الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رسالة إلى حفيدي عن كوفيد 19

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أتمنى أن يظهر لك مقالي هذا وأنت تبحث في محركات البحث الإلكترونية، واحتياطيا وضعت لك نسخة مكتوبة في خزانة أوراقي. كنت قد تركت لوالدك فيها كل ما كتبته خلال حياتي، التي لم أكن في هذه اللحظة أعرف إلى متى تستمر.
نحن الآن وأنا أكتب لك في نهاية شهر مايو ٢٠٢٠ وأنا رجل أربعيني ووالدك مازال على أعتاب الثماني سنوات.
من المؤكد أنه حكي لك أنني كنت صحافيا لكن شاءت الظروف أن أحب هذه المهنة وأعمل بها في غير أوانها، لكنني حاولت جاهدا أن أفعلها بكل حب وتفاني، حاولت قدر المستطاع أن أضع اسمي بين أسماء من مروا بها وتركوا أثرا.
لا أعرف الآن في زمنك كم واحد سيتذكرني لكن عاود يا حفيدي العزيز، قراءة ما كتبت ما نشرته ومالم أنشره، كانت لدي طاقة كبيرة للقراءة والكتابة، كان الحرف شاغلي الشاغل وكنت محبا للحياة راضيا بنصيبي منها.
كنت يا حفيدي أبحث عن الحب في كل شيء وعلى قدر المستطاع أوزع منه من قلبي قدر استطاعتي.
في هذا التاريخ الذي ذكرته لك وقبله بعدة أشهر نهاية عام ٢٠١٩ وبداية عام ٢٠٢٠ كان الوضع الاقتصادي يسوء، نيران الحروب كانت مشتعلة في كل مكان، إرهاب وخراب ودمار وتردي أوضاع اقتصادية، لكن كنا نحاول أن نعيش، نكتفي بالقليل من الأمل نتصبر به بأن القادم أفضل.
كانت مصر في معركة عنيفة مع التكفيريين والإرهاب دفعنا فيها ثمنا باهظا جدا من الشهداء، وبينما كانت مصر الحبيبة تلتقط أنفاسها من جماعات الدم والإرهاب الذين تاجروا بالدين وخدعوا وقتلوا، ظهر مرض عضال.. ظهر فجأة فيروس يدعى كوفيد ١٩ كان مدمرا حصد أرواح العديد في كل أنحاء العالم.، البعض قال أنه مصنوع وأنه جزء من حرب بيولوجية بين الصين والولايات المتحدة أقوى قوتين في هذا الوقت واللتان تبادلا الاتهامات فيما بينهما، والبعض قال أنه غضب من الطبيعة وأن الله أراد أن يعزلنا في بيوتنا لنراجع حساباتنا، أقاويل كثيرة قيلت حينها أظن أنه قد وصلك بعضها وأنت تتخيل بها ما كان يحدث.. منعت الصلوات في المساجد.. منع الطواف في الكعبة وأغلق المسجد النبوي.. امتلأت المستشفيات.. عدد الوفيات كان مرعبا، ومع ذلك كان لدي أمل في النجاة واستكمال حلمي، لم يكن لدى يقين بأني سأراك لكني كنت أظن أنه مازال لدي الوقت لأكتب لك أكبر قدر من الرسائل وأصنع لك الدرجات الأولى من سلمك في الحياة.
أنا أحاول جاهدا يا حفيدي العزيز أن أهرب من رائحة الموت المعبأ بها هذا الزمان.. أن أهرب من تلك اللحظة ومن الفواجع حولي.. فكل الأخبار هنا الآن عن الموت عن الذين نفقدهم في كل لحظة ومع ذلك أود أن أداعبك في خيالي بعبارات الأمل.
يا حفيدي العزيز أثرت أن أكتب لك ما كان في هذا الوقت المرير لتأخذ حذرك وتعتني بنفسك جيدا، أريد منك أن تكون شجاعا وطيبا وأن ترحم من حولك.. أن تحافظ على صحتك وتدخر جزء من أموالك فربما جاءت عليك ضائقة مثلما حلت علينا، كما أريدك يا عزيزي أن تتعلم جيدا سأكون سعيدا جدا إذا كنت طبيبا ماهرا تعالج الناس وتساهم في إيجاد لقاح لأي وباء يظهر، فالفقراء يا حفيدي العزيز هنا يموتون فقط لأنهم لم يجدوا الدواء.. الدولة تساعد على قدر الإمكان لكن التركة كانت ثقيلة وكنا نعول على المستقبل.. كنت أنا ومن معي نأمل أن نرى بلدنا في المستقبل.
لا تنسى أن تأتي لقبري وتطمأني كيف أصبح حال مصر الآن؟ كيف أصبحت بكم يا حفيدي؟ رهاني كان أننا آخر جيل لعق الثرى ودفع ضريبة الجهل والمرض، وأن جيل أبيك أول الغيث فطمئني إن كان قد صدق حدسي أم لا؟
لو نجوت من هذا الوباء سأكتب لك التجربة كاملة أنا الآن أحاول جمعها ولو لم أستطع ستجد منها ما كتبته في أوراقى.
وأخيرا يا حفيدي لا يغرنك بريق أوراق جدك فتحب امتهان الصحافة كن طبيبا أو ضابطا أو حتى تاجرا وأكتب ما تشاء في وقت فراغك، حينها ستبدع أكثر لأن القلم لن يكون مربوطا برزق.