها ثروات البلاد الطبيعية الهائلة، من النفط والغاز والمعادن، والموقع الجغرافى الاستراتيجى، والمستقبل السياسى المجهول، وضعف مؤسسة الجيش، وقلة عدد السكان، والذين يدينون جلهم بالإسلام السنى على المذهب المالكى، حيث لا فرق ولا طوائف ذات بال، إضافة إلى هيمنة التقاليد القبلية، وانهيار نظام التعليم القائم على التلقين، مع تفشى الأمية وانتشار الفساد والفقر والبطالة، وعدم وجود نظام اجتماعى قوى ومنظم.
وتابع قائلا «إن الوضع بعد ٢٠١١ أثبت أن قدرات الإسلام السياسى فى ليبيا قوية، على خلاف ما اعتقده كثير من المتابعين والمحللين، ليبيين وعربا وأجانب، وذلك من خلال استيلاءهم السريع على مقاليد الحكم، فى شرق البلاد وغربها، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، بمساعدة قوى إقليمية ودولية، واستمر هذا الاستيلاء الخاطف، حتى تم هزيمة القوى الإسلامية ودحرها، من شرق وجنوب البلاد، على الأقل، فى منتصف مايو من عام ٢٠١٨، عندما أعلن الجيش الوطنى الليبى، تحرير مدينة درنة من سيطرة الإسلاميين.»
وفسر الباحث الليبى استهانة المتابعين والمحللين، بقوى الإسلام السياسى، خاصة الإخوان، فى أن تكون لهم هذه القدرة الرهيبة والسريعة، فى السيطرة على مقدرات البلاد، رغم وجودهم القليل وتأثيرهم المحدود، بالنظر إلى تقييم تنظيم الإخوان، من زاوية واحدة منعزلة، وهى زاوية قوة التنظيم الشعبية المحلية، وما يحظى به من قاعدة سياسية أو اجتماعية (قبلية)، أو اقتصادية. ويمكن القول أن هذه النظرة السطحية استمدت، قوتها من اختفاء عوامل أو مصادر وأسس، أى قوى سياسية إسلامية، من جهة عدم تمتعها بأى تجربة حزبية سياسية، توفر لها انتشارا ووجودا وحضورا واسعا، يمكنها من القفز على السلطة سريعا، نظرا لقانون حظر الأحزاب، الذى كان ساريا، منذ أيام الملك إدريس السنوسى، ناهيك عن اختفاء الحاضنة الاجتماعية القبلية، التى قد تمثل تعويضا لظاهرة غياب الأحزاب السياسية فى الحالة الليبية.
وقال، إن مثل هذه النظرة فشلت فشلا ذريعا، فى التقييم الحقيقى لقوى الإسلام السياسى فى ليبيا، وعلى رأسها الإخوان، لأنه كان قد غاب عنها حقيقة وجود التنظيم الدولى ومدى تورطه، فى رسم سياسات التنظيمات المحلية، ووضع وتنفيذ خططها فى المنطقة، بما يتمتع به من نفوذ على مستوى علاقاته بالمخابرات العالمية والقوى السياسية الغربية، علاوة على تمكنه، من تسخير قوى إقليمية كتركيا وقطر، فى تحقيق أهدافه ومصالحه، وهو ما نشاهده ونقوم بملامسته، عسكريا وسياسيا وماليا، على أرض الواقع فى ليبيا، يوما بيوم وساعة بساعة. وهنا تكمن قوة الإخوان السياسية والعسكرية والمالية.



قدرات التنظيم
ورأى صلاح الحداد أن الإخوان لا يحظون بشعبية ذات اعتبار فى ليبيا، لكنهم عبر استخدامهم الذكى للقوتين الناعمة والخشنة، استطاعوا السيطرة على مقدرات البلاد وتصدر المشهد السياسى، ناهيك عن فرض أنفسهم، كطرف سياسى، لا سبيل للقوى الدولية والأممية فى الاستغناء عن خدماته، فضلا عن استبعاد شراكته، فى أى عملية تفاوضية، تخص محاصصة سياسية، أو تقاسم للسلطة. وهكذا نجح التنظيم الدولى، فى فرض ورقة الإخوان فى الملعب السياسى الليبى، على كل الأطراف الدولية، بعد أن كان تنظيما منبوذا ومحظورا لأكثر من نصف قرن.
لقد تعلم التنظيم فى رأيه واستوعب الكثير من الدروس، من خلال تجربته الطويلة، التى قاربت على الوصول إلى قرن من الزمن، خاصة تلكم المتعلقة بكيفية إنشاء العلاقات السياسية الدولية، والتغلغل فى المؤسسات السياسية والمالية والاستثمارية؛ لأنهم صاروا يعرفون أنه ليس شرطا الآن، لكى تفرض سيطرتك على بلد ما، هو انتشارك الجماهيرى بين الناس، بل الشرط هو استيلاؤك على مفاتيح المال والسلطة والثروة.
وقال إن تنظيم الإخوان، يشبه فى دورته الحياتية، دورة حياة الفيروسات، من حيث القدرة على التأقلم واستعمال تكتيكات النجاة، مع الظروف المحيطة المتغيرة بوتيرة متسارعة، فإن أول هدف وضع الإخوان عليه أيديهم، حتى قبل اندلاع انتفاضة ١٧ فبراير، البنك المركزى الليبى والمؤسسات التابعة له.
وتابع قائلا: «لكن رغم أن ١٧ فبراير أثبتت قوة الإسلاميين، لكنها فى الوقت ذاته أظهرت مدى تباين تياراتهم، فهم ليسوا على نفس المستوى، من حيث القوة والتخطيط والتنظيم والانتشار والتوسع، رغم أنهم جميعا، فى نفس مستوى الدموية والإرهاب والإجرام والتكالب على السلطة».
وحدد الحداد هذه التيارات، فى ثلاث قوى رئيسة، الإخوان، والقاعدة، وداعش، مشيرا إلى أن تنظيم الإخوان هو أكثر هذه القوى تنظيما وتخطيطا وخبرة وحنكة وتكتيكا وفتكا، باعتباره اليد الخفية التى تتحكم فى تحريك قوى القاعدة وداعش، وحتى القوى القبلية الاجتماعية، لتحقيق مصالحه الاستراتيجية فى ليبيا، بأقل الخسائر.
ورأى صلاح الحداد أن المسألة عند الإخوان، على الأقل، لم تعد مسألة تعاطف الليبيين من عدمها، فهم لم يعودوا يهتموا بهذا الأمر كثيرا، ذلك لأنهم كانوا قد فقدوا الأمل منذ وقت مبكر فى تحقيق هذه الأمنية الغالية، لاعتبارات وجيهة، أيقنوا من خلالها أن العمل عليها قد يستغرق منهم وقتا وجهدا طويلا، لا قبل لهم به. لذلك، قرروا الاستغناء عن تحقيق هذا الأمر، بما أتينا على ذكره، من تكتيكات أخرى بديلة، تحقق لهم السيطرة والاستحواذ، على مفاتيح البلاد، دون الحاجة إلى تعاطف الليبيين.
وفى تصوره فإن الإخوان باتوا يدركون أن الأنظمة والأحزاب الشمولية فى العالم اليوم، لا تحتاج إلى كثير تعاطف من الشعوب، بقدر ما تحتاج إلى قبضة حديدية وآلة إعلامية جبارة، تدير من خلالهما، لعبة صراع العروش وخداع الجماهير. لذلك كان الهدف الثانى للتنظيم، هو السيطرة على الآلة الإعلامية، لصناعة إمبراطورية إعلامية كبرى، يستطيعون من خلالها تحقيق الهدف المنشود. وهو ما تحققت بداياته حتى قبل ١٧ فبراير، عندما سيطرت كوادر التنظيم وخلاياه النائمة على منظومة إعلام ليبيا الغد، التى كان يترأسها سيف الإسلام القذافى، والآن فإنهم يسيطرون على كم كبير من الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية.
وكشف عن أن الإخوان يلجأون إلى استخدام ثلاث وسائل للسيطرة على المجتمع، الأولى عبر المال الفاسد، فى شراء الذمم من زعماء القبائل والأعيان والوجهاء، الثانية الإغراء بالمناصب الدبلوماسية والمالية والسياسية للطامعين وأصحاب النفوذ من أفرادالميليشيات،والثالثة من خلال الإعلام الموجه بنوعيه (الفضائى والإلكترونى)، الذى يقوم على إظهار الإخوان، بمظهر المظلومين فى الأرض، أصحاب مشروع الدولة الوطنية المدينة، والنهضة الكبرى وحقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة والحرية.
وتابع إنهم فى هذا التكتيك، يستنسخون نفس التجربة الإردوغانية الإخوانية التركية؛ لأنهم يرونها النموذج الأمثل، الذى ينبغى أن يحتذى به، للوصول إلى ما وصل إليه، حزب الإخوان فى الدولة العلية.


الاستغلال الغربى
وحول علاقات الإخوان بالقوى الاستخباراتية الغربية استدعى صلاح الحداد مقولة الباحث المصرى الشهير جمال حمدان بأن موقع ليبيا يؤهلها تاريخيا لأن تكون دولة جغرافية، لا دولة سياسية؛ أى حسب تعبيره «هى دولة من صنع الجغرافيا،لا من فرض السياسة». فضلا عن وقوعها بين كتلتين بشريتين ضخمتين، هما مصر شرقا والجزائر غربا، ليدلل على أهمية استغلال القوى الغربية للإخوان فى استنزاف ثروات ليبيا وتبديدها، وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسى، وتعميق حالة التشظى والانقسام، ما يضع البلاد تحت تصرف القوى الأجنبية الاستعمارية. كذلك فإن تلك القوى يمكن أن تستخدم ليبيا كمخلب قط، للتأثير فى دول الجوار.
لقد ناقش صلاح الحداد هذا الأمر باستفاضة فى كتابه عن الإخوان فى ليبيا إذ يشير فيه إلى خدع وحيل الساسة الغربيين ومراكز أبحاثهم المشبوهة، التى تعمل على الترويج لنظرية التطور والارتقاء السياسى، فى موضوع التعامل مع تجربة الأحزاب الإسلامية، فى الحكم والديمقراطية، من باب مقارنتها بتجربة الأحزاب المسيحية فى أوروبا، التى نشأت فى بداياتها، ضد الديمقراطية والليبرالية وقيم العلمانية، إلا أنها سرعان ما تبنت، بمرور الوقت والتجربة والممارسة، قيم الحداثة والعلمنة،عندما أدركت أن مصالحها، تكمن فى توطيد وتوسيع العملية الديمقراطية الليبرالية. غير أنه يرى استحالة تحول أى حزب إخوانى أو أى حزب إسلامى آخر نحو الليبرالية لأنها تصطدم بقواعده الداخلية.
وحول التوقعات المستقبلية للإخوان فى ليبيا قال صلاح الحداد لـ«دقائق» إن سيناريوهات المستقبل مرعبة لأن تخلى الإخوان عن ليبيا يعنى تخليهم عن الحلم الذى عملوا على تحقيقه لتسعة عقود. وأوضح أن ما توفر للإخوان فى ليبيا، من ظروف سياسية وأسباب استراتيجية، وعوامل عسكرية واقتصادية، لم ولن يتوفر لهم فى أى دولة أخرى فى العالم. عليه، فإنه يمكن أخذ إعلان التنظيم لتحويل شمال أفريقية كله إلى جحيم، فى حال اقتراب أى قوة لانتزاع السلطة منهم فى طرابلس، على محمل الجد. وهم فى سبيل تحقيق هذا الهدف، مستعدون لتقديم التنازلات، ليس لروسيا أو أمريكا فقط، بل حتى لمصر، التى يعتبر نظامها العدو اللدود لهم، وليس أدل على هذا، من تنازلات أردوغان وحزبه، التى قدمها للجيش التركى ولحلف الناتو وللاتحاد الأوروبى، مطلع قدومه إلى السلطة عام ٢٠٠٢.
وقال إن الإخوان لا يهمهم حجم التنازلات المقدمة، لأن ما يهمهم بالفعل هو عدم ضياع السلطة منهم، ولو أدى هذا إلى إعلان انفصال غرب البلاد عن شرقها.
وأشار إلى أنه لا يوجد ما يوقف زحف الإخوان نحو تحقيق هذا الهدف الاستراتيجى، إلا يقظة الدول المجاورة، التى تأتى فى مقدمتها مصر، فهناك فهم واحد للوجود الإخوانى فى ليبيا لدولة مثل مصر، وهو وضع الأمن القومى المصرى، على كف عفريت.