الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

عيد العنصرة.. إكمال الفصح والصعود.. ويذكرنا بحلول الروح القدس على الرسل والتلاميذ

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتفل الأقباط حول العالم بعيد العنصرة الذي يختتم الزمن الفصحي بعد خمسين يومًا من أحد القيامة.
ويُعتبر عيدُ العنصرة عيد ميلاد الكنيسة في القدس، أمّ الكنائس كلّها، لأنها كنيسة القيامة وكنيسة الروح القدس.
والكثير يعلّم الكنيسة الأولى هي التي المسيح مات وقام وصعد إلى السماء وتمجَّد وتمّم عمله بإفاضة الروح على جماعة الرسل يوم العنصرة (أعمال 2: 23- 32).
وعليه تُشكّل العنصرة إكمال الفصح والصعود ويذكرنا هذا العيد بحلول الروح القدس على الرسل والتلاميذ الآخرين الذين كانوا مجتمعين للصلاة مع مريم العذراء في العلية وكانت عدد الجماعة نحو مائة وعشرين شخصًا (أعمال الرسل 1: 14-15).
لأن السيد المسيح القائم من الموت والذي صعد إلى السماء أرسل روحه إلى الكنيسة ليجعلنا نعيش العنصرة من جديد (أعمال الرسل 2، 1-11) كي يتمكن كل مسيحي من مشاركته حياته الإلهية، ويصبح شاهدًا حقيقيًّا له في العالم.
ومن هنا نتساءل معنى العنصرة وما هي علاماتها وكيف نعيش العنصرة وأين تمت العنصرة؟
أطلق لفظ عنصرة على العيد الذي يحتفل به بعد الفصح بخمسين يومًا وقد تطوَّر موضوع هذا العيد: كان أولًا عيدًا زراعيًا، ثم أخذ يعني، فيما بعد، ذكر حادث العهد التاريخي. وأخيرًا أصبح هبة الروح، معلنًا إنشاء العهد الجديد على الأرض.
عنصرة لفظة عربية مأخوذة من العبرية (عتصيرت) ومعناها اجتماع أو احتفال واما التسمية اليونانية للعيد البندكُستين، اي الخمسين باللغة الإنجليزية، لأنه كان يحتفل به بعد مرور سبعة أسابيع (تثنية الاشتراع 16/9) أو خمسين يومًا بعد الفصح (احبار 23: 16).
نجده في يوسيفوس فلافيوس (3:252) والكتابات الرابينيّة، فيدلّ على ختام “الخمسين الفصحيّ”. ودُعي أيضًا عيد الأسابيع شفوعوت” (طوبيا 2:1) ويعتبر عيد العنصرة (عيد الاسابيع) أحد أعياد الحج اليهودية الثلاثة مع عيد الفطير (الفصح) في الربيع وعيد الاكواخ (قطف الثمار في الخريف) (تثنية الاشتراع 16/13 واحبار 23/ 34) يحتفل به اليهود به في حضرة الله مع جميع أهل البيت ومع الفقراء وبعد دخولهم ارض كنعان كان يحتفل اليهود بهذه الاعياد في الهيكل.
وعليه احتفل اليهود في البداية في عيد العنصرة في الربيع كعيد شكر لحصاد القمح (خروج 23:16). فكان يتحتم على الذكور من الشعب أن يجتمعوا معًا للعبادة (أحبار 23: 21)وسمي يوم البواكير (عدد 28:26) لأنه كان يقدمون فيه رغيفين من الدقيق الذي طحن من غلة الحصاد ( أحبار 23:17 )، ويقدمون عشر ذبائح (أحبار 23:18) ويذكرون المحتاجين ( تثنية 16:11). عنصرة هو عيد اختتام عيد الفطير ( تث 16:8) أو عيد المظال ( أحبار 23:36).
وفي القرن الثاني قبل الميلاد تطور العيد وأصبح ذكرى نزول الشريعة على يد موسى كلم الله في طور سيناء لان الشريعة أعطيت خمسين يومًا من بعد الفصح أي عبور الشعب من ارض العبودية إلى صحراء الحرية (خروج 19: 1- 16). 
وفي قمران تبدو العنصرة أهم الأعياد التي فيها يحتفلون بتجديد العهد ولكن المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس (3:252) تجاهل مدلول العيد هذا واكتفى بالحديث عن عيد زراعي في التوراة. وكذلك في الكتابات الرابينيّة، فيدلّ على ختام الخمسين الفصحيّ.
ومنذ القرن الثاني ظهر المعنى الديني للعنصرة في الكتابات الرابينيّة (كتاب اليوبيلات ف 6) فبدت وكأنّها تأثّرت بخبر الفصح المسيحيّ كما رواه أعمال الرسل 2.
اما في المفهوم المسيحي في العهد الجديد فيشير عيد العنصر إلى مواصلة التجلّيات الإلهية في العهد القديم بحلول الروح القدس. يوضح بطرس الرسول أن العنصرة تحقق مواعد” الله: ففي الأيام الأخيرة سوف يعطى الروح للجميع (يوئيل 3: 1- 5، حزقيال 36: 27). وسبق يوحنا المعمدان وتنبأ بحضور ذلك الذي كان مزمعًا أن يعمّد بالروح القدس (مرقس 8:1). وقد ثبَّت يسوع بعد قيامته هذه المواعيد: “تعمَدون بالروح القدس بعد أيام قليلة ” (أعمال 1: 5).
في يوم الخمسين بعد الفصح حين كان كثيرون قد أتوا إلى أورشليم واجتمعوا بمناسبة عيد العنصرة تمّ إنجاز وعد ربنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بإرسال الروح القدس على التلاميذ الأطهار (أعمال 1:2-14). ويستعمل كتاب أعمال الرسل لوصف العنصرة رموز للإشارة إلى الروح القدس: صورة ريح عاصفة وصورة النار والتكلم باللغات
صورة ريح عاصفة: يشير أعمال الرسل بصورة العاصفة إلى ظهور الله في سيناء، الذي يتحدث عنه سفر الخروج (19، 16 – 19) والتثنية (4، 10) وهي علامة للجبروت الإلهي، الذي يشعر الإنسان بحضوره أنه خاضع وأنه عدم ومما لا شكّ فيه أنّ روح الرّبّ قد أعطي للتلاميذ قبل صعود الرّب إلى السّماء عندما نَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: خُذوا الرُّوحَ القُدُس مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم (يو20: 23-24) ولكن قبل العنصرة لم نسمع صوت الروح القدس ونرى إشراقة قوّته. ولكن ومنذ يوم العنصرة صار صَوتُ الرَّبِّ على المِياه صَوتُ الرَّبِّ يَقُدُّ شُهُبَ ناروكلٌّ يقولُ في هَيكَلِه: لَه المَجْد(مز 29: 3) وبدد خوف التلاميذ.
صورة النار: بهيئة ألسنة كأنها من نار حل الروح القدس على التلاميذ في صباح العنصرة وملأهم منه (أعمال 3: 2-4). وترمز النار إلى قدرة أعمال الروح القدس. بشَّر يوحنا المعمدان بالمسيح معلنا انه هو الذي “سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار(لو 3:3: 16)؛ هذا الروح الذي سوف يقول عنه يسوع: جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ نارًا، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت (لو 12: 49). حمل يسوع إلى الأرض النار أي الروح القدس بواسطة أكبر فعل حب في التاريخ: موته على الصليب. اختار الله يسوع ابنه الوحيد لكي “يلقي النار على الأرضو ولقد حفظ التقليد الروحي رمز النار كأفصح تعبير عن عمل الروح القدس “لا تطفئوا الروح” (1 تس 5:19).
والجدير ان يذكر ان التكلم بالغات هي صورة من المواهب الروحية التي نجدها لدى الجماعات المسيحية الأولى وإن كان الكلام بالألسن غير مفهوم في ذاته (1 قورنتس 14: 1-25)، إلا أن جميع الحاضرين فهموه. وهذه المعجزة، القائمة في الاستماع، تدل على انتشار الجماعة المسيحية لتشمل كافة الشعوب، وعلامة من علامات دعوة الكنيسة الجامعة، حيث يأتي إليها المستمعون من مختلف العالم (أعمال 2: 5-11). وتحقق العنصرة في أورشليم الوحدة الروحية بين اليهود والمهتدين من كافة الشعوب التي تفتتَّت بسبب برج بابل (تكوين 7: 1-9). ومن هنا أصبحت الكنيسة زمن الكنيسة والأزمنة الأخيرة والوحدة.